هل تسمع النداء

هل تسمع النداء

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فمما يُشرع لكل من سمع الأذان أن يجيب هذا النداء الداعي إلى الصلاة التي بها فلاح العبد ونجاته، وفي هذا المبحث سنتناول إجابة النداء سواء كان ذلك لصلاة الجمعة أو الجماعة:

المسألة الأولى: تلبية النداء لصلاة الجمعة:

– من كان في البلد التي تقام فيه الجمعة:

اتفق الفقهاء على وجوب صلاة الجمعة على من يكون في البلد الذي تقام فيه صلاة الجمعة سواء سمع النداء، أو لم يسمع، فلا يشترط سماع النداء، قال الإمام النووي رحمه الله: "وهذا مجمع عليه"1، ومن أدلتهم:

1- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(الجمعة:9)، ووجه الدلالة: أن الله أمر بالسعي بمجرد النداء، ولم يقيده بالسماع2.

2- أن كل موضع من البلد موضع للنداء، ومحل لإقامة الجمعة فيه، وليس لها اختصاص بموضع دون موضع؛ لأنه بلد واحد، فلا فرق بين البعيد والقريب3، قال ابن حجر رحمه الله: "والذي ذهب إليه الجمهور أنها تجب على من سمع النداء، أو كان في قوة السامع سواء كان داخل البلد أو خارجه"4.

– من كان خارج البلد التي تقام فيه الجمعة:

وقد اختلف الفقهاء في اعتبار سماع النداء شرطاً في وجوب صلاة الجمعة على من كان خارج البلد على قولين:

القول الأول: أنه يعتبر سماع النداء شرطاً لوجوب صلاة الجمعة، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية5، وهو قول المالكية6، والشافعية7، والحنابلة8، واستدلوا بـ:

1-  قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} وجه الدلالة: عموم الآية وظاهرها إيجاب السعي إليها عند سماع النداء؛ لأنه جعل النداء علماً لها، قال الماوردي:" فكان عموم الظاهر يقتضي إيجاب السعي إليها عند سماع النداء لأنه جعل النداء علما لها"9.

وقال ابن حجر رحمه الله: "والذي ذهب إليه الجمهور أنها تجب على من سمع النداء، أو كان في قوة السامع سواء كان داخل البلد أو خارجه"10.

2- حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الجمعة على كل من سمع النداء))11، وهذا نص فيمن كان خارج البلد، لأن سماع النداء على أهل البلد غير معتبر12 قال العلامة الشوكاني رحمه الله: "والحق أن الجمعة من فرائض الأعيان على سامع النداء"13.

3- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له، فلما ولَّى دعاه فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة))؟ فقال: نعم، قال: ((فأجب)). رواه مسلم (653)، "فإذا كان هذا في مطلق الجماعة فالقول به في خصوصية الجمعة أولى"14.

القول الثاني: أنه لا يعتبر شرطاً فلا تجب الجمعة على من