كلمات حق أريد بها باطل

 

 

كلمات حق أريد بها باطل

الشيخ محمد صالح المنجد

عناصر الموضوع:

1. أساليب الطعن والتشكيك في الدين.

  1. .بعض الشبه والرد عليها.

    1. الإنسان مخير بين الأديان.
    2. الإسلام دين المحبة.
    3. القرآن حمّال أوجه.
    4. أنتم أعلم بأمور دنياكم.
    5. إلغاء الحدود الشرعية.
    6. ضوابط المصلحة المعتبرة.
    7. تجديد الخطاب الديني.
    8. الضرورات تبيح المحظورات.
    9. الإسلام دين الوسطية.
    10. الدين يسر.
    11. تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان.
    12. الدين ليس ملكاً لأحد.
    13. لا إنكار في مسائل الخلاف.
    14. النساء شقائق الرجال.
  2. .الواجب علينا تجاه هذه الشبهات وغيرها.

  الحمد لله وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أساليب الطعن والتشكيك في الدين

نحمد الله الذي أنزل علينا ديناً قيماً، ورضيه لنا وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}(سورةالمائدة:3)، فهو أكمل الأديان وأفضلها وأعلاها وأجلها {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ}(سورةالنساء:125)، أمرنا الله أن نتمسك به، وأن لا نموت حتى نكون ثابتين عليه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}(سورةآل عمران:102)، وأخبرنا أنه لا يقبل غيره، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(سورةآل عمران:85)،

وهذا الدين له نصوص من الكتاب والسنة، والوحي المبين، ولقد حاول أعداء الإسلام الطعن فيه والتشكيك ولكن بارت مؤامرتهم وخابت جهودهم، وبقي دين الإسلام منصوراً، وفي العالمين متألقاً، فيه هذا الصوت للنبي بشيراً ونذيراً، ولقد خابت تلك المساعي وعلم أعداؤه أنه لا يمكن القضاء عليه، ولكن لا زالت محاولاتهم في الطعن والتشكيك ومحاولة الترويج بالباطل، ومن ذلك أنهم علموا أنه لا يروج شيء من المكر إلا باستعمال شيء من الشرع، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: “ولا يشتبه على الناس الباطل المحض، بل لا بد أن يشاب بشيء من الحق”، وحيث أن أحكام الإسلام وهذه الشريعة، أحكام عظيمة فهي أمانة في أعناقنا، وعلينا واجب الدفاع عنها، فلو استُهدف الدين أو أحكامه فنحن بالمرصاد لمن استهدفه، وإذا هوجمت أحكامه فنحن في الدفاع عنها جاهزون، ولكن هذا يحتاج إلى علم وفقه وجهد وثبات وقوة وشجاعة وجرأة في الحق وبصيرة به، ولا بد أن يكون للبدعة إذا أريد الترويج لها شيء مما تطلى به حتى تنطلي،

ولذلك يقول الشاطبي رحمه الله: “لا تجد مبتدعاً ممن ينتسب إلى الملة إلا وهو يستشهد على بدعته بدليل شرعي، فينزله على ما وافق عقله وشهوته”، فنحن الآن لا نخشى من أناس يسبون الدين؛ لأن هذا واضح، أي شخص يسمع من يسب الدين سيعلم بأنه عدو واضح، لكن إذا استعمل نصوصاً من الدين في التلبيس، فهذه هي الخشية، هنا تحتاج القضية إلى فهم وعلم؛ ولذلك لما خرج الخارجون على علي رضي الله عنه ماذا رفعوا؟ شعار لا حكم إلا لله، وهذه الكلمة صحيحة في الظاهر، بلا شك، لا حكم إلا لله، لكنهم استعملوها بإرادة وبقصد باطل، فقال علي رضي الله عنه كلمته المشهورة: “كلمة حق أريد بها باطل”، قال الحافظ رحمه الله: “انتزعوها من القرآن وحملوها على غير محملها”، ولذلك لما قال الله عن أهل النفاق {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}(سورةالمنافقون:4)،

كان لا بد من التمعن والحذر لأن النبي   قال لنا: ((إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان))رواه أحمد وهو حديثصحيح، والقلم أحد اللسانين، فسواء كان متكلماً أو كان كاتباً، إذ ليس كل من استعمل نصاً من كتاب أو سنة فهو محق في دعواه، لأنه قد يستعمل حديثاً باطلاً موضوعاً، وقد يستعمل حديثاً صحيحاً لكنه يفسره بغير معناه الشرعي، وقد يستعمله وهو منسوخ، وقد يستعمله وهو مخصَص مثلاً أو من خصوصيات النبي   فيريد تعميمه، أو يكون خاصاً فيريد أن يجعله عاماً، أو يكون مقيداً فيريد أن يجعله مطلقاً، فالآن عملية التضليل صارت عملية احترافية،المسألة ليست سهلة على أي واحد أن يكتشف الضلال بسرعة، وإنما تحتاج القضية إلى نظر وعلم، لأنه قد يأتيك بآية لكن ليس هذا موضعها،

قد يأتيك بحديث لكن ليس هذا معناه، فلا هذا مراد الله من الآية، ولا هذا مراد رسول الله   من الحديث، ولذلك قال لنا   في ((دعاةٍ على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها))، قال في وصفهم ((هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا))رواه البخاري ومسلم،

فهم في الظاهر مثلنا أو معنا، وفي الباطن مخالفون لنا في أمورهم، كما قال بعض شراح البخاري، وقال الشيخ مُلا علي القاري: “يتكلمون بألسنتنا: أي بالعربية، أو بالمواعظ والحكم، أو بما قال الله وقال رسوله، وما في قلوبهم شيء من الخير، {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}”(سورة الفتح:11)، فليس الطعن في الدين الآن بأن يقال الدين خطأ، أو الدين كذب، أو الدين ضلال، لا،هذه مرحلة انتهت، وأعداء الإسلام يعرفون جيداً أن هذا كلام لا يُقبل، أيُّ مسلم يقرأ مثل هذا الكلام يعرف أنه باطل، لكن لبِّس عليهم بآية ليس هذا موضع الاستدلال بها وليس هذا معناها، ولبِّس عليهم بحديث ليس هذا معناه، هذا هو الفن الآن، و النبي   قد أخبرنا في سنته بالحديث السابق أن هؤلاء يتكلمون بألسنتنا معناها أنهم يستعملون ما نستعمله نحن، والقضية ليست فقط أقوالاً بل أفعالاً أيضاً،

ألم يقل الله تعالى في كتابه قاصاً علينا خبر أولئك القوم من المنافقين {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى}(سورةالتوبة: 107)، فإذاً هؤلاء أقاموا مسجداً، لكن ليس ليعبد الله فيه ويوحد، وإنما للتفريق بين المؤمنين، وليكون مكاناً للإضرار وتجمع أعداء الله ونحو ذلك.

بعض الشبه والرد عليها

والكفار احتجوا على أنبيائهم قديماً بأشياء ظاهرها يمكن أن ينطلي على الشخص الذي ليس عنده علم، مثلاً {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ}(سورةيــس 47)، بمعنى أننا لسنا مجبورين نطعم أناساً لو أراد الله أن يطعمهم أطعمهم، ولماذا نصرف عليهم؟، لو أراد الله أن يطعمهم لأطعمهم، الآن نحن مسؤولون عن الجياع؟، إذا أراد الله أن يطعمه أطعمه، فقد يقول بعض الناس فعلاً لو أراد الله أن يطعمه أطعمه،الكلمة صحيحة لكن الاحتجاج بها على عدم الإنفاق، لاحظ أن المسألة فيها مكر، {أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ}، هو لو شاء الله أطعمه صحيح، لكن الاحتجاج بها على أي شيء، على عدم الإنفاق لأن أول الآية {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ}(سورةيــس 47)، نعم لو شاء الله أطعمه الله لا يعجزه شيء، لكن الاحتجاج بهذه الكلمة على عدم الإنفاق، هل هو صحيح؟ كلمة حق أريد بها باطل.

وهكذا من الأمثلة الكثيرة مثلاً قالوا: {لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا}(سورةالأنعام: 148)،صحيح لو شاء الله ما أشركوا، لكن هل يجوز الاحتجاج بمشيئة الله الكونية القدرية على صحة الشرك؟، لا، وهكذا، إذاً المسألة الآن فيها أشياء من التلبيس، فيها أشياء من التدليس، ولذلك فإن الله   قص على نبيه مثل هذه،{وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}(سورةالأنعام:55)،

وهنالك مجالات كثيرة حصل فيها من هذا، ونحن نتناول بعض الأمثلة على هذا الموضوع،مثلاً بعض الناس يحتج بعبارة {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}(سورةالكافرون:6)، وهذه آية من القرآن، {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}،لكن على أي شيء يحتج بها؟، على أن الملل الأخرى صحيحة، اليهودية، النصرانية، البوذية، الهندوسية، السيخية، {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، فهل يجوز أن يقال: كل واحد على دينه الله يعينه، الله يعين المشرك،الله يعين الكافر، الله يعين السيخي والبوذي، هل هذا يصح؟ أو يقال كلهم مؤمنون، كلنا أولاد إبراهيم والملة الإبراهيمية، وعندما نرجع إلى معنى {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، ليست هذه الآية إقراراً على الشرك إطلاقاً، ولا قبول له أبداً،

ولذلك فإن ابن القيم رحمه الله لما علق عليها قال: “ومعاذ الله أن تكون الآية اقتضت تقريراً لهم أو إقراراً على دينهم أبداً، بل لم يزل رسول الله   في أول الأمر وأشده عليه، وعلى أصحابه أشدّ على الإنكار عليهم، وعيب دينهم و تقبيحه والنهي عنه والتهديد والوعيد في كل وقت وفي كل ناد، وقد سألوه أن يكفّ عن ذكر آلهتهم وعيب دينهم ويتركونه وشأنه فأبى إلا مضياً على الإنكار عليهم،وعيب دينهم فكيف يقال إن الآية اقتضت تقريره لهم معاذ الله من هذا الزعم الباطل” بدائع الفوائد لابن القيم.

