عناية الله بنبيه في القرآن الكريم

عناية الله بنبيه في القرآن الكريم

الشيخ محمد صالح المنجد

15/1/1431هـ

عناصر الموضوع:

1. الآيات التي تدل على عناية الله بنبيه  .

2. الرسائل المجانية بدع ومحاذير.

3.صلاة الخسوف في حال الغيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله إلى يوم الدين.

الآيات التي تدل على عناية الله ​​​​​​​  بنبيه : 

أيها المسلمون: لقد كان نبينا  يعيش مع ربه من خلال هذه الآيات التي تتنزل عليه في القرآن الكريم، وكان هذا القرآن مع نبينا عليه الصلاة والسلام يعلمه، يوجهه، يرشده، يثبته، يبصره، ينبهه ويوقظه، وإذا تأملنا كلام الله ​​​​​​​ مع نبيه  في القرآن الكريم فيما هو موجه إليه مباشرة سنجد عجباً، فنجد أن أول آية في القرآن موجهة إلى النبي اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ۝ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ۝ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ۝ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ۝ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (العلق:1-5)، وهكذا أقرأ جبريل النبي  القرآن، وعندما تحتاج الدعوة إلى نشاط وهمّة كان يقول له: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (المدثر: 1) الذي تغطى بثوبه ولحافه، قُمْ فَأَنذِرْ (المدثر: 2) هذا وقت الإنذار، إن يوم الساعة قريب، اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ (القمر:1)، قم فأنذر هؤلاء قبل أن يبغتهم الموت، وقبل أن تقوم القيامة فيحق عليهم الجزاء، قُمْ فَأَنذِرْ (المدثر:2)، ولأن هذا الإنذار فيه إعلان بعظمة الله وكذلك عبادة لله؛ يقول له: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (المدثر:3) ، ولأن الصلاة تحتاج إلى طهارة وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (المدثر:4)، ولأن التوحيد ينافيه الشرك وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (المدثر: 5)، ولأن العبادة لا يجوز المن بها على الله فيقول له: وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (المدثر:6)؛ ولأن الدعوة تحتاج إلى صبر، والعبادة تحتاج إلى صبر أيضاً وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (المدثر:7)، عندما تحتاج الدعوة إلى صلة قوية بالله، وعندما يحتاج تلقي الوحي إلى قلب قوي لا يقوى إلا بالعبادة، وعندما يكون تثبيت القرآن بالقلب لا بد له من فعلٍ وقلبٍ يواطئ هذا القول ويقوم به فيقول: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ۝ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاًً (المزمل:1-2)، قم من الفراش، قم من جانب الزوجة، قم يا أيها الخائف، المسألة تحتاج إلى قيام، القضية جد، القضية خطيرة، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا۝ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا۝ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (المزمل: 2-4)، وعندما تكون هذه الآيات بما فيها ثقيلة لا بد من تهيئة نفسية قبل أن تنزل فيقول له: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (المزمل:5)، ولما تنتقل الدعوة من مرحلة إلى مرحلة تأتي الأوامر بهذه الانتقالات من الله ​​​​​​​  الذي يربي نبيه  على عينه فيقول له: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء:214) يبدأ بهم، ثم الانتقال بالدعوة من الإسرار إلى الجهر، وأن يأتي هؤلاء الكفار فينذرهم، وأنذرهم وبأي شيء ينذرهم؟ يوم الآزفة إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ (غافر: 18)، الساعة، القيامة، الأهوال، العذاب، جهنم، ترغيبٌ بالجنة، بالحسنات بالثواب من الله تعالى، الوعد الجميل، وكذلك في الدنيا وما سيأتيهم إذا أطاعوا ربهم، يوجهه ويرشده حتى إلى أي شيء يوجه كلامه، وعلى ماذا يركز في حديثه، إلى الإنس وحتى إلى الجن قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ (الجن:1)، وهكذا ذهب إليهم فعلمهم ما أمره الله به.

