ضوابط البرامج والأنشطة التربوية

 

 

ضوابط البرامج والأنشطة التربوية

الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وحده لا شريك له، ولا رب سواه, وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام من أرسله الله -تبارك وتعالى – رحمة للعالمين، فأنار به الطريق, كشف الله به عن عباده الغي والعمى والتخبط في ظلمات الجهل والهوى, تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا من كان من الهالكين، أما بعد:

فإنه من الأهمية بمكان أن يكون لكل عمل برنامجاً وجدولاً يسير عليه، مع ضرورة كون تلك البرامج والأنشطة مباحة من الناحية الشرعية، ومناسبة لقدرات واستعدادات المستهدفين بها، ويجب أن تسهم في تنمية الجوانب الإيمانية, والعقلية، والاجتماعية،والعاطفية، والثقافية؛ لدى المستهدفين.

ومما يحسن ذكره أنه يجدر أن توظف بعض هذه البرامج لخدمة كتاب الله – تبارك وتعالى -، وأن تكون شاملة للأنشطة التعبدية، والثقافية، والعلمية، والاجتماعية، والرياضية، وعليه فإنه لكي تحقق هذه البرامج والأنشطة أهداف الحلقات القرآنية ينبغي أن تراعى الضوابط والشروط الشرعية والتربوية لهذه البرامج، ومنها:

1- أن تكون مباحة من الناحية الشرعية.

2- أن تكون مناسبة لقدرات واستعدادات الدارسين في الحلقات القرآنية.

3- أن تسهم في تنمية الجوانب الإيمانية والعقلية، والاجتماعية والعاطفية، والثقافية لدى الطلاب الدارسين في الحلقات القرآنية.

4- أن تكون هذه البرامج والأنشطة التربوية خادمة لكتاب الله – تبارك وتعالى -.

5- أن تكون هذه البرامج شاملة للأنشطة التعبدية والثقافية، والعلمية والاجتماعية،والرياضية, حتى تكون مبعدة للملل والسآمة عن الطلاب الدارسين في الحلقات القرآنية.

6- أن تكون محددة بفترة زمنية مناسبة مثل فترات الراحة إذا كان وقت الحلقة طويلاً, أو في يوم إجازة, أو يخصص لها فترة زمنية محددة مرة أو مرتين من كل أسبوع.

7- أنتحدد الأماكن التي تزاول فيها هذه الأنشطة التربوية، فهي إما أن تكون داخل المسجد الذي تقوم به الحلقة، أو خارجه كالرحلات أو المخيمات، أو القيام بأداء العمرة والزيارات كزيارة بعض المصانع أو المعارض أو غير ذلك.

أنواع البرامج التربوية:

من المعلوم أن هناك الكثير من البرامج والأنشطة التربوية المناسبة لطلاب الحلقات القرآنية، والتي يمكن أن تقوم بها الحلقة، ويختار منها ما يكون ملائماً لطبيعة الحلقة، وطلابها، ومن ذلك:

أولاً: البرامج التعبدية:

فعلى مدرس الحلقة القرآنية ومشرفها التربوي القيام بتشجيع الطلاب ودفعهم للحرص على أداء العبادات المفروضة عليهم كالصلوات الخمس، وصيام رمضان، ثم القيام ببعض نوافل العبادات، وتربيتهم على ذلك بهدف تدريبهم على المحافظة عليها، والعمل على تحبيبها لديهم، وتعويدهم على الأداء لها في أدب وفهم وخشوع، وعليه أن يستشعر الأجر العظيم من الله – تبارك وتعالى – فعن أبي مسعود الأنصاري  قال: جاء رجل إلى النبي   فقال: إني أبدع بي فاحملني, فقال: ((ما عندي)), فقال رجل: يا رسول الله أنا أدله على من يحمله، فقال رسول الله  :((من دل على خير فله مثل أجر فاعله))1.