قال شيخ الإسلام في هذه السورة: “هذه كلمة تقتضي براءته من دينهم، ولا تقتضي رضاه بذلك”، كما قال تعالى في الآية الأخرى: {وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ}(سورةيونس:41)،

فإذاً {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، ليس معناها، أن تكون على دينك وأنا علي ديني ولا بأس ولا حرج في ذلك، فليس المعنى إقراره لهم بذلك، فانظر كيف تستعمل الآية في تقرير صحة أديان الكفر، وهذه قضية في غاية الخطورة، ولذلك فإن النبي   كما جاء في حديث فروة بن نوفل   ((لما أتى نبينا   فقال يا رسول الله: علمني شيئاً أقوله إذا أويت إلى فراشي، قال: اقرأ قل يا أيها الكافرون فإنها براءة من الشرك))رواه الترمذي وحسنه ابن حجر وغيره.

إذاً الآية لا تقتضي أبداً إقراراً للكفار لكن من الممكن أن يستعملها بعض المنافقين أو الأعداء في هذا الشأن.

الإنسان مخير بين الأديان

ومثلاً هناك مقطع من آية أخرى {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}(سورةالكهف:29)،يستعملها بعضهم في تخيير الناس، فيقول مثلاً: إذا أردت أن تؤمن أو إذا أردت أن تكفر فأنت مخير ولا مشكلة في ذلك، تريد أن تغير دينك مثلاً من الإسلام إلى النصرانية، أو تريد أن تتنصر أو تتهود، حرية والقرآن يقول: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}، هذه مصيبة، إذاً لماذا جاهد النبي  الكفار؟باستطاعته أن يقول لقريش {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}، والمسلمون إذا راحوا إلى الروم يقولون لهم: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}، ويقولون للفرس: أنتم مجوس عُبَّاد النار {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}، فهل هذا ما فعلوه؟، لما ارتدت العرب بعد وفاة النبي   هل قال لهم أبو بكر الصديق {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}؟ بل إنه جرد سيوف الحق لقتال المرتدين، وهو الذي قام في الأمة بعد نبيها  ،

والذي لا يعرف أساليب اللغة العربية يمكن أن ينخدع بقول القائل “لو أراد أحدٌ أن يغير دينه فلا حرج في ذلك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، بينما لو كان عنده علمٌ بأساليب اللغة العربية فلن ينخدع بذلك، قال ابن كثير رحمه الله: “يقول تعالى لرسول الله  ، وقل يا محمد للناس: هذا الذي جئتكم به من ربكم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}، هذا من باب التهديد والوعيد الشديد – هذا الأسلوب {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}، من باب التهديد والوعيد الشديد-، ولهذا قال: إنا أعتدنا يعني أرصدنا (للظالمين) وهم الكافرون بالله ورسوله وكتابه (ناراً أحاط بهم سرادقها) يعني سورها”،انتهى من تفسير ابن كثير، فلو كانت القضية هي الحرية في اختيار الأديان فلم جاء هذا التهديد والوعيد الشديد {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا}(سورةالكهف: 29).

الإسلام دين المحبة

مثلاً: يأتي بعض الناس فيطرح عبارة ويقول: الإسلام دين محبة، هل هذه عبارة صحيحة؟،نعم الإسلام دين محبة، لكن هل الإسلام خالي من البغض والكره؟ الجواب:  لا، ثم لا بد أن نفصّل ونقول محبة من؟ محبة الله، ومحبة رسوله ، ومحبة المؤمنين فيما بينهم، ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، ((أوثق عرى الإيمان الحب في الله))، ومحبة الهداية للخلق، لكن هل الدين خالٍ من البغض والكره؟، لا، لأن الله قال عن إبراهيم والذين معه، يخاطبنا نحن، {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أنتم كلكم {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}(سورة الممتحنة: 4)،

فإذاً من لم يكره الكفر و الكفار ولم يبغض الشرك والمشركين فأين إيمانه؟، {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ}(سورةالبقرة:256)، الله يبغض الزنا، الله  يكره الفاحشة الكذب الظلم، الكبر، لاحظ أليس كذلك، الله ​​​​​​​  يبغض ويكره ويحب سبحانه وتعالى، فالإسلام فيه حب وفيه بغض، فيه ولاء وفيه براء، لو قال أحدٌ أن الإسلام دين التسامح، هل هذه الكلمة صحيحة؟ نعم، صحيحة لكن فصِّلْ لنا ما المقصود بهذه الكلمة؟، فيقول: لو جاء شخص واعتدى على بنتك أو زوجتك سامحه، ولو جاء آخر واعتدى على المال العام فسرق من بيت مال المسلمين يُسامح فالإسلام دين تسامح، وآخر يسب الدين أو الرب يسامح.

إن التسامح الذي في الإسلام يكون  مثلاً  في الحقوق الشخصية،لاحظ الحديث، ((رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى وإذا اقتضى))، يعني دَينه، حقوق شخصية، إذا أردت أن تبيع فسامح بشيء من الثمن، تريد أن  تشتري فلا تماكس وتجادل وتبايع كثيراً، كن سمحاً، أو عرضوا عليك صلحاً فقالوا: هو يقول ألف وأنت سبعمائة وخمسين فسامح، إذاً التسامح أين يكون في حقوقك الشخصية، لكن أن يأتي شخص يسب الدين والرب ويقول: الإسلام دين التسامح، أو في قضية انتهاك أعراض، يقول: الإسلام دين التسامح، ماذا سيكون الحال لو مشينا على هذا؟

القرآن حمّال أوجه

يأتي بعضهم مثلاً في تفسير القرآن، فيقول: القرآن حمّال أوجه، هذه الكلمة في التفسير ممكن تعني معنى صحيح، أن القرآن غني وثري بالمعاني، ممكن الآية يكون لها ثلاث أو أربع أو خمس معاني كلها صحيحة،يمكن أن تفسر مثلاً {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}(سورةالفاتحة:6)، الإسلام، القرآن، الطريق الحق، طريق الجنة، الصراط المستقيم، هذا صحيح وهذا صحيح،وكله يؤدي إلى شيء واحد، وهنالك آيات أو قراءات كل قراءة لها معنى، فالآية على القراءة الفلانية لها معنى، والقراءة الفلانية لها معنى آخر، ولا تعارض بين المعاني، يعني اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، مثلاً قول الله عز وجل {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ}(سورةالفجر:3)، قيل الشفع: يوم عرفة ويوم الأضحى، والوتر ليلة النحر، وقيل الشفع: اليومان بعد يوم النحر، والوتر اليوم الثالث، وقيل الشفع: الخلق كله، والوتر: الله عز وجل، وقيل الشفع: الصلوات الثنائية والرباعية، مثل الفجر والظهر والعصر والعشاء، والوتر:كصلاة المغرب، وقيل الشفع: عشر ذي الحجة، والوتر: أيام منى الثلاثة وهي أيام التشريق، فيمكن أن تحتمل الآية هذا وهذا، بحسب أساليب اللغة العربية وروايات التفسير، ويمكن أن نخرج بمعاني غنية، ويمكن حمل الآية عليها جميعاً، وكلها صحيحة، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}(سورةالبقرة:219)،

قرأ حمزة والكسائي فيها إثم (كثير) بالثاء، لأن شرب الخمر يحدث معه  عدة آثام، إثم كثير، فيحدث معه لغط وسب وشتم طلاق، قتل، ضرب، إيذاء، عداوة، خيانة، تفريط في الفرائض، إثم كثير متنوع، وقرأ القراء الباقون إثم كبير بالباء، كبير من الكبَر والعظم، هذا صحيح وهذا صحيح، فعلاً الخمر فيها إثم كثير ومتنوع، وفيها إثم كبير وعظيم، فهنا لا مانع لكن عندما يأتي بعضهم بمعنى للآية لا علاقة له باللغة العربية ولا وردت به روايات في التفسير، ولا يسير على قواعد التفسير، بحجة أن القرآن حمّال أوجه يفسرونه على غير مراد الله، كما فسر المبتدعة {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً}(سورة البقرة:67)،البقرة عائشة، {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}(سورةالرحمن:19)، علي وفاطمة، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُوَالْمَرْجَانُ}(سورةالرحمن:22)الحسن والحسين، {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ}(سورةالإسراء:60) شجرة بني أمية، فإذا صار الباب مفتوحاً صارت فوضى، وكل واحد يفسر ويقول: القرآن حمّال أوجه، فما هو الحال الذي سنصل إليه، وما هي النتيجة؟ كفر بغي ظلم، ولذلك القرآن فيه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأصله الذي ترد إليه المشتبهات، عندنا محكمات واضحة ظاهرة، ومشتبهات ممكن تخفى على بعض الناس، فالذين في قلوبهم زيغ يتبعون المتشابه، والذي يريد الحق يتبع المحكم، فإذا اشتبه علينا شيء رددناه إلى المحكم.