لما فتر الوحي وانقطع مدةً قال الكفار: قلاه ربه، تخلى عنه، محمد تركه شيطانه، وإذا بالآيات تنزل وَالضُّحَى (الضحى :1)، وفيها قسم وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى۝ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (الليل: 1-2)، ما ودَّعك وما تركك، ما تخلى عنك ولا أهملك، وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى۝ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (الضحى:4-5)، ولا زالت عطايا الله عليك متوالية، ولا زالت نعمه تترى، ولذلك فسيأتيك ما يرضيك حتى تقر عينك وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (الضحى:5)، وذكره بما كان في صغره أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (الضحى:6) وذكره بما كان في جاهليته وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى۝ وَوَجَدَكَ عَائِلًا ذكره بفقره فَأَغْنَى (الضحى:7-8)، وأوصاه باليتيم والسائل، والتحدث بنعمة الله تعالى.

كان هذا القرآن، وكانت هذه الآيات، وكان الله ​​​​​​​ مع نبيه  يشهد له بالفضل، ويبين درجته، ويشيد بأخلاقه، ويمنُّ عليه منةً بعد منة، ويعده وعداً حسناً وعداً بعد وعد، أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ۝ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ۝ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ۝ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (الشرح:1-4)، فها أنت تذكر في الأذان فلا أُذكر إلا وتُذكر معي، وحتى دخول الإسلام لهذه الأمة كلها يذكر رسول الله  بعد ذكر الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، لا تُذكر في مجلس إلا وقد أَمَرْنا الناس أن يصلوا عليك وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (الشرح: 4)، تُكتب الكتب في سيرتك، وتُلقى الدروس، والحلقات في خبرك وشأنك، وذكرك وطريقتك، وتُلقى الدروس في تعليم سنتك، وهكذا تُقرأ الأحاديث إلى قيام الساعة، ويقول المحدثون وطلبة العلم:  كلما جاء في الحديث وفي السند ذكره، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (الشرح: 4)، ثم يوصيه بشكر الله، وبشكر ربه، وأن يوالي العبادات عبادة بعد عبادة، فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ۝ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (الشرح:7-8)، يبين له وظيفته في هذه الحياة، إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (الرعد:7) ، وهو رسول وخاتم الرسل، ويؤكد له على هذه الحقيقة يس۝ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ۝ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ۝ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (يس:1-4)، أنت نبيهم، أنت الموكل بهم، أنت المسؤول عنهم، أنت المبلِغ، لكن هذا القرآن الذي أنزلناه عليك وهو ثقيل، -كان عند النبي عليه الصلاة والسلام قلق من أن جبريل إذا قاله أن لا يستطيع أن يحفظه بعده مباشرة، ويتفلت منه شيء، ويضيع أو يذهب، فكان يحرك لسانه بعجلة خشية الآية التي بعدها أن تأتيه وهو لم يضبط التي قبلها، فطمأنه وقال له: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ۝ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (القيامة :16-17)، علينا أن نثبته في صدرك، نحن نتكفل بتحفيظك إياه، وأنك لن تضيِّع منه حرفاً ولا آية، سنجمعه في قلبك، ستقوى على حفظه وتذكره دائماً -، ويرسل له نبيه جبريل  يراجعه في كل رمضان، وفي السنة الأخيرة التي توفي فيها عليه الصلاة والسلام يراجعه معه مرتين لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ۝ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ۝ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ۝ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (القيامة:16-19) هذا القرآن بسببه عودي النبي عليه الصلاة والسلام، بسببه قام عليه الكفار، بسببه سبوه، شنئوه، أبعدوه، بسببه حاربوه، وخنقوه، ضربوه، شتموه، عابوه، قذفوه، قالوا عنه: مجنون، وساحر، وكذاب، وبه جِنَّة، فهل هذا القرآن هو سبب شقاء لنبينا ؟ قال الله ​​​​​​​ : طه (طـه: 1)، (طاء، هاء) من الأحرف المقطعة، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (طـه:2) أنزلناه عليك لتسعد، أنزلناه عليك لتستنير، أنزلناه عليك ليكون أَمامَك وإِمامَك، أنزلناه عليك لينير لك الطريق، أنزلناه عليك لنثبتك به، أنزلناه عليك ليكون لك سلواناً وفرجاً، وتسلية وتسرية عمَّا في نفسك، وعما صار بك من الأذى من جراء هؤلاء الأشقياء، أما أنت فلست بشقي، ويقولون عنك: مجنون، ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ۝ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (القلم: 1-2)، ويعده ويثبته، وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (القلم:3) غير مقطوع، متوالي، ويشهد له بالفضل بين جميع الناس، وإلى قيام الساعة، جناً وإنساً، وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم:4)، النبي عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على دعوة قومه، يشق عليه جداً أن يُعرضوا، ويحاول فيهم مراراً وتكراراً، وفي منتدياتهم وبيوتهم، ويدعوهم إلى بيته، وفي الطريق، ويأتيهم في الحج والمواسم، وعندما لا يجد فائدة في مكة يخرج إلى الطائف، ويحاول هناك، ويردوه ويؤذوه، صارت الدعوة دعوة ثقيلة، وهو حزين عليهم ومن أجلهم، فكان يحتاج إلى أن يقال له: لَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ (فاطر: 8)، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (الغاشية :22)، عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (الرعد:40)، كانت القضية واضحة، هناك بعض الأشياء التي يقرؤها عليهم فيها عيب لآلهتهم، فيها في الحقيقة توبيخ لهم على عبادة أصنام، لا تسمع ولا تبصر، ولا تنفع ولا تضر، وربما وجد في نفسه شيئاً من الثقل وهو يدعوهم بهذه الآيات التي فيها توبيخ لهم، وهم جاءوا يشكون إلى عمه: سبَّ آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ (هود:12)، هل ستتركه؟ لا يمكن، لا يُخفِي منه شيئاً، بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (المائدة:67)، هددوك شتموك أخرجوك، يريدون قتلك، وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، بلغ، لا بد أن تبلغ، وبالبيان وبالتوضيح، وكما أنزلناه عليك، ولو وجد في نفسه شيئاً من الحرج في حكم معين مثلاً، كان عندهم في الجاهلية من أكبر العيب أن يتزوج الواحد مطلقة ابنه بالتبني، يعني نزلوا الأب بالتبني زوراً منزلة الأب بالنسب؛ لأن التبني حرام، إذ لا يجوز أن تنسب لك ولداً ليس من نسبك، وجعلوا الذي يتزوج زوجة ابنه بالتبني إذا طلقها الابن من أكبر الحرام، فكيف كان إبطال هذا الحكم الجاهلي، فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا (الأحزاب:37)، زيد كان ابنه بالتبني، وزينب كانت زوجة زيد، فارق زيد زينب، زوج الله نبيه  من زينب من فوق سبع سنوات، والعقد تم في السماء، وهو مجرد خبر وحي، انتهى لا ولي ولا شهود، عَقْدٌ في السماء، خصوصية للنبي لكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا، ولما صار في نفسه شيءٌ قال له بالكلام الصريح وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ (الأحزاب:37)، ولمَّا يحصل من النبي عليه الصلاة والسلام اجتهاد مخالف للأولى، ما يكون فيه مجاملات، لأن الحق حق، ولا بد أن يُبَيَّن حتى لنبيه  ، ويقول له بصراحه: عَبَسَ وَتَوَلَّى۝ أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى۝ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى۝ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى۝ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى۝ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى۝ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى۝ وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى۝ وَهُوَ يَخْشَى۝ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى۝ كَــلاَّ(عبس:ا-10)، مجاملة لزوجاته، منع نفسه آلى وحرم بعض الطيبات، فينزل حكم بدون مجاملات حتى مع نبيه  ، ليقول له: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ (التحريم:1)، الحل موجود قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ (التحريم 2)، كفارة يمين وتنتهي القضية، رفع الله منزلته، وأخبره أنه ميت وراحل إليه إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (الزمر:30)، وأخبره بفضله عنده، ودرجته، وأمر الناس أن يُصَلُّوا عليه، وبين لهم مكانته، وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ (الحجرات:7)، اُقدروا له قدره، حافظوا على حرمته، التزموا بالأدب معه لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (الحجرات: 2)، وإذا قدم أحد رأيه على سنة النبي ﷺ، وعلى حديثه يقال له: لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الحجرات:1)، أمر الأمة أن تتأدب معه إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (الأحزاب:56)، وهكذا مضى نبينا  إلى ربه، وترك لنا هذا القرآن، نتأمل في خطابات الله لنبيه، لنرى ما هو المنهج، وماذا يجب أن نعمل وأن نقول، وما هي المواقف وكيف يكون الصبر والعبادة، والملازمة والتلازم بين الدعوة والعبادة، وقضية العلم وقضية الإيمان، وقضية تبليغ الدين، وقضية الوضوح في العَرض، وقضية عدم إخفاء شيء، وقضية الثبات وعدم التنازل، وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً۝ إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ (الإسراء: 74)، فهل نحن سنبلغ بصراحة ووضوح، وهل سنقوم بالواجب في الدعوة، وهل سنلتزم بالعبادة، وهل سنصبر؟ كم مرة يقول الله له: اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ (ص: 17)، لَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (الروم:60)، وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (النمل:70) مكرهم يُضايق، مكرهم يُدخل الضيق في النفس، لا تكُ في ضيق مما يمكرون، الله معك!! إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (النحل 128)، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أتباع نبيك يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من أوليائه، اللهم اجعلنا من أتباعه، اللهم اجعلنا من حملة سنته، اللهم ارزقنا شفاعته يوم الدين، وارزقنا لقاءه في جنات النعيم، اللهم اجعلنا معه عندما نأتيك يوم القيامة يا أرحم الراحمين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله أكبر، سبحان الله العظيم، أشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، النبي الأمين، وأصلي وأسلم عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وخلفائه الميامين وذريته، وأزواجه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

