بعض المخالفات العقدية في الحج

بعض المخالفات العقدية في الحج

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خير خلق الله وأشرفهم نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام ما تعاقب الليل والنهار، أما بعد:

فإن الله – تبارك وتعالى – يصطفي ما يشاء من خلقه ويختار، فقد اصطفى من البشرية الأنبياء والرسل – عليهم الصلاة والسلام -، واصطفى محمداً – صلى الله عليه وسلم – منهم بمزيد من الاصطفاء، واصطفى من الأماكن المساجد، واختص ثلاثة مساجد بمزيد من الفضائل، وفضَّل المسجد الحرام على المسجد النبوي, والمسجد الأقصى، واصطفى من الأزمنة شهر رمضان، ويوم عرفة، ومن الساعات ساعة في يوم الجمعة، وهذا له – سبحانه جل وعلا – لأنه هو الذي قال في كتابه الكريم: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}1.

ثم ألزمانا باتباع محمد – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم –  فقال – تبارك وتعالى -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}2؛ وعن جابر – رضي الله عنه – قال: رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: ((لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه))3، وقال – عليه الصلاة والسلام -: ((خذوا عني مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا))4.

ومع ذلك وُجِدَت كثير من المخالفات والبدع من الناس إما لجهلهم مثل العوام، أو بسب كونهم من الفرق المبتدعة مثل: الصوفية والرافضة, ووجدت كثير من البدع الشركية وبخاصة تلك المتعلقة بالآثار والأماكن التي يُظَنُ قدسيتها ومشروعية زيارتها، أو أن لزيارتها تعلقاً بصحة الحج، أو أن هناك عبادات معينة تشرع عندها، ومن أهم هذه الأماكن ما يلي:

أولاً: السفر بقصد زيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم -، أو غيره من الصحابة والصالحين:

فالسفر بقصد زيارة قبر النبي – عليه الصلاة والسلام – بدعة محدثة، وذلك لأنه لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول – صلى الله عليه وسلم -، ومسجد الأقصى))5، وتشرع زيارة النبي – عليه الصلاة والسلام – إذا كان الإنسان في المدينة النبوية، أما إنشاء السفر لغرض زيارة القبر فهذا لم يعرف عن السلف الصالح – رضوان الله عليهم أجمعين -، والخير في اتباعهم

والخير كل الخير في اتباع من سلف                   والشر كل الشر في ابتداع من خلف

وعن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال في مرضه الذي مات فيه: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مسجداً)) قالت: "ولولا ذلك لأبرزوا قبره غير أني أخشى أن يتخذ مسجداً"6.

ثانياً: ما يفعل عند غار حراء، وجبل ثور، وما يفعل عند جبل الرحمة من التبرك به، والتمسح:

وهذا من الشرك – والعياذ بالله تعالى -، وذلك لأن النبي – عليه الصلاة والسلام – لم يفعل ذلك، ولم يأمر به, ولم ينقل عن أحد من الصحابة الكرام – رضوان الله عليهم – أجمعين أنه فعل ذلك، فعلم أنه محدث، وفي الصحيح عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد))7، وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))8, يقول الشيخ حافظ حكمي – رحمه الله – في سلم الوصول:

هذا ومن أعمال أهل الشرك                من غير ما تردد أو شك

ما يقصد الجهال من تعظيم ما                لم يأذن الله بأن يعـظما

كمن يلذ ببقعة أو حجـر                   أو قبر ميت أو ببعض الشجر

متخذاً لذلك الـمكــان                 عيداً كفعل عابدي الأوثان9

ثالثاً: التمسح بحيطان الكعبة والمقام:

ومن البدع كذلك التمسح بحيطان الكعبة المشرفة وبالمقام، وذلك لأنه لم يؤثر أحد من السلف هذا الفعل.

رابعاً: اعتقاد أن اللّه – تعالى – ينزل عشية عرفة على جمل أورق، يصافح الركبان، ويعانق المشاة:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – على هذا الكلام: "وهذا من أعظم الكذب على الله – تعالى -ورسوله – صلى الله عليه وسلم -، وقائله من أعظم القائلين على الله غير الحق، ولم يرو هذا الحديث أحد من علماء المسلمين أصلاً، بل أجمع علماء المسلمين وأهل المعرفة بالحديث على أنه مكذوب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وقال أهل العلم كابن قتيبة وغيره هذا وأمثاله إنما وضعه الزنادقة الكفار ليشينوا به على أهل الحديث"10، وقال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى -: "مكذوب ومفترى"11.