مثال: جاءك واحد نصراني فقال لك: نحن نقول: أن الله ثلاثة، جمع، وأنا وجدت عندكم في القرآن آية تؤيد ديننا،قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ}(سورة الحجر:9)،وإنّا للجمع، صحيح؟قلت له: صحيح.ونحن للجمع صحيح؟قلت له: صحيح.

وقال لك: هذا يؤيد ديننا أن الله ثلاثة، لأن (إنّا) و (نحن) في اللغة تدل على الجمع، فماذا ستقول له؟ إذا اشتبهت هذه الآية عليّ أو عليك أو على أيّ أحد  نردها إلى المحكم الذي لا يحتمل إلاّ معنى واحداً، صريحاً، واضحاً، مثل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}(سورةالإخلاص:1)،

واحد، {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَافَاعْبُدْنِي}(سورةطـه:14).وتلك الآية ما هو معناها، نقول له:  هذه للتعظيم والتفخيم، ألا ترى أن الملك من ملوك الدنيا يقول: أمرنا وقررنا وهو واحد، فالله يقول: {إِنَّ انَحْنُ نَزَّلْنَا} فمن أولى بالتعظيم؟ وفي لغة العرب يمكن أن تُستعمل من الرجل العظيم الذي له أعوان،والله عز وجل عنده الملائكة وهو غير محتاج إليهم، وعنده جنودٌ كثيرة وهو غير محتاج إليهم.

يأتي أحدهم و يفسر القرآن على غير مراد الله ويقول القرآن حمّال أوجه، أنا اكتشفت معنىً جديداً ما عرفه الصحابة والتابعون، وتوصلت إلى معنىً جديد، فلا بد أن لا تستعمل الكلمة في الضلال، فالكلمة يمكن أن تحمل معنىً صحيحاً، لكن تُستعمل استعمالاً باطلاً.

أنتم أعلم بأمور دنياكم

خذ مثالاً آخر ((أنتم أعلم بأمور دنياكم)) ما رأيك بهذه العبارة؟، حديث صحيح رواه مسلم، ((مرّ النبي   بقوم على رؤوس النخل فقال: ما يصنع هؤلاء، فقالوا: يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح فقال: لو لم تفعلوا لصلح،فخرج شيصاً – ما يصلح للأكل-، فمرّ بهم فقال: مال لنخلكم، فقالوا: قلت كذا وكذا، قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم،

وفي رواية: ((فإني إنما ظننت ظناً فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به فإني لن أكذب على الله عز وجل))رواهمسلم.

الآن قد يأتي بعض الناس مثلاً ويقول: في البيع  والشراء والنكاح نحن أعلم بأمور دنيانا فلا تقيدني بشيء، هو الذي قال لنا: أنتم أعلم بأمور دنياكم، لكن قالها بأي مناسبة، وإذا جاء في تنظيمات شرعية لأمور دنيوية، فهل نحن ملزمون بها أم لا؟نعم ملزمون. وإلا فما قيمة ((إنما البيع عن تراض))، ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا))، ((لا يبع بعضكم على بيع بعض))، ((لا يبع حاضر لبادٍ))،((نهى عن بيعتين في بيعة))، ((نهى عن بيع الغرر))، ((نهى عن بيع النجش))، ((نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب))، ((نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها))، نهى عن بيع الذهب بالورق ديناً، والذهب بالذهب مثلاً بمثلٍ يداً بيد، وكل الأحكام التي جاءت في الشركة والمشاركات واللقطة والإجارة،

هذه أشياء من أمور الدنيا، فإذاً أنتم أعلم بأمور دنياكم فيما لم يرد فيه نص، ، فمثلاً نظام المرور أنتم ((أنتم أعلم بأمور دنياكم))، ونظام الملاحة الجوية، أنظمة الري، تلقيح النخل، تزرع في الصيف، تزرع في الشتاء، في الخريف، ماذا تزرع في كل واحدة؟ تزرع شتلات أو تزرع بذور، ((أنتم أعلم بأمور دنياكم))، أنتم أعلم في قضايا الدنيا التي لا نصوص فيها، أنت أعرف، أنت أدرى أنت صاحب التجربة والخبرة، هذه ما قيدَنا فيها الشرع بقيد، فأوكلها إلى البشر، المزارع يرى ما فيه مصلحته، يزرع في الصيف يزرع في الشتاء في الخريف،لكن أن ننسف أحكام شرعية، جاءت فيها نصوص بحجة ((أنتم أعلم بأمور دنياكم)) هذا ضلال مبين.

إلغاء الحدود الشرعية

يأتي أحدهم ويقول: نريد أن نوقف بعض الحدود لأنها غير مناسبة للزمن الذي نعيش فيه،بعض الحدود فيها قسوة ووحشية، وينتقدنا عليها الغرب كثيراً، ولا تصلح لنا في هذا الزمان، مثل حد السرقة قطع اليد، حد الرجم أو الجلد ، ويقول عمر   في عام الرمادة لم يقم حد السرقة، فإذا رأينا أنه في عام ثانٍ ما يناسب الحكم ما نقيمه، فهل هذا الكلام صحيح؟، وهل يجوز الاستدلال بفعل عمر على تعطيل الحدود وإلغاء الحدود؟ الجواب إطلاقاً، كلا والله، لا يمكن لأننا سنسأل هل عمر   عطل حد السرقة؟ ألغى حد السرقة؟ حذف حد السرقة؟ لا،  لكن ماذا فعل عمر   لما صارت مجاعة في سنة من السنوات، وكان بعض الناس ربما أخذ من مال غيره بدون إذنه استبقاءً لحياته، لأنها مجاعة، فعمر   لم يقطع في السرقة لماذا؟

لأن شروط حد السرقة لا تنطبق في هذه الحالة، ولذلك لأن شروط إقامة الحد لم تتوفر لم يقمه عمر  ، ومعلوم أن الحدود تدرأ بالشبهات ووجود المجاعة العامة والاضطرار شبهة تدرأ الحد، ولذلك نقول هل عطله عمر   قبل عام الرمادة؟لا. بعد عام الرمادة لما زالت المجاعة، نفس عام الرمادة في بلدان أخرى فيها خصب مثل مصر عُطل الحد، لا، إذاً العملية واضحة.

ضوابط المصلحة المعتبرة

من الممكن أن يأتي الآن بعض الناس مثلاً بأحكام أخرى يبيح حراماً مثلاً، ولا يوجب واجباً بناء على مصلحة هو يراها، يقول لك: أنا أرى المصلحة تقتضي كذا، وبما أن الدين يقوم على المصالح، فإذاً نفعل كذا ولو كان يخالف الكتاب والسنة، أو نترك كذا ولو كان يخالف الكتاب والسنة، بحجة أن المصلحة تقتضي هذا، محتجاً بقاعدة (الدين مبني على المصالح)، القاعدة صحيحة من جهة الأصل، قال ابن القيم رحمه الله “فالشريعة مبناها وأساسها على مصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها، و مصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها،وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أُدخلت فيها بالتأويل” نقول: هل المصلحة كلمة فوضوية، كلمة مطاطة؟ هل أي شخص يرى شيء مصلحة يعتبر مصلحة وإلا المصلحة كلمة منضبطة لها ضوابط في الشرع؟ الجواب: لها ضوابط في الشرع، فالمصلحة المقصودة بأن الشريعة مبنية على المصالح هي المصلحة التي تتوافق مع الشرع، ولا يوجد مصلحة حقيقة تتعارض مع الشرع، فهي إما ملغية أو ما هي مصلحة أصلاً،

ولذلك وضع العلماء ضوابط للمصالح المعتبرة حتى تكون المصلحة حقيقة لا بد أولاً أن تندرج ضمن مقاصد الشرع، مثلاً الشرع يحافظ على النفوس ويحافظ على العقول، ويحافظ على الأموال، ويحافظ على الأعراض، ويحافظ على الدين قبل كل شيء، إذا جاء أحد وقال:أنا أرى أنه هذا الشيء مصلحة، فحتى نقبل كلامه لابد أن تكون المصلحة التي يقولها لا بد أن تكون مندرجة ضمن مقاصد الشرع.

