خذوا عني مناسككم

خذوا عني مناسككم

 

الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}1, والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين القائل: ((خذوا عني مناسككم))2، – صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الكرام الأخيار، أما بعد:

فإن هذا الحديث أصل في الاتباع، وقد أخرجه الإمام مسلم – رحمه الله تعالى – في صحيحه من حديث  جابر – رضي الله عنه – قال: ((رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: ((لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه))3, وذلك أن النبي – عليه الصلاة والسلام – إنما أُرسِل إلينا هادياً ومعلماً، فما من شيء إلا وقد دلنا عليه، وأعلمنا به، وأرشدنا إليه، وانظر إلى الصلاة كيف ورد الأمر بها في القرآن عاماً، ولم يفصل في كيفيتها وعددها، بل بيَّن ذلك النبي – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -، وكذا جاء في الحج وفي غيرها من العبادات.

والأمر بمتابعة النبي – صلى الله عليه وسلم – جاء في آيات كثيرة منها قوله – تعالى -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}, وقال – تبارك وتعالى -: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}4, وهذا الحديث يعتبر مبيناً لما أجمل في كتاب الله – تبارك وتعالى – حيث قال: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}5، وأن الذي بينه – عليه الصلاة والسلام – هو من عند الله – تبارك وتعالى – حيث قال الله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}6, وقال – عليه الصلاة والسلام -: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه…الحديث))7؛ فبهذا يتبين أن ما جاء به فهو من عند الله – تبارك وتعالى -.

وإليك بعض الأقوال الواردة عن السلف – رحمهم الله – في الإتباع:

   قال ابن عطاء – رحمه الله -: "من ألزم نفسه آداب السنة؛ نوَّر الله قلبه بنور المعرفة, ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه8".

   وقال الإمام أحمد – رحمه الله -: "من علم طريق الحق سهل عليه سلوكه, ولا دليل على الطريق إلى الله إلا متابعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في أحواله وأقواله وأفعاله9".

   وقال ابن القيم – رحمه الله -: "فمن صحب الكتاب والسنة، وتغرب عن نفسه، وعن الخلق، وهاجر بقلبه إلى الله فهو الصادق المصيب10".

   وقال البربهاري – رحمه الله -: "واعلم رحمك الله أن العلم ليس بكثرة الرواية والكتب، إنما العلم من اتبع العلم والسنن، وإن كان قليل العلم والكتب، ومن خلفَ الكتاب والسنة فهو صاحب بدعة وإن كان كثير العلم والكتب11".

       وقال أبو إسحاق الرقي: "علامة محبة الله: إيثار طاعته، ومتابعة رسوله – صلى الله عليه وسلم –12".

   وقال ابن أبي العز – رحمه الله -: "والعبادات مبناها على السنة والاتباع لا على الهوى والابتداع13"، وقال – رحمه الله -: "وكل من عدل عن اتباع سنة الرسول – صلى الله عليه وسلم – إن كان عالماً بها فهو مغضوب عليه، وإلا فهو ضالّ14".

   وقال ابن الماجشون – رحمه الله -: "سمعت مالكاً يقول: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة، لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}15، فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم دين16".

فهذه بعض الآثار كلها تدل على وجوب الاتباع للنبي الكريم – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين -, حيث أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم – مشرِّع, وقد قام النبي – صلى الله عليه وسلم – بأداء مناسك الحج، وقال: ((خذوا عني مناسككم)), فيجب على الناس متابعته في المناسك كلها، ومن عمل شيئاً فيها لم يعمله النبي – صلى الله عليه وسلم – فقد ابتدع في الدين، وأتى بما لم يأت به النبي المصطفى – عليه الصلاة والسلام -، فيكون عمله بذلك مردوداً عليه غير مقبول لحديث أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))17, وفي رواية عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد))18، ولأجل هذا تجد أن النبي الكريم – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – علَّم أمته العبادات كلها بأدق تفاصيلها، ومن هذه العبادات عبادة الحج، فعلمهم كيفية الإحرام, وطواف القدوم، وطواف الإفاضة, واستلام الحجر, وكيفية السعي بين الصفا والمروة, والوقوف بعرفة, والمبيت بالمزدلفة, والنحر, والحلق والتقصير والحلق أفضل, وكل مناسك الحج، ثم قال: ((خذوا عني مناسككم))19.

نسأل الله – تبارك وتعالى – التوفيق والسداد، ونسأله – تبارك وتعالى – أن يرزقنا اتباع رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – في كل أمورنا من الأقوال والأفعال، ونسأله رضاه والجنة، إنه سميع قريب مجيب، والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.


 


1 سورة الحشر (7).

2 صححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته برقم (9192)؛ وفي صحيح الجامع برقم (5061).

3 رواه مسلم في صحيحه برقم (1297).

4 سورة آل عمران (31).

5 سورة آل عمران (97).

6 سورة الشورى (52).

7 رواه أحمد في المسند برقم (17213)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن أبي عروف الجرشي فمن رجال أبي داود والنسائي وهو ثقة؛ وصححه الألباني في صفة الصلاة (1/171)؛ وفي تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (1/59).

8 مدارج السالكين (2/486).

9 انظر: مدارج السالكين (2/486)؛ ومفتاح دار السعادة (1/165).

10 مدارج السالكين (2/487).

11 شرح السنة (104).

12 مدارج السالكين (2/487).

13 شرح الطحاوية (37)؛ وانظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (4/170).

14 شرح الطحاوية (511).

15 سورة المائدة (3).

16 الاعتصام للشاطبي (1/28).

17 رواه مسلم في صحيحه برقم (1718).

18 رواه البخاري في صحيحه برقم (2550)؛ ومسلم برقم (1718).

19 صححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته برقم (9192)؛ وفي صحيح الجامع برقم (5061).