سمحاً إذا باع

سمحاً إذا باع

 

الحمد لله الذي خلق فسوى، وأخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، أحلَّ البيع وحرَّم الربا، والصلاة والسلام على نبي الهدى محمد وعلى آله وصحبه ومن بهداهم اهتدى، أما بعد:

أيها الإمام العزيز: كما تعلم أنه قد انتشر في هذا الزمن: الحلف، والكذب، والاحتكار، والخيانة، وتطفيف الميزان…وغير ذلك من المفاسد والمخالفات الشرعية التي تقع في الأسواق والمحلات التجارية مما يقع فيها كثير من تجار المسلمين اليوم، مع العلم أنه قد ورد الوعيد الشديد في الكتاب والسنة لتلك المخالفات فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبر وصدق))1، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة إلى السوق؛ فمرَّ على صبرة طعام2، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام)) قال: أصابته السماء3 يا رسول الله، قال: ((أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس، من غش فليس منِّي)) رواه مسلم (147).

ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء التجار على ما قد يخفف عنهم إثم ما يقعون فيه أحياناً من حلف أو كذب عن قصد أو تعود وتقليد بدون قصد أحياناً فقال عليه الصلاة والسلام: ((يا معشر التجار، إنه يشهد بيعكم الحلف والكذب؛ فشوبوه بالصدقة))4.

ولأهمية أن يتعلم هؤلاء التجار كيف يبيعون وكيف يشترون؛ أحببنا أيها الأخ المبارك (إمام المسجد) أن نضع بين يديك مشروعاً مباركاً تقوم به في حيِّك الذي تسكن فيه.

فكرة المشروع:

ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى وإذا اقتضى)) رواه البخاري برقم (2076)، وعملاً بهذا الحديث النبوي السابق، وتخفيفاً من تلك المخالفات الشرعية، وأداء لرسالة المسجد؛ فنقترح أن يقوم إمام المسجد في أسبوع من الأسابيع بما يلي:

       إعداد خطبة الجمعة لذلك الأسبوع إعداداً ممتازاً، ويكون عنوانها: "سمحاً إذا باع".

       إذا كان في المسجد مجلة حائطية فيجعل عنوانها في ذلك الأسبوع: "سمحاً إذا باع".

       يحاول قدر المستطاع أن يسجل خطبة الجمعة تلك، ثم في اليوم التالي يقوم بتوزيعها على جميع بيوت ومحلات ذلك الحي.

       يستضيف شيخاً مؤثراً، بعد أن يحدد له اليوم المناسب من ذلك الأسبوع؛ ليلقي في ذلك المسجد محاضرة بهذا العنوان نفسه.

       ثم يختم تلك الأنشطة بمسابقة تحت هذا العنوان، وتسلم الجوائز نهاية ذلك الأسبوع.

   وحبذا أيضاً في نهاية هذا الأسبوع، أو حتى من بدايته: يكون هناك صندوق لفتاوى الناس في مسائل البيوع، يتم الإجابة عليها ورقياً، ثم تنبيه الناس في بعض الدروس، أو اللقاءات، أو النصائح العامة؛ حتى يعلم من كان يظن أن عمله صحيحاً وهو ليس كذلك أو العكس.

ويكون الإمام بهذه الأنشطة والتوعية الدينية – بإذن الله تعالى – قد بلَّغ بلاغاً مبيناً، واستفاد الناس وأدركوا ما يجب أن يكون عليه التاجر المسلم – كبرت تجارته أو صغرت -، وعمَّت الفائدة وحصلت، وبرئت الذمة، وقامت الحجة.

والله نسأل أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، والحمد لله رب العالمين.


 


1 أخرجه الترمذي برقم (1131)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (994).

2 الصبرة: الكومة المجموعة بلا كيل ولا وزن.

3 السماء: المطر.

4 رواه النسائي في سننه برقم (3738)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (3800).