ثانياً: أن لا تعارض نصاً من الكتاب والسنة، فإذا كانت هذه المصلحة تعارض نصاً من الكتاب أو السنة، فمؤكد أنها ليست مصلحة، لأنه لا يمكن للشرع أن يترك مصلحة صحيحة ويهملها ويأتي بضدها، لا يمكن، فإما أنها ليست مصلحة أصلاً لكن هذا الرجل رآها مصلحة، أو ظنها مصلحة، أو أنها مصلحة ملغية موهومة.

ثالثاً: عدم تفويتها لمصلحة أهمَّ منها، وهنا بدعة خطيرة جداً الآن تروج وتُروَّج وهي تعطيل النصوص بحجة المصالح والمقاصد، فبعض الناس أصحاب الهوى تقيدهم النصوص ويحس أن هو مكبل، كيف يتخلص منها؟، قالوا الآن الفقه الجديد، والفقه الجديد ليس مبنياً على النصوص، بل مبني على نظرية المصالح ونظرية المقاصد، يدخلون ما شاءوا فيها ويخرجون ما شاءوا، بحجة نظرية المصالح ونظرية المقاصد، ولذلك عندما نتأمل حديث النبي عليه الصلاة والسلام: ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي)) هذان الأصلان العظيمان مهم جداً الاعتصام بهما الآن حتى يسلم الدين، وإلا يضيع الدين، فبدون الاعتصام بالكتاب والسنة يضيع الدين، فلا بد من الاعتصام بالكتاب والسنة.

تجديد الخطاب الديني

لنأخذ مثلاً آخر بعضهم يقول: لا بد من تجديد الخطاب الديني، إذا نظرنا إلى العبارة من أول وهلة فمن الممكن أن نقبل هذه العبارة، نقول مثلاً: لا بد من تجديد الخطاب الديني فنستعين بالنصوص السهلة في مخاطبة الناس، فلا نأتي بنص يشكل عليهم، نظراً لضعف مستوى اللغة العربية عند الكثيرين، ففي الخطاب الديني نختار نصوصاً أسهل في الفهم، وفي تجديد الخطاب الديني، نزيد من الإقناع مثلاً، نزيد من الأدلة المقنعة العقلية مثلاً، بالإضافة إلى الأدلة الشرعية،

ودعونا نشرح الحكمة أو الحكم أكثر حتى يقتنع الناس أكثر، ونستخدم في عرض الأشياء الدينية مثلاً الأنظمة السمعية والبصرية الجديدة في وسائل العرض، ولا مانع أن نستعمل الألوان، ولا مانع أن نستعمل أشياء ثلاثية الأبعاد، ولا مانع أن نستعمل شبكة نسيج العنكبوت، ولا مانع أن نستعمل وسائل مثلاً تقنية متقدمة، ، لماذا لا نستعمل بعض تطبيقات الجوال؟ لماذا لا نستعمل ITTV نظام قنوات التلفزيونية مسبقة الدفع؟، وهي الموضة الجديدة القادمة التي سيختفي فيها الدش، وتلتقط فيها القنوات التلفزيونية عبر نظام (الكِيْبِل)، والأشياء المسبقة الدفع، وبالتالي فتكلفة إنشاء قناة فضائية ألف دولار تقريباً، ويمكن أن تتحول شاشات الجوالات إلى ملتقط عظيم للقنوات التلفزيونية الجديدة على نظام ITTV، ما المانع في ذلك، لماذا لا نستعمل نظام الإذاعات على الجوالات؟، استعملوا!! هذه كلها أشياء ووسائل فإن كنت تقصد أن تستعمل وسائل التقنية المعاصرة لتجديد الخطاب الديني استعمل، ولا مشكلة، وهذا كلام مقبول، بل وأشجع عليه، وما دام أن نظام صهر ودمج التقنيات الثلاثة في الجوال والانترنت والتلفزيون هو المخصص القادم للتقنيات الحديثة، وسيصبح عندك في البيت علبة فيها دمج وتوحيد لأنظمة الجوال والتلفزيون والانترنت، لأن الجوال الآن يشتغل على نظام، والتلفزيون يشتغل على نظام، والانترنت يشتغل على نظام، والخطوة التقنية القادمة هو دمج هذه الوسائل كلها مع بعض، فنريد أن نعد مسبقاً مواد شرعية وإسلامية وبلغات مختلفة، وحيث أن ديننا عالمي ورحمة للعالمين وكافة للناس بشيراً ونذيراً، فنريد أن نعد مواد شرعية للدعوة للإسلام بلغات العالم الحيّ على الأنظمة التوافقية الجديدة،

فننظر إلى النظام الجديد الذي سيشتغل عليه الانترنت والجوال والتلفزيون، و نجهز عليه مواد شرعية قرآنية نبوية، بوسائل عرض جميلة جذابة، فيها تتابع وسرعة وإنارة وألوان وضوئيات وثلاثي أبعاد، بهدف تجديد الخطاب الديني، فنقول: وفقكم الله، وأعانكم الله، وتوكلوا على الله، وبسم الله وأيدينا في أيديكم ونحن معكم.

لكن لو جاء أحدهم وقال: نريد أن نجدد الخطاب الديني.

وكيف ستجدده ؟ فقال: بخلع الحجاب، وقال: إذا خاطبت الناس فخاطبهم بذكر الجنة وإياك أن تذكر النار، لأن ذكر النار لا تناسب القرن الحادي والعشرين، والناس لا يتحملون النار، وذكرها يخدش المشاعر فيؤدي إلى الاكتئاب، فيجب حذف أي شيء عن النار.

وقال: مثل هذه الحدود لا تصلح.

ومن تجديد الخطاب الديني، إباحة الربا، يقول: الربا ضرورة عصرية.

فيقال له: أنت تتحدث عن دين جديد، وتريد أن تخترع ديناً من عندك، وليس هذا من التجديد الديني في شيء.

فباسم التجديد يُفتح باب العبث والحذف والتغيير والتلبيس والتدليس، إلى آخره، وليس هذا هو التجديد الذي أخبر عنه النبي   ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها))، لأن التجديد الشرعي ما هو؟، إعادة الناس إلى الأصل بعد الانحرافات، إعادة الناس بعد البدع إلى السنة بعد أن دخل في الدين ما ليس منه يُنقَّى ويعاد إلى الأمر الأول، التجديد أن ترد الناس إلى الأصل وإلى ما كان عليه النبي   وأصحابه،

وترد الناس إلى الفهم النبوي وفهم السلف للكتاب والسنة، هذا هو التجديد فماذا فعل المجددون؟،كالشافعي وعمر بن عبد العزيز وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، فكل من جدد ماذا كانت فكرته؟ وماذا كان عمله؟ الذي جدد بحق جاء في وقت الناس صاروا فيه في اختلاط وفتن وبدع وضلالات فنقّى وأرجعهم إلى الأصل، هذا هو التجديد الشرعي،

وليس من التجديد الشرعي أن تحذف صلاتين، وأن يقال: الواجبات نخففها، والمحرمات نقللها، لا، هذا أسمه عبث،تضييع للدين، هذا دين آخر، وهذا أحياناً يستعمل باسم العصرنة والعقلنة.ويقولون: هذا تجديد بينما هو في الحقيقة تحريف وتغيير للدين، وهذا باطل، ولا يمكن القبول به.

الضرورات تبيح المحظورات

لو أخذنا قاعدة أخرى، مثلاً (الضرورات تبيح المحظورات) هذه قاعدة صحيحة موجودة في كتب العلماء، ومأخوذة من الكتاب والسنة وعليها أدلة: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ}(سورةالمائدة:3){فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ}(سورةالبقرة:173).. وهي من قواعد الشرع الحنيف، لكن قد يأتي بعض الناس الآن ويستعمل قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) على إباحة الربا لبناء مسكن لأنه لا يريد أن يكون مستأجراً، وقد يستدل بها على مصافحة المرأة الأجنبية، ويعتذر بأنها هي التي مدت يدها وأنا استحييت،فماذا أفعل؟كنت مضطراً.

ابتُعثت للدراسة وأقيمت حفلة بالجامعة وصرت معهم ووزعت كؤوس الخمر وكلهم شربوا،وأصبحت غريباً بينهم فاضطررت للشرب فشربت، هل هذا يجوز بحجة أن الضرورات تبيح المحظورات؟ إذاً ما هي الضرورة في الشرع؟، الضرورة أنه يقع ضرر يعود بالهلاك على النفس أو تلف أحد الأعضاء، هذه ضرورة تبيح أكل الميتة مثلاً، ولذلك الضرر الذي يعودبالهلاك على النفس أو المال أو العرض هو الذي يكون فيه تخفيف في بعض الأحكام الشرعية لما يناسب الحال، لإنقاذ الإنسان من مهلكة، أما التساهل والتسيب في الدين بحجة أن هذه ضرورة تبيح المحظورات، فهذا بلا شك تضييع للدين وفوضى،

ولذلك لا يمكن أن يكون إباحة الربا لتوسيع المناشط التجارية والصناعية… من الضرورة إطلاقاً، ولذلك الضرورة مثل كلمة المصلحة وضع لها العلماء ضوابط، ولا بد وهذا واجب، ووظيفة طلبة العلم أن يذكروا الناس دائماً ما هي ضوابط الشريعة في المصلحة؟ وما هي ضوابط الشريعة في الضرورة؟، حتى يعرف العامي هل  هي ضرورة أو لا،

فمثلاً يقولون: من ضوابط الضرورة:

أولاً: أن يكون لا سبيل إلى دفعها.