ومن النوافل التي يمكن تشجيع الطلاب عليها: صلاة الضحى, وأذكار الصباح والمساء، مع حفظها, وحفظ جميع أذكار المناسبات, وحث الطلاب على أداء ركعتين قبل الجلوس في المسجد وذلك عند الدخول إليه وهي تحية المسجد, وتعويدهم على إمامة الناس بالصلاة في بعض الأحيان, وحثهم على صيام يومي الإثنين والخميس, والأيام البيض, وإخبارهم بفضلها عند الله – تبارك وتعالى -، وتعليمهم أنه لا يشترط أن نتميز في كل الجوانب بل المعلوم أن الصحابة   كان منهم من يعرف بالاجتهاد في العبادةوالطاعة لله – تبارك وتعالى – أكثر من غيره، ومنهم من كان يعرف بالاجتهاد في طلب  العلم أكثر من غيره، ومنهم من كان يعرف بالاجتهاد في الجهاد والفروسية أكثر من غيره، وهكذا كان كل واحد منهم مع اجتهاده، وعلو منزلته؛ إلا أنه كان متميزاً في أمر من الأمور التي يحبها الله – تبارك وتعالى – ويرضاها، وكان النبي   يمدحها ويمدح فاعلها، ويثني عليه بها، وقد ذُكِرَ عبد الله بن مسعود عند عبد الله بن عمرو   فقال: ذاك رجل لا أزال أحبه، سمعت النبي   يقول: ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود – فبدأ به -، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))2, وعن أنس  : عن النبي   قال:((لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح))3, وعن جابر بن عبدالله – رضي الله عنهما – قال: ندب رسول الله الناس يوم الخندق؛ فانتدب الزبير, ثم ندبهم فانتدب الزبير, ثم ندبهم فانتدب الزبير, فقال النبي  : ((لكل نبي حواري،وحواريِّ الزبير))4,وغير ذلك من الآثار.

ثانياً: البرامج الثقافية:

فإن على مدرس الحلقات القرآنية والمشرف عليها القيام بوضع جدول فيه أهم البرامج الثقافية التي يكلف بها الطلاب، وتشجيعهم على القيام بها، وتكريمهم إذا قاموا بها، وهذه البرامج تتمثل في إلقاء كلمة قصيرة بعد الصلاة مثلاً, أو في الأنشطة التي يعملونها, والصلاة بالناس في شهر رمضان المبارك وذلك بتوزيعهم على المساجد, والمشاركة في إقامة الاحتفالات, وكذا المشاركة في إقامة الحفل السنوي الذي يقام,وإقامة المسابقات الثقافية المختلفة, وتدريب الطلاب على كتابة البحوث العلمية بأن يكلف الطالب بكتابة موضوع مثلاً يتعلق بالقرآن الكريم, أو تكليفهم بتلخيص كتاب نافع, والقيام بمسابقات ثقافية وعلمية، ومسابقة في القرآن الكريم، ومسابقة في العلوم الإسلامية, ومسابقة في الخطابة والإلقاء؛ حيث يمكن لمن يقوم بتلك البرامج تحديد موضوع مناسب للإلقاء، ومن ثم تكليف المشاركين بإلقائه بعد بعض الصلوات المفروضة على جماعة المسجد الذي تقام فيه الحلقة.

البرامج الاجتماعية:

وهي من أهم البرامج والأنشطة التي يمكن أن تقوم بها الحلقة من أجل نزع الملل من نفوس الطلاب، والترويح عليهم بإدخال السرور على نفوسهم لتحقيق شيء من التوازن في تحقيق متطلبات النفس الإنسانية، كما أن الأهمية تزداد في ظل انتشار الفتن التي انتشرت في أوساط المجتمعات, ووسائل الترويح المحرمة المتوفرة بكثرة، كما أن هذه الأنشطة تتيح لمدرس الحلقة ومشرفها فرصاً طيبة للعيش مع الطلاب خارج الحلقة، فيتعرف على شخصياتهم، وتتضح له الجوانب السلبية والإيجابية في تصرفات كل واحد منهم، فيحثهم على الاستمرار في الأمور الحسنة، ويشجعهم عليها، وتحذيرهم من الأمور السيئة, وهي تعتبر فرصة لإضافة بعض الخبرات والتجارب إلى رصيدهم، وتربيتهم على الجوانب الإيمانية والقيم والمبادئ الإسلامية عن طريق القدوة الحسنة التي يجدونها من مدرسهم ومشرفهم وموجهم، والجو الإسلامي الذي يعيشون فيه من محافظة على الصلاة في وقتها، والقيام بنوافل العبادات، وحسن المعاملة، وترك السيئ من الطباع، وبذيء الألفاظ التي يتعامل بها الناس في مجتمعهم ونحو ذلك.