وهذه إساءة إلى الله – تبارك وتعالى -، فالذي ورد في السنة حديث جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان يوم عرفة إن الله ينزل إلى السماء فيباهي بهم الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين من كل فج عميق، أشهدكم إني قد غفرت لهم، فتقول له الملائكة: إي رب فيهم فلان يزهو وفلان وفلان؟ قال يقول الله: قد غفرت لهم، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((فما من يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة))12؛ فهذا الذي ورد، ومن المعلوم أن أهل السنة يثبتون ذلك النزول، ويفوضون الكيفية إلى الله – تعالى – لأنه لم يأت الدليل ببيانها، فهو ينزل نزولاً يليق بجلاله – سبحانه وتعالى -.

خامساً: الظن بأن استلام الركن اليماني والحجر للتبرك لا للتعبد:

وهذا من البدع، وذلك لأن الحجارة لا تنفع ولا تضر، وإنما ورد ذلك تعبداً, والعبادات توقيفية، فينبغي الاقتصار على ما ورد في السنة وهي حسبنا.

سادساً: التبرك بالمطر النازل من ميزاب الكعبة13، وبالعمود المنصوب فوق جبل الرحمة بعرفات: وكتابة الأسماء عليه، والتمسح بباب الكعبة، والتبرك بلمسه، ومسح سائر الجسد، وكذا بكسوة الكعبة، ومحاولة أخذ شيء منها، وكذلك بالجدران والشبابيك، والأبواب في المسجد الحرام، وكذلك مسجد عائشة – رضي الله عنها – بالتنعيم، ومسجد الجعرانة، والتبرك بالحلقات النحاسية التي تربط بها كسوة الكعبة.

سابعاً: اعتقاد أن الشيطان في الجمرة، وعندما يقوم برميها فإنه يعتقد أنه يقوم برجم الشيطان:

وليس ذلك أمر تعبدي.

فهذه بعض المخالفات العقدية التي يقع فيها بعض الحجاج ذكرناها ولم يكن قصدنا الحصر لها, وقد جمع العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله تعالى – المخالفات التي تقع في الحج في كتاب أسماه "حجة النبي – صلى الله عليه وسلم – كما رواها عنه جابر – رضي الله عنه -: ((خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذ14))"، فهو كتاب جامع نافع، وهو المرجع الأساسي لهذا المقال.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.


 


1 سورة القصص (68).

2 سورة الحشر (7).

3 رواه مسلم في صحيحه برقم (1297).

4 رواه البيهقي في السنن الكبرى برقم (9307)؛ وصححه الألباني في مختصر إرواء الغليل برقم (1074)؛ والجامع الصغير وزيادته برقم (9192)؛ وفي صحيح الجامع برقم (5061).

5 رواه البخاري في صحيحه برقم (1132)؛ ومسلم في صحيحه برقم (827) ورقم (1397).

6 رواه البخاري في صحيحه برقم (1265)؛ ومسلم في صحيحه برقم (529).

7 رواه البخاري في صحيحه برقم (2550)؛ ومسلم في صحيحه برقم (1718).

8 رواه مسلم في صحيحه برقم (1718).

9 معارج القبول شرح سلم الأصول (1/35).

10 مجموع الفتاوى (3/385).

11 الصواعق المرسلة (3/830).

12 رواه ابن خزيمة في صحيحه برقم (2840)؛ وصححه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (3/388)، وفي (21/206)؛ وروي بمعناه، وحسنه الألباني في الجامع الصغير وزيادته برقم (2240)؛ وضعفه في السلسلة الضعيفة برقم (679).

13 حجة النبي للألباني (1/116)؛ ومناسك الحج والعمرة (1/52)؛ وأرشيف ملتقى أهل الحديث 4 (1/5327).

14 رواه النسائي في سننه برقم (3062)؛ وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته برقم (13840)؛ وفي صحيح الجامع برقم (7882).