ثانيا: أن يخشى معها الهلاك.

ثالثاً: أن يقتصر في المحظور على ما يدرأ الضرورة فقط.

أي إذا كان دفع الهلاك والضرورة من الميتة بلقمتين فلا يجوز أخذ ثالثة، فيقتصر على ما يدفع الضرورة فقط فلا يتوسع، وأن لا يوجد بديل شرعي، وهكذا.

الإسلام دين الوسطية

لو أخذنا عبارة أخرى (الإسلام دين الوسطية)، هل هذه العبارة صحيحة؟ ، نعم، قال الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}(سورةالبقرة:143)، قال المفسرون: خياراً عدولاً، لأن الجنة أوسطها أعلاها، فإذا قلت: هذا الإنسان وسط القبيلة، يعني هو أشرفهم، وهذا المال من وسط مالي، أي أعلاه وأشرفه.

هل السنة وسط، في أشياء كثيرة، مثلاً بين القدرية والجبرية، القدرية يقولون:

الإنسان يخلق فعله بنفسه، والله يقول: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}(سورةالصافات:96)،والجبرية يقولون: الإنسان مجبور على فعله وليس له إرادة، مثل: الساقط من أعلى إلى أسفل، ومثل الريشة في مهب الريح، أما أهل السنة في الوسط يقولون: الله يخلق أفعال العباد، ولكن العباد لهم إرادة ولهم اختيار يحاسبون بناء عليها، فيكونون في باب القدر أهل السنة وسطاً بين الجبرية والقدرية، وهذا كثير، نكتفي بهذا المثال.

هل يصح أن يأتي شخص الآن ويقول مثلاً بما أن الإسلام دين الوسطية فإذاً لا نقول أن الموسيقى حرام أو الموسيقى الصاخبة وheavy metal وblack metal جائز، فأنا وسط فقط أبيح الموسيقى الكلاسكية ما هو رأيك؟ وهكذا يأتي شخصٌ آخر ويقول أنا ما أحرم  الخمر تماماً ولا أقول: اشرب كل يوم عشر كاسات مثلاً يكفي كأس في اليوم، ومثل الذي يقول: أنا لا أحرم السجائر تماماً، ولا أقول اشرب في اليوم أربعين سيجارة، يكفي خمسة، ثلاثة، أربعة وسط، فإذاً يخترع بعض الناس وسطاً من أهوائهم ويسمونه وسطاً وليس بوسط، هو أصلاً طرف، هو أصلاً حرام، لكن يسمونه وسطاً بأهوائهم؛لأن الوسط بين طرفين كلاهما باطل.

فصار الوسط الآن عندهم بين طرفين أحدهما حق، والثاني باطل، فيجعلون الوسط بينهما،مثلاً الجبرية والقدرية، فجاء أناس بأهوائهم وجعلوا الوسط بين أمرين، فطرف جعلوه طرفاً وهو شرعي، وطرف ثاني باطل من نوع آخر وقالوا هذا وسط، فصرنا الآن بحاجة لتعريف ما هو الوسط؟ لأن كلمة الوسطية كلمة جميلة فانتزعها أهل الباطل ليبرروا بها محرمات وترك واجبات بحجة الوسطية، مثال ذلك: لو جاء أحدهم وقال: لا تكن مبالغاً في تطبيق السنن، وأداء الرواتب، وقيام الليل، وركعتي الضحى، ولا تكن من الناحية الثانية تاركاً للصلاة، كن وسطاً ويكفي أن تؤدي الفرائض، هل هذه هي الوسطية؟،

النبي   علمنا فعل الفرائض، والسنن الرواتب، وقيام الليل، وصلاة الضحى وهو الوسط   ، فهناك أناس تعرّف الوسط تعريف باطل.

 

كانت هي الطرف المحمية فاكتنفت بها الحوادث حتى أصبحت طرفا

هذا البيت للشاعر يعبر ويقول: كانت الوسطية الشرعية الصحيحة هي الوسط المحمية فاكتنفت بها الحوادث والمبتدعات حتى أصبحت طرفا، فصار الحق يصور على أنه طرف.

الدين يسر

عبارة (الدين يسر)، قال  : ((إن هذا الدين يسر)) وفي القرآن العزيز {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}(سورة البقرة:185)،

لكن ما هو اليسر الشرعي؟، جمع القصر والفطر في السفر، جمع الصلاتين في المرض والمطر في الحضر، سقوط طواف الوداع عن الحائض، سقوط الجمعة عمن حضر العيد إذا كان في يوم واحد، صلاة النافلة جالساً، جواز جمع رمي يومين في يوم للمعذور، إباحة النظر للمرأة الأجنبية عند الخطبة والعلاج، المسح على الخفين والجوربين للمقيم أربعة وعشرين ساعة والمسافر اثنين وسبعين ساعة، هذه أمثلة صحيحة على يسر الدين فماذا يفعل بعض الناس؟يأتي إلى محرمات ويريد إباحتها بناءً على أن الدين يسر، ويأتي إلى واجبات يريد إسقاطها بناءً على أن الدين يسر، ويحتج بأن الدين يسر، هذه يا أخي واجبات أوجبها الشرع، وهذه محرمات حرمها الشرع فكيف تأتي وتقول: افعل ولا حرج والدين يسر.

أمثلة ذلك:  إباحة تدخين سيجارتين في اليوم للصائم بحجة أن الدين يسر، إجازة التضحية بالدجاج بدل الخرفان إذا ارتفعت أسعار الخرفان بحجة أن الدين يسر، جواز دفن الميت قائماً توفيراً لمساحة الأراضي بحجة أن الدين يسر، جواز صلاة الجمعة للمبتعثين يوم الأحد بحجة أن يوم الأحد إجازة عندهم ويوم الجمعة يوم دراسة، ويحتج بأن الدين يسر، يجوز للمرأة العطر الخفيف عند الضيوف بحجة أن الدين يسر.

وهكذا صارت إباحة المحرمات وإسقاط الواجبات بحجة أن الدين يسر، وصرنا نتفاجأ كل يوم بفتاوى شاذة غريبة ساقطة بحجة أن الدين يسر، وهكذا الأقوال المرذولة والرخص الواهية بحجة أن الدين يسر.

تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان

ما رأيكم بعبارة تتـغير الفتوى بتغير الزمان والمكان؟ مبدئياً العبارة صحيحة، تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، فمثلاً العلماء ذكروا في كتب أصول الفقه أن بيع العنب لمن يعصره خمراً لا يجوز، وهذا الذي يأكله فاكهة حلال أن تبيعه عليه، فهو العنب نفسه واحد لكن هذا تقول له حلال، وهذا تقول له حرام، تتغير الفتوى باختلاف الأشخاص.

تغير الفتوى باختلاف الأحوال مثلاً: كانوا يقولون قديماً في بيع السلاح: بيع السلاح في وقت الفتنة والحرب بين المسلمين حرام، لماذا؟ لأن هذه حال فتنة لا يجوز فيها بيع السلاح، وفي الأحوال العادية يجوز وله الآن ضوابط، الآن بيع السلاح له ضوابط تنظمها الدولة حتى لا تصير فوضى، فإذاً بيع السلاح في الأحوال العادية جائز، وفي وقت الفتنة بين المسلمين لا يجوز.

فإذاً تغيرت الفتوى باختلاف الأحوال، وهذه أمثلة صحيحة للقاعدة.

يأتي بعض الناس ويقول مثلاً: يمكن أن يتغير حكم الربا بتغير الأحوال، و يمكن أن يتغير حكم الخمر بتغير الأحوال، ويمكن أن يتغير حكم وجوب الصلاة بتغير الأحوال، وهكذا لا يترك لك واجباً أو محرماً في الشرع إلا ويريد إسقاطه بحجة أن الفتوى تتغير بتغير الأحوال،

ولذلك ابن القيم رحمه الله ذكر كلاماً مهماً جداً في هذه القضية يقول: “الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد أبداً” الله عز وجل جعل حد القذف ثمانين جلدة فيأتي أحدهم ويقول: تتغير الفتوى بتغير الأحوال فنجعل حد القذف مائة وعشرين، لا يمكن، أو نجعله أربعين لا يمكن.

الصلوات خمس نختصرها إلى ثلاث. لا يمكن ولا تحاول.

قال ابن القيم: “والنوع الثاني : ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زماناً ومكاناً وحالاً كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها” فالقاضي في العقوبات التعزيرية التي قد تكون جلد، وقد تكون سجن، وقد تكون بالمال، قد يحكم على المجرم تعزيراً سجن شهر،وجلد مائتين جلدة، وغرامة ألف ريال، ونفس الجريمة يرتكبها شخص آخر،فيحكم عليه القاضي بالسجن سنة، وجلد سبعمائة جلدة، وغرامة مائة ألف ريال،  لماذا و هي نفس الجريمة؟ قال: يا أخي هذا أول مرة يرتكبها، وهذا للمرة السادسة وبنفس الجريمة.