هذا بالإضافة إلى ما ينعمون به من فوائد من خلال الدروس العلمية، والمواعظ الإيمانية، والتفكر في مخلوقات الله – تبارك وتعالى – في الأنفس والآفاق، مما يكون من صميم برامج هذه الأنشطة غالباً، ومن الأنشطة الاجتماعية التي يمكن أن تقوم بها الحلقة:

1- الرحلات:  فبإمكان الحلقة أن تقوم بالعديد من الرحلات القصيرة والطويلة، بحسب الإمكانات المتاحة، و من أنواع الرحلات التي يمكن إقامتها مثلاً:

1- رحلة النصف يوم: حيث يخرج الطلبة مع مدرسهم إلى مكان قريب من المكان الذي تقام فيه الحلقة، ويكون بعيداً عن الضجيج، وتتوفر فيه الإمكانية لمزاولة بعض الأنشطة الرياضية والثقافية، ويفضل أن تكون هذه الرحلة في كل شهر مرة أو مرتين, وذلك لعدم التكلفة المادية فيها، ولكونها محضناً تربوياً جيداً، ووسيلة من وسائل تشجيع الطلاب على الاستمرار في الحلقة، ومواصلة حفظهم للقرآن الكريم، وفهم المواد العلمية التي تدرس معهم.

2- رحلة يوم كامل: بحيث يخرج الطلاب ومعهم معلمهم ومشرفهم ومسئولي البرنامج إلى إحدى ضواحي المدينة المناسبة للجلوس، ويأخذون معهم الوجبات المناسبة لذلك ليتم تناولها خلال الرحلة, ويفضل أن تكون مثل هذه الرحلة في أحد أيام الإجازة الرسمية, أو في يوم الخميس والجمعة؛ بحيث يتمكنون من زيارة بعض المدن الجميلة, والمناظر الطيبة، ليقوم المدرس بإرشادهم إلى التفكر في عظمة الملك العلام تحقيقاً لقول الله – تبارك وتعالى -: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}5, وقوله – جل في علاه -: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}6, فإن الغرض الأساسي من الرحلة هو التفكر في عظمة الله – تبارك وتعالى -، وإبعاد السآمة والملل من نفوس الطلاب, بحيث يرجعون وقد زاد إيمانهم وشوقهم إلى حلقاتهم, ويعطى الطلاب فرصة كافية لممارسة برنامجهم الرياضي في هذه الرحلة بجميع أنواعها من كرة وسباحة وسباق وغير ذلك, وإعطائهم وقت لمراجعة ماحفظوه من القرآن وغير ذلك.

2- المخيمات: إذ للمخيمات التي تقام في حلقات القرآن والمراكز العلمية دور كبير في توجيه الطلاب وتربيتهم، وتشجيعهم على الاستمساك بدينهم، والالتزام بأحكامه وتعاليمه، وتغيير ما يخالفه من سلوك لديهم نحو الأسمى والأفضل، وبإمكان الحلقة إقامة مخيم لعدة أيام يكون خاصاً بالطلاب البارزين فيها، من الذين تزيد أعمارهم عن خمسة عشر سنة مثلاً سواءً أكان ذلك في إحدى المدارس الإسلامية في فترة الإجازات، أو في مكان آخر مناسب،كما أن بإمكان الحلقة أن تقيم المخيم لطلابها في كل سنة مرتين، كما يمكن أن تضم إلى الحلقة حلقات أخرى مجاورة بنفس منطقة الحلقة حسب ما يراه مسئولي هذه البرامج7.

وهذا ما تيسر القول فيه في هذا الموضوع، والحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه.

 


1 رواه مسلم برقم (1893).

2 رواه البخاري برقم (3597)؛ ومسلم برقم (2464).

3 رواه البخاري برقم (4121).

4 رواه البخاري برقم (6833)؛ ومسلم برقم (2415).

5 سورة آل عمران (191).

6 سورة الغاشية (17-20).

7 استفيد كثيراً في كتابة هذا الموضوع من كتاب برامج تربوية مقترحة للحلقات القرآنية إعداد: مصطفى بن خليل بن محمد.