وعاشروهن بالمعروف

 

 

وعاشروهن بالمعروف

الحمد لله الذي خلق الذكر والأنثى، من نطفة إذا تُمنى، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الله عز وجل خلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها، وجعل المودة والرحمة دوحة نستظل بها: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الروم:21).

ثم أوجب الله عز وجل على الزوج عِشْرَةَ زوجته بالمعروف {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(النساء:19)، قال ابن كثير رحمه الله: “أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم؛ كما تحب ذلك منها، فافعل أنت مثله كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بالمعروف}، وقال رسول الله  : ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))1.

وكان من أخلاقه   أنه جميل العشرة، دائم البِشر، يُداعب أهله،ويتلطف بهم، ويضاحك نساءه؛ حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهاويتودد إليها بذلك، قالت رضي الله عنها: سابقني رسول الله   فسبقته وذلك قبل أن أحمل اللحم؛ ثم سابقته بعدما حملت اللحم فسبقني، فقال: هذه بتلك.

وكان   يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، ويضع عن كتفيه الرداء، وينام بالإِزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله فيسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام يؤانسهم بذلك  ، وقد قال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}”2؛

ويقول ابن سعدي – رحمه الله – عند تفسيره لهذه الآية: “وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال”3.

ويقول الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله : “فمن العشرة بالمعروف أنه إذا احتاجت إلى كسوة داخل بيتها، وكسوة لخروجها لمناسبة أو نحو ذلك كساها كسوة واحدة في صيفها وشتائها لخروجها، لكن استغلال المرأة لحقها في الكسوة، وتحميلها لزوجها ما لا يتحمله؛ يعتبر من الظلم، ولذلك قال العلماء: لا يلزمه أن يكرر الكسوة لها في كل عام؛ وإنما هو من باب الفضل لا من باب الفرض خاصة ما أصبح يفعله بعض النساء في العصور المتأخرة من تكرار اللبس للمناسبات على وجه لا يُشك أنه عين الإسراف الذي حرَّمه الله، وعين البذخ الذي لم يأذن به الله، فهذا لا يجب على الزوج أن يؤتيه لزوجته، ولا يجب على الزوج إن يتحمله لزوجته، بل عليه أن ينفق عليها بالعرف في حدود حاجتها، وما زاد على ذلك يقول العلماء: إنه يكون مرده إلى المرأة؛ فالمرأة هي التي تشتري لنفسها ما فضل على ذلك وزاد”4.

وعند الاختلاف يرجع إلى العرف، فهو فاصل في هذه الأمور، وعليه تنزل قاعدة: “العادة محكَّمة”.

والعرف يختلف من بلد إلى بلد، ومن قبيلة إلى أخرى، ومن أسرة إلى أسرة، فالمرجع هوعرف نساء كل بلد وقبيلة، مالم يكن هذا العرف يخالف نصاً من كتاب الله سبحانه وتعالى، أو من سنة رسول الله  .

وخلاصة القول في معنى هذه الآية أن للمفسرين في معنى المعاشرة أقوال مجملها ما يلي:

القول الأول: “طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحبون ذلك منهن، فافعلوا أنتم بهن مثله”5.

القول الثاني: العدل في المبيت، والنفقة، والإجمال في القول6.

القول الثالث: أن يوفيها حقَّها من المهر، والنفقة، والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب،وما جرى مجرى ذلك7.

أي: “وعليكم أن تحسنوا معاشرة نسائكم فتخالطوهن بما تألفه طباعهن، ولا يستنكره الشرع، ولا العرف، ولا تضيقوا عليهن في النفقة، ولا تؤذوهن بقول ولا فعل، ولا تقابلوهن بعبوس الوجه، ولا تقطيب الجبين”8.

والمعاشرة بالمعروف واجبة بنص الآية؛ إذ الأمر يقتضي الوجوب، وقد دلَّت السنة على ذلك أيضاً فصح عنه   أنه قال: (استوصوا بالنساء خيراً)رواه البخاري (3084)، وينبغي أن تكون المعاملة الطيبة بين الزوجين متبادلة لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} حتى تدوم وتستمر العلاقة الزوجية على أحسن حال يقول ابن كثير رحمه الله: “أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر، ما يجب عليه بالمعروف”9.

وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله   قال في خطبته في حجة الوداع: ((فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف)) رواه مسلم (2137).

وفي حديث بهز بن حكيم عن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أنه قال: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا؟ قال: ((أن تطعمها إذا طعمت،وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت))10، ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: “إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة لأن الله يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}”11.

فنسأل الله جل وعلا أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين وأن يجعلنا للمتقين إماماً، اللهم أصلح زوجاتنا وذرياتنا، وبارك لنا في أموالنا وأولادنا، وتقبل منا واغفر لنا وارحمنا إنك أنت السميع العليم، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 


1 رواه الترمذي (3830) وابن ماجه (1967) وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (3314).

2 تفسير القرآن العظيم (1/576) لابن كثير، تحقيق: محمود حسن، الناشر: دار الفكر، الطبعة الجديدة 1414هـ/1994م.

3 تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (172)، عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي، المحقق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1420هـ -2000م.

4 دروس عمدة الفقه (6/380) للشنقيطي، الموسوعة الشاملة (3).

5 تفسير القرآن العظيم (1/576).

6 الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (1/140) الزمخشري، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.

7 ينظر: أحكام القرآن (2/109) أحمد بن علي الرازي الجصاص أبو بكر، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت – 1405).

8 تفسير المراغي (4/213)، وينظر المفصل (7/235) نقلاً عن: “نيل المرام شرح آيات الأحكام” (ص133) فهد عبد الله.

9 تفسير القرآن العظيم (1/336) لابن كثير، المحقق: محمود حسن، الناشر: دار الفكر.

10 رواه أبو داود (1830) وصححه الألباني انظر صحيح أبي داود برقم (1859).

11 سنن البيهقي (7/295). الناشر : مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدر آباد، الطبعة : الأولى ـ 1344 هـ