العقوبات التعزيرية هنا فيها مجال للاجتهاد والتغيير ويختلف الحكم باختلاف الأشخاص،هذه العقوبات التعزيرية قابلة للتغيير، لكن لا يمكن أن يأتي أحد ويقول: الخمس صلوات ممكن تصير اثنتين، ولا بأي زمان لا في الإسكيمو ولا في حالات الحرب أو الشدة هي الصلوات باقية، لكن قد تختلف الكيفية كصلاة الخوف لكن الصلاة هي نفسها موجودة بعددها، فالتغيير يكون في المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها من كتاب ولا سنة ولا إجماع فيمكن أن يتغير الاجتهاد فيها بحسب الظروف والملابسات والمستجدات.

مثلاً:   وموثوق به وتقول لمن يريد إجراء عملية طفل الأنابيب: يمكنك إجراء العملية في هذا المستشفى،- عند من يقول بجواز طفل الأنابيب- ويمكنك أن تقول له في مستشفى آخر: لا يمكنك أن تجري العملية في هذا المستشفى؛ لأنهم يتلاعبون في العينات والتلقيح، فهنا يجوز أن تقول له : هذا يجوز، وهذا لا يجوز .

ومن التلاعبات أو من الأشياء الخطيرة إبقاء البويضات الملقحة مجمدة لإعادة زرعها مرة أخرى،فإن لم يتنبه الناس لقضية الضوابط فانظر ما الذي سينتج؟ يأخذوا بويضة من امرأة وحيوان منوي من رجل ويلقحوهم مع بعض، هذه البويضة الملقحة تجمد في أماكن خاصة تحت درجات حرارة منخفضة لإعادة الاستعمال، ما هي المخاطر الذي قد تنتج عن هذا؟ قد يموت الشخص وبعدها تزرع البويضة في امرأته، ويولد الولد بعد موت أبيه، فماذا يترتب على ذلك من أحكام الميراث؟ وقد تؤخذ البويضة بالحيوان المنوي وتزرع في رحم امرأة أخرى، أمور يشيب لها الرأس من التلاعب بخلق الله، ووصلت القضية إلى زراعة بويضة وحيوان منوي في رحم أنثى القرد، وقد تؤخذ البويضة من قرد ويزرعونها في رحم امرأة؛ لأن الغرب ما عندهم قيود يقول لك: اخترع كما تريد، كل شيء مسموح إلا بعض الأخلاقيات التي بدأوا يكتشفون أضرارها لكن ماذا سينتج؟ ولذلك هنا العلماء والفقهاء المسلمون يمكن أن يمنعوا أشياء بالنظر إلى المفاسد التي ستنتج عن هذا، ويمكن أن يكون شيء سمحوا به سابقاً فلما رأوا آثاره السلبية منعوه، وممكن يكون منعوا شيء خوفاً من أضرار فلما وجدت وسائل تقنية تدرأ المفاسد سمحوا به.

فهذه قضية تتغير الفتوى بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص إلى آخره، لكن لا يمكن يدخل في القاعدة هذه الحدود والواجبات الشرعية ما فيه نص لا يمكن.

الدين ليس ملكاً لأحد

لنأخذ مثالاً آخر: (الدين ليس ملكاً لأحد) يقول بعض الناس هذه العبارة فهل هذا صحيح؟ فالدين لا تملكه ولا أملكه ولا يملكه أحد، (لا كهنوتية في الإسلام) بمعنى أننا لسنا مثل النصارى واحد له منصب ديني والناس يأتون إليه ويعترفون عنده فيعطيهم صك غفران هذا كلام  باطل، أحياناً تستعمل عبارة (الدين ليس ملكاً لأحد) و (لا كهنوتية في الإسلام) في أي شيء؟ في إلغاء منصب الإفتاء، وجعل الكلام في الأحكام الشرعية متاحاً للجميع، كشخص لم يدرس لغة عربية، ولا أصول فقه، ولا أصول تفسير، ولا مصطلح حديث، ويتكلم في الحلال والحرام، وعندما  تقول له: يا أخي أنت ما علاقتك بهذا؟ أنت كاتب قصصي، أنت شاعر نبطي، أنت طبيب بيطري، كيف تفتي؟ وكيف تقول رأيي أن هذا جائز ولا بأس به ؟ ورأيي أن هذا كذا ولا أرى بأساً في هذا ومثل هذا جائز، أنت كيف تتكلم؟ حرام اتق الله،  قال الله: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(سورةالبقرة:169)،يقول لك: (الدين ليس ملكاً لأحد)، (لا كهنوتية في الإسلام).

نقول: يا أخي هذه كلمة حق تستعمل في باطل، ومعناها أننا ألغينا دور العلماء وألغينا دور الإفتاء، وألغينا شروط المجتهد، وألغينا شروط المفتي، وجعلنا الكلام في الأحكام لمن هب ودب، وللجاهل والمنافق والزنديق والملحد يتكلم في الدين كيف يشاء بحجة أن الدين ليس حكراً على أحد ولا كهنوتية في الإسلام، فأين قول الله: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(سورةالنحل: 43)، أين قول الله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(سورةالنساء:83)، أين قول الله عز وجل في كتابه العزيز: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}(سورةالفرقان:59)؟ وأين شروط المجتهد؟ وأين شروط المفتي؟ وأين خطورة منصب الإفتاء؟ وأين خطورة {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(سورةالبقرة: 169)؟ وأين قضية من أفتى بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه؟ إذا كنتم تريدون فتح الكلام في الأحكام لمن هب ودب فكيف يستقيم هذا؟ نحن الآن لا نقول أن الطبيب لا يمكن أن يصبح مفتياً، لو اجتهد ودرس الشريعة ما الذي يمنعه؟.

كان بعض علماء المسلمين وعلماء الشريعة أطباء، لو جئنا بمهندس كيميائي ودرس أصول التفسير وأصول الحديث وأصول الفقه، واللغة العربية، وعلوم الآلة، ودرس وقرأ كتب أهل العلم والمتون والشروح، إذا أصبح عنده قابلية آتاه الله فقهاً وعلماً وفهماً وصحة نظر وصحة استنباط وصحة اجتهاد وكان كلامه على ميزان أهل العلم، ولا يخرج عن أقوال أهل العلم فهذا يفتي ولا مانع من ذلك؟ حتى لو كان طبيباً أو مهندساً؛ لأنه درس وصار عالماً شرعياً، لكن المشكلة أن يأتي شخص لم يدرس أصول الفقه ولا مصطلح الحديث ولا أصول التفسير ولا متون ولا شروح عنده عمومات، وثقافة عامة وصار يفتي  بحجة أن الدين ليس ملكاً لأحد، وهذه كارثة ومصيبة عظيمة تذكرنا بمن كان يقول: السلف رجال ونحن رجال، بمعنى هم تكلموا ونحن نتكلم، ثم لا علم ولا عمل ولا إيمان ولا عقل ولا دين ولا عبادة، يا أخي هؤلاء الرعيل من الصحابة وتابعوهم وتابعوهم الذين علموا السنة وعايشوا التنزيل وأخذوا ممن عايش التنزيل ((وخير الناس قرني ثم الذين يلونهم والذين يلونهم)) هؤلاء ((مثل ما أنا عليه وأصحابي)) فكيف تريد أن تجعل نفسك مثلهم سواءً بسواء هم رجال، ونحن رجال لا يمكن.

ولو قال شخص: إذا كنتم تريدوننا أن لا نخرج عن منهج السلف ولا نخترع أقوالاً خارجة عن أقوال السلف، فما هو دور العلماء المعاصرين؟ أن يحفظوا الكتب القديمة ويقولوها؟ نقول: لا يا أخي، الآن الناس تحتاج إلى تعليم فلا بد أن يحفظ ما في الكتب، أو يأخذ ما في الكتب وما عند العلماء الأولين وينقله هذه أمانة وهذه قضية عظيمة جداً، تفهيم الناس معاني القرآن والسنة على أصول السلف هذه قضية عظيمة جداً.

الكلام في المستجدات كالحوافز التسويقية، التضخم النقدي، التسويق الشبكي، التأمين،البطاقات الائتمانية، عقود الامتياز، المسئولية المهنية للأطباء، ومسئولية البنوك على الأخطاء الالكترونية، وقضية أحكام الجراحات الطبية، وزراعة الأعضاء، الهندسة الوراثية، الاستنساخ الحيوي، والترقيع الجلدي، والتلقيح الصناعي، والتفتيش الجنائي وأشياء كثيرة.

ويوجد الآن مثلاً فحص الحمض النووي في حالة حصول اختلاط بين الأولاد المولودين حديثاً في مستشفى الولادة وما عرفنا هذا ولد من؟ وهذا ولد من؟ في الزمن الماضي كانوا يقولون: القافة، أو القائف، شيء من الإلهام والفراسة يؤتيه الله من يشاء فيستطيع أن يميز هذا من هذا، وكذلك فحص الحمض النووي يحدد لنا أشياء؟

في الملاعنة، وفي نسل الولد لو قال مثلاً: هذا ليس ولدي والحمض النووي يقول أنه ولده كيف؟ فعندها نقول: الآن تفضلوا وتكلموا فهذا هو مجال الاجتهاد، هذا مجال العلماء، هذا مجال المجتهدين.

