الإمام في السفر

الإمام في السفر

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، وعلى آله وصبحه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الأمام في السفر ينبغي أن يكون خير المسافرين، وأن يكون عالماً بأحكام الصلاة من قصر وجمع وغيرها حتى يطبق هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، إذ حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أن أحقية إمامة القوم في مساجدهم هي من نصيب أقرأهم لكتاب الله: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله؛ فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً، ولا يؤمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعدْ في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) رواه مسلم (673)، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص إماماً على أصحاب الطائف لما وفدوا عليه، لما قال له عثمان بن أبي العاص: يا رسول الله اجعلني إمام قومي!! قال: ((أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً))1؛ وهذا لأن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه كان أقرأ القوم، حيث كان يمر عليه الوفود فيتلقاهم في الطريق، فيستمع منهم القرآن، ويحفظ منهم ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد جمع بعض صغار السور من القرآن الكريم.

وعلى الإمام أن يأخذ برُخَصِ السفر لأن فيها تيسير على من معه، فإذا صلى قصر الصلاة الرباعية كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل في سفره؛ وفي الجمع بين الصلاتين يتحرى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يفعل فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن يرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر حتى ينزل للعصر، وفى المغرب مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن يرتحل قبل أن تغيب الشمس أخَّر المغرب حتى ينزل للعشاء، ثم جمع بينهما"2.

استحباب تخفيف الصلاة:

كما أنه يستحب أن يخفف القراءة في الصلاة حتى لا يشق على من خلفه فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بنا العشاء الآخرة فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون"3، وورد أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقرؤون في السفر بالسور القصار4، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على التخفيف في الحضر فكيف بالسفر الذي فيه من المشقة أكثر، لذا ينبغي للأمام أن يراعي مثل هذا الأمر فلا يطيل في صلاته فيشق على المصلين، حيث فيهم المتعب والمستعجل وذا الحاجة.

إمامة المسافر بالمقيم:

ومن الأحكام التي تدخل في هذا المبحث إمامة المسافر للمقيم، فإذا أمَّ المسافر مقيمين فينبغي له أن ينبههم على أنه مسافر، وأنه سيقصر الصلاة، وعليهم أن يتموا لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قدم مكة صلى لهم ركعتين، ثم يقول: "يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر"5، فإذا نبههم بأنه مسافر، وسيقصر الصلاة؛ زال الإشكال عند المؤتمين فلا يتحيرون عند تسليمه، بل يعرفون أنه قد أكمل صلاته، فيقومون ليتموا ما بقي عليهم، أما من كان معه مسافراً فإنه يقصر الصلاة مقتدياً بصلاة الإمام.

نسأل الله بمنِّه وكرمه أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً، والحمد لله رب العالمين.


 


1 رواه أبو داود (531)، وصححه الألباني.

2 رواه أبو داود (1208)، وصححه الألباني.

3 رواه أبو داود (1221)، وصححه الألباني.

4 مصنف ابن أبي شيبة (3684).

5 السنن الكبرى (5111)، وقال الشوكاني: "رجال إسناده أئمة ثقات" نيل الأوطار (3/204)، وقال النووي وشيخ الإسلام "إسناده صحيح" المجموع (8/92)، مجموع الفتاوى (24/118)، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك لكن الحديث ضعفه الألباني انظر ضعيف الجامع الصغير (6380).