الرسائل المجانية بدع ومحاذير:

عباد الله: يبتلي الله العباد بأشياء ليكشف ما عندهم، وهو عليم بهم من قبل أن يفعلوا، واتباع أوامر النبي  لا بد أن تكون دائماً معنا، فإذا أَمَرنا بحفظ الوقت حفظنا أوقاتنا، وإذا نهانا عن الاستهزاء بالمسلمين والسب والشتم أمسكنا، وإذا أَمَرنا بالاشتغال بذكر الله اشتغلنا، وإذا أَمَرنا بالصدقة بأموالنا تصدقنا، وإذا نهانا وكره لنا تضييع المال ما ضيعنا.

جاءت الرسائل المجانية في عرض شركة اتصالات، ماذا فعل الناس، بأي شيء انتهزوا الفرصة، إذا كان الشيء مجاناً كثروا منه، كثروا منه في ماذا؟ هذا امتحان لهم، قََدر من الله، قدّر الله أن يكون هنالك عرض مجاني إذا صدقوا فيه، بأي شيء استُغِل، جعل بعض الناس يرسل بدعاً: – صل عشر مرات، وأرسلها لعشرة أشخاص يصلوا كذا مرة فيكون لك مليار حسنة -، أصلاً تحديد الأعداد هذه بناء على ماذا؟ – وهذه أمانة في رقبتك، وإذا ما أرسلتها يوم الدين سأسألك -، أنت الذي تدير الناس يوم الدين، وأنت الذي تسأل على كيفك يوم الدين، لهم رب يحاسبهم، فإنما حسابه عند ربه، ليس عندك، – ليلة رأس السنة سيكون الناس في لهو ولعب، وكفر وعصيان -، طيب.. – فلنجتمع الساعة الثانية عشرة ليلاً لنصلي حتى ينظر ربنا إلينا -، طيب .. جمع الناس على العبادة الساعة الثانية عشرة ليلاً برسائل جوال هو من السنة في شيء؟، جمع الناس على الصلاة، وتحديد الساعة الثانية عشرة ليلاً هل هذه سنة؟، وهكذا باب البدع مفتوح على الجرار، وبدع وراء بدع، ورسائل وراء رسائل، كلها في أشياء ما أنزل الله بها من سلطان في مثل هذا: – دعاء السنة الجديدة -، وأدعية ما أنزل الله بها من سلطان، – وكل جمعة ذكر مخترع ­-، جمعة مباركة، ذكر مخترع، لا تجد ولا في أي ديوان من دواوين السنة أن النبي عليه الصلاة والسلام علمه لأصحابه، أو قاله أو أصحابه قالوه فيما بينهم، أو أن بعضهم كانوا يقول لبعضهم كل جمعة يقول: (جمعة مباركة) (جمعة مباركة)، وأذكار مخترعة، فإذاً بدع ترسل، أحاديث موضوعة ترسل، استهزاء بالأشخاص والقبائل والبلدان ترسل، هو تلا علينا قول الله ​​​​​​​ : لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ (الحجرات:11)، فلماذا السخرية؟ حتى رسائل فارغة، يقول:المهم أن أرسل!! الرسالة الفارغة تدل على صاحبها، فإذاً ما خلقنا الله هملاً ولا فراغاً، فإذاً بدلاً من أن تغتنم الفرصة في إرسال أشياء مفيدة ثابتة صحيحة، فإذا بها بهذه الطريقة، لماذا يستغل الناس التقنية أو التخفيضات أو الفرص التسويقية أو العروض المجانية لماذا يفعلون هكذا، أنت قد ترسل طرفة خالية من المحظورات لتدخل بها سروراً على قلب مسلم فتكسب أجراً، وهذا مفهوم وواضح، ولا حرج فيه شرعاً، إذا خلت هذه الطرفة من المحظورات الشرعية، ما فيها استهزاء بمسلمين، ولا سخرية، ولا كذب؛ فلا بأس، أن تدخل بها سروراً على قلب مسلم؛ هذا من أبواب الأجر، لكن بهذه الطريقة التي نراها، ليست القضية الآن فقط أن نتكلم على مسألة أين الحضارة؟ وأين التحضر؟ وأين الارتقاء؟ وأين المدنية؟ وأنه هذا تعامل متخلف مع التقنية؟ القضية أعلى من مسألة حضارة ومدنية، القضية قضية شرع ودين، وحسنات وأجر، وثواب واحتساب ويوم القيامة، هذا أعلى من أن تتكلم على قضية التحضر، الآن قضية الثواب، الله ​​​​​​​ سيسألنا يوم القيامة عما نكتب، وعما كتبناه، كل كاتب سيُسئل عما كتبه، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (الإسراء:36) إذا قال واحد أريد الدليل على الأصابع أن هذه مسئولة؟ من أين؟ روى الإمام أحمد في حديث النبي  عن الأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات ، ولذلك أمر بعقد التسبيح بهن، عقدة.. عقدة.. عقدة، تسبيح سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، فإن مسئولات مستنطقات أي الأنامل، ونحن نكتب الرسائل بالأصابع، وبالقلم نمسكه بالأصابع.