هناك قضايا ما كانت على عهد السلف فيأتي العلماء الآن ويتكلمون في القضاياوالمستجدات طبعاً.

مثال: العلماء كانوا يقولون في السرقة: السرقة من الحرز، ويقول لك: الحرز الخزانة أو الخزينة، والحرز هو حرز كل شيء بحسبه،  ما هو رأيك في قضية السرقة الالكترونية؟ يقوم بفك التشفير ويأخذ من الأرصدة إلكترونياً هل يمكن أن يكون هذا التشفير الالكتروني هو الحرز؟ وإذا فك الحرز يعني فك التشفير هل تقطع يده؟ الآن تفضلوا أيها العلماء أيها المجتهدون أرونا أين تفكيركم الإبداعي؟ وأين نظركم واجتهادكم؟ قدموا الأوراق إلى المجمع الفقهي وابحثوها وناقشوها واخرجوا لنا بنتيجة، أيضاً هذا مجال للفقهاء والمجتهدين لكن من الذي يملك شروط الفتوى و شروط الاجتهاد، لكن لا يأتي من هب ودب ويتكلم بحجة أن الدين ليس ملكاً لأحد.

لا إنكار في مسائل الخلاف

لو أخذت قضية أخرى بعضهم الآن يقول: (لا إنكار في مسائل الخلاف).

أولاً: هذه القاعدة غير صحيحة على إطلاقها، والصحيح أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، وما هي مسائل الاجتهاد؟ هي التي ليس فيها نص صريح بلا معارض؛ لأنه قد يكون هناك نص يعارضه نص في موضع آخر، أو هناك نص لكنه منسوخ، أو هناك نص مخصص، أواختلفوا في طريقة الجمع بين النصين، فإذاً ما هي المسائل؟

عندما نقول: لا إنكار في مسائل الخلاف؛ هذه الكلمة قد يأتينا شخص ويختار قول شاذ ويقول لك: لا تنكر عليّ، فالقاعدة تقول: لا إنكار في مسائل الخلاف، وأنا أخذت بهذا القول فلا تنكر علي.

إذا رجعنا إلى القضية وجدنا أن القول الذي اختاره قول شاذ، منكر، ضعيف، متهافت أولم يفهم القاعدة،  أو أنه يحتج بها بالباطل، فقوله: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، ما هي مسائل الاجتهاد؟

هي التي ليس فيها نص صحيح صريح بلا معارض، مثال على ذلك: مس الذكر هل ينقض الوضوءأو لا ينقض؟ اختلف العلماء.

الحائض تقرأ القرآن أو لا تقرأ؟ اختلف العلماء.

النزول في السجود على اليدين أو على الركبتين؟ اختلف العلماء.

هذه كلها مسائل اجتهادية، وكلا القولين له أدلة.

قراءة الفاتحة وراء الإمام في الصلاة الجهرية هل تقرأها أم لا؟ فيها خلاف بين العلماء، فأنت قلدت الشافعي وهذا قلد ابن حنبل، لا ينكر عليك ولا تنكر عليه فهذه مسائل اجتهادية.

قضية الجهر بالبسملة في الصلاة والإسرار بها، صلاة النوافل ذوات الأسباب في أوقات النهي هل تصلي ركعتي الاستخارة في وقت النهي؟ تصلي تحية المسجد في وقت النهي؟ بعض العلماء قالوا: يصلي، وبعض العلماء قالوا: لا يصلي، فأنت سألت شيخاً موثوقاً به فقال لك: تصلي، وذاك سأل شيخاً موثوقاً به فقال له: لا تصلي، فلا تنكر عليه ولا ينكر عليك، هذا معنى لا إنكار في مسائل الاجتهاد.

لكن الحجامة تفطر أو لا تفطر؟ الذهب المعد للاستعمال فيه زكاة أو لا زكاة فيه؟مسائل اجتهادية.

أنت يا عامي تسأل العالِم وتقلده، وأنت يا طالب العلم ابحث وافعل ما توصل إليه بحثك الشرعي إذا كان عندك قدرة للترجيح رجح وخذ بما ترجح عندك، لكن هل أي خلاف آخذ به وأي قول أحتج به؟ مثلاً وجدت من يقول: بجواز أخذ الفوائد البنكية المصرفية، هذا قول ساقط، أو قال: الربا لو كان اثنين في المائة أو ثلاثة في المائة يجوز أما عشرة في المائة لا يجوز، هذا قول ساقط تافه لا عبرة به أبداًَ.

وبناءً عليه يأتي بعض الناس تحت بند لا إنكار في مسائل الخلاف فيقول لك: لا تنكر على الذي يصلي في مسجد فيه قبر لماذا ؟ يقول: المسألة خلافية، لا، ليست خلافية تعال يا أخي العزيز هذه فيها أدلة.

وكيف لا أنكر على من يصلي في مسجد فيه قبر، هذه فيها نصوص والذي قال بجواز الصلاة في مسجد فيه قبر هذا قول باطل.

أو مثلاً: الموسيقى والغناء، ومثل اختلاط الرجال بالنساء الاختلاط العام، أو يقيس لك مثلاً الاختلاط الدائم على المؤقت، والاضطراري على الاختياري هذا باطل، وإلا لم جعل الشرع النساء في جهة والرجال في جهة وهم في المساجد أطهر البقاع؟ ففي الحج المسألة اضطرارية فثلاثة مليون في الحج لو استطعنا لفصلنا لكنها ضرورة،  فكيف تقيس الاختياري على الاضطراري وتقيس الدائم على المؤقت؟ لا يمكن.

قال القاضي أبو بكر ابن العربي: “ولو راعينا كل خلاف يطرأ لما استقر الدين على قاعدة”.

لو أن أحداً  من العلماء، أو أي أحد من الأشخاص قال قولاً جاز لنا أن نأخذ به!!،قد يكون قولاً شاذاً ولا قيمة له.

قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله : “ولم يفلح من جعل من هذا الخلاف سبيلاً إلى تتبع رخص المذاهب ونادر الخلاف والتقاط الشواذ وتبني الآراء المهجورة والغلط على الأئمة ونصبها للناس ديناً وشرعاً مثل: الفتوى بجواز الفوائد الربوية، وشهادات الاستثمار،وسندات الخزينة، وفتوى إباحة التأمين، وفتوى إباحة السفور وفتوى إباحة الاختلاط وكلها فتاوى شاذة فاسدة تمالئ الرغبات”. المدخل المفصل 1/127. هذا كلامه رحمه الله.

إذاً عرفنا الآن ما هو المقصود بقضية لا إنكار في مسائل الخلاف وأن الصحيح  أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد؟ وبالمناسبة أريد أن أقول تعليقاً على قضية كشف الوجه للمرأة، كشف الوجه للمرأة هل هي مسألة الخلاف فيها معتبر أو غير متعبر؟ معتبر، قال به بعض الأئمة بجواز الكشف وقال بعضهم: بعدم جوازه، ولكن ينبغي أن نعلم أن هؤلاء العلماء اتفقوا على بنود:

أولاً: أجمعوا على وجوب تغطية ما عدا الوجه والكفين من جسد المرأة، فإنه لا خلاف بين الفقهاء مثلاً في تغطية المرأة قدميها عند الرجل الأجنبي، ولذلك لما طرح سؤال على بعض النساء في مجلس -كان كإقناع عقلي للنساء بتغطية الوجه-  قيل لهن: مع القول بأن الخلاف في تغطية وجه المرأة خلاف معتبر قالت به بعض المذاهب الصحيحة وليست مذاهب ضالة، ولكنهم اتفقوا على وجوب تغطية القدمين، فمن منكنَّ قدمها أجمل من وجهها؟، طبعاً ولا واحدة، لماذا؟ لأن السؤال الذي بعده هو إذا كانوا قد اتفقوا على تغطية القدمين، ونحن متفقين على أن الوجه أجمل من القدم فكيف يجب تغطية القدمين ولا يجب تغطية الوجه؟ هذا من باب البحث ومن باب قضية الإقناع، هذا إذا كنت تناقش امرأة تكشف وجهها.

ثانياً: أجمعوا على وجوب تغطية الوجه والكفين على أمهات المؤمنين، ولما قال أحدهم من أهل الزيغ قال: الحجاب واجب على أمهات المؤمنين قال له الآخر: اقرأ الآية؟ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}(سورةالأحزاب:59)فكيف خصصت الحجاب بأمهات المؤمنين؟

الآية تقول: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}(سورةالأحزاب:59)والإدناء من أعلى إلى أسفل، هذا الإدناء في اللغة.

ثالثاً: أجمعوا على أن تغطية الوجه والكفين الحد الأدنى له الاستحباب وهذا مجمع عليه.

خامساً: وأجمعوا على أن المرأة الجميلة التي يخشى الفتنة بسببها يجب أن تغطي وجهها.

حتى الذين يقولون بكشف الوجه قالوا: المرأة الشابة أو المرأة الجميلة تغطي وجهها.

سادساً: أجمعوا على أن الزمان إذا كان زمان فتنة يلزم النساء تغطية وجوههن وأكفهن،حتى القائلين بجواز كشف الوجه للمرأة قالوا: إذا الزمان كان زمن فتنة يجب على النساء تغطية وجوههن وأكفهن.

فأنا أريد أن ألفت النظر إلى قضية وهي: أنه عندهم يأتي أحدهم ويقول لك: لا إنكار في مسائل الخلاف، ثم تقول له: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، يقول لك تغطية وجه المرأة ما هو؟ المسألة اجتهادية فإذا قلت له: نعم، فلا بد أن تتبع هذا بهذا النقاش؛ لأن هذه التكملة تحسم لك أشياء كثيرة، فيظهر لك أن الخلاف في المرأة الكبيرة، والذين قالوا بكشف الوجه متفقون على أنه لا يجوز لها أن تتبرج بزينة، فلا يجوز أن تضع أصباغ ومكياج، ففي الأخير يظهر لك أن المسألة التي فيها الخلاف مسألة محصورة، وتكتشف بعد ذلك أن الذين يريدون أن يسوقوا المرأة إلى كشف وجهها بحجة الخلاف لا يكتفون بذلك، بل تُظهر مقدمة الشعر، ثم يكون الحجاب يصبح على نصف الرأس وبعدها يسقط وترفعه، وبعدها يسقط ولا ترفعه، وبعدها لا تضع الحجاب أصلاً، فالمسألة واضحة،والمسلم ذكي لا بد أن يكون فطناً.

النساء شقائق الرجال

وهكذا أيها الأخوة في قضية ((النساء شقائق الرجال))حديث نبوي لكن هل يعني التسوية بين الجنسين؟ لا، فقد يأتي من يحتج بهذا النص النبوي على التسوية بين الجنسين، مع أن الشرع فرق بين الجنسين، فمثلاً: فرّق بينهما في الميراث، وفرق بينهما في العقيقة، وفرق بينهما في الدية، كما فرق الله بينهما في الخلقة والتكوين حتى الصلاة؛ لأنه يترتب على القول بالمساواة من الباطل فمثلاً:الرجل يجب أن يتحجب، والمرأة يجب عليها أن تصلي في وقت الحيض، والمرأة تتزوج أربعة من الرجال في وقت واحد، هذه هي نهاية المشوار في المساواة، ولذلك لما قال ((النساء شقائق الرجال))  فالأصل أن أحكام المرأة مثل أحكام الرجل ما لم يدل الدليل على التفريق بينهما، وقد دلت الأدلة على التفريق بينهما في مواضع متعددة.

الواجب علينا تجاه هذه الشبهات وغيرها

وأخيراً هناك أشياء عملية لا بد منها في هذا الموضوع:

أولاً: التحصن بالعلم والإيمان لا بد أن يكون لنا أيها الأخوة إقبال على تعلم كتاب الله، ولا بد أن يكون لنا إقبال على تعلم معاني حديث رسول الله ،وما هو العلم؟ العلم: هو أن نعرف مراد الله من كتابه ومراد النبي   من حديثه، تفسير القرآن وشرح السنة.

ثانياً: الابتعاد عن استماع الشبهات سواءً طرحت في برامج فضائية أو مقالات صحفية،ابعد نفسك عن سماع الشبهات إلا إذا كنت من أهل العلم القادرين على الرد، أما إذا لم يكن عندك قدرة على الرد فلا تفرغ ذهنك للشبهة ولا تلقى سمعك للشبهة لماذا؟ لأن القلوب ضعيفة والشبه خطافة كما قال العلماء، وفِرّ من المجذوم فرارك من الأسد.

كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء يقول: “أنا على بينة من ربي وأنت شاك، اذهب إلى شاك مثلك”، ولا يزيد على ذلك، فيقول المبتدع: كلمة، قال له: ولا نصف كلمة، “فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم” كما قال   في الحديث المتفق عليه، أهل البدع لا يجوز السماع لهم،والمشكلة أن بعض الناس يفتح قنوات البدعة ويسمع ويقول: أعجبني اللحن والكلام، وأريد أن أرى ما عندهم، فيتطور الأمر إلى أن يزيغ.

ثالثاً: لا بد أن يكون عندنا تسليم تام لكلام الله وكلام رسوله ،ولو جاء في نفسك شيء تعوذ بالله من الشيطان وقاومه وثبت قدميك على طريق الإسلام وهوالاستسلام لله.

رابعاً: الرد إلى أهل العلم {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(سورةالنساء:83{فَاسْأَلُواْأَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(سورةالنحل: 43)،فلا بد من الرجوع إلى أهل العلم.

خامساً: لا بد للقادرين من العمل في الرد على الشبهات، والدفاع عن الشريعة، وتوضيح الدين أن يستعلنوا بالحق ويردوا على أهل الباطل، فإننا إن لم نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر فلا خير فينا، ولا بد أن يكون عندنا الدافعية والقابلية والحافز، فمثلاً شخص من أهل الباطل يعلن باطله وأنت ساكت، لماذا السكوت؟ والحمد لله الأمة فيها خير كثير، الحمد لله عندنا علماء، وعندنا طلبة علم، وعندنا دعاة، وعندنا أصحاب مواهب بيانية، خطابية، كتابية لسانية وقلمية، وأساليب أدبية عندنا في الأمة فيها خير كثير والحمد لله.

فإذاً كل واحد يشغل طاقته في الذب عن الشريعة بحضور مجلس، اتصال، مشاركة حتى في شريط تمرير في قناة، أينما تستطيع أن تضع الحق والرد على الباطل فضعه ولا تتردد، واعلم بأن لله في هذه الدنيا ابتلاءات وتمحيص وأحداث ومواقف يبتليك بها؛ فإن أفلحت فيها فوالله المأوى جنة النعيم، وإن كانت الخيبة والخسار فالعياذ بالله في نار جهنم، ماذا نقول للمصطفى  ؟ وماذا نقول عن سنة المصطفى   إذا تخلينا عنها؟ ومن للدين إذا تركناه؟ ومن للحق إذا لم ننصره؟ ومن للشريعة إذا لم نحامي عنها؟! لا تكن سلبياً، ولا تكن صامتاً عن الحق، لا بد أن تفعل ما يمكنك أن تفعله، والحمد لله الوسائل كثيرة جداً فنحن الآن في عصر الإعلام المنفتح، استغله أهل الشر، أفلا يستثمره أهل الخير؟ أفلا يتكلمون ويكتبون ويخطبون،والحمد لله الأمة فيها مواهب، وفيها طاقات عظيمة ولله الحمد، فإذاً لا يردك شيء،تستطيع أن تتصل وتكتب وترد وتتكلم مباشرة والوسائل كثيرة والحمد لله.

ولنعلم أيها الأخوة: أن بلدنا هذا مستهدف؛ لأن هذا البلد هو قلب العالم الإسلامي،في هذا البلد نزل الوحي، في هذا البلد عاش محمد   وأصحابه، وكلما اقتربنا من الأصل، فالدين كان أصلاً في الحجاز ثم انتشر إلى ما جاوره حتى طبّق الإسلام نجداً وسائر الجزيرة، فأول أناس مسئولين عن الإسلام أهل الجزيرة؛ لأنه أصلاً نزل فيهم وعندهم؛ فهذه البلاد مستهدفة في دينها وعقيدتها وأمنها ولذلك لابد أن نري الله من أنفسنا خيراً في الدفاع عنها، فما دام أن هذه البلد مستهدفة فلا بد أن يقوم أهلها بالدفاع عن مقوماتها وأصلها، وما هو أصل البلد؟ الإسلام، فيجب إذاً أن يكون لنا جميعاً مواقف في الدفاع عن إيمان البلد وأمن البلد.

الإيمان والأمن أمران مهمان، إبراهيم   ماذا قال؟ {رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}(سورة البقرة:126)،من الناحية الدنيوية لابد أن يكون هناك أمن ومصادر رزق حتى يعيش الناس فتأكل وتشرب آمنة مطمئنة هذا من الناحية الدنيوية، ومن الناحية الدينية؟ {وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ}(سورةالبقرة: 129) وقد فعل تعالى وبعث الرسول   من هذه البقاع.

{يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}(سورةالبقرة:129)،وهذه وظيفتنا اليوم أن نتلوا آيات الكتاب، وأن نتربى عليها، ونزكي أنفسنا بها، وأن نعلِّمها وننقلها للآخرين.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ونسأله ​​​​​​​  أن يبارك لنا فيما أعطانا، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعل مما آتانا عوناً لنا على طاعته، ، وأن يجعلنا جميعاً نصراء للدين، نذب عن سنة سيد المرسلين، ونتمسك بحبل الله المتين، ونسأله أن يحسن خاتمتنا أجمعين ويرزقنا جنات النعيم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.