صلاة الخسوف في حال الغيم:

أيها الأخوة: المسألة تحتاج إلى محاسبة نفس، وقفة محاسبة، اتباع السنة يقتضي أن نلتزم بما قاله، فقال لنا في الخسوف والكسوف أننا إذا رأيناه فزعنا إلى ذكر الله والصلاة، طيب.. إذا صارت السماء فيها غيمٌ ومطر، وما رأيناه، هل نصلي؟ لا.

بعض الناس أمس فجأة يصلون، لماذا؟ قال: رأيناه في التلفزيون، ولا ندري هل هذا قلة فقه، أو قلة علم، أو قلة بصيرة؟ ينبغي أن نلتزم بسنة نبينا  ، وما نفعل حتى نسأل، إذا جهلنا نسأل، فإنما شفاء العي السؤال.

أيها الأخوة: إن مما نوصي به أنفسنا إحياء سنة رسول الله ، والدعوة إليها، والحرص عليها، تَعَلُّم هذه السنة، وتمييز الصحيح من غيره، وقد بذل العلماء أعماراً أفنوها في هذا الموضوع، (تمييز السنة مما علق بها من غيرها ومما شابها من الموضوعات، والمكذوبات، ومؤامرات أعداء الله على السنة)، والحمد لله أن هذه الجهود المسطورة المشكورة المأجور أصحابها إن شاء الله من حفظ الله لسنة نبيه إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر :9)، والذكر كما قال الشافعي: القرآن والسنة.

اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا، وأهلينا وأموالنا، اللهم استر عوراتنا وآمن روعتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم إنا نسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، والإخلاص في الغيب والشهادة، والقصد في الغنى والفقر، ونسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بالقضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضله، اللهم احفظ بلدنا هذا وبلاد المسلمين من كل سوء، اللهم من أراد بلدنا بشر فامكر به، واجعل كيده في نحره، ثبت علينا الأمن والإيمان، وارزقنا السلامة وقوة الإسلام في نفوسنا يا رب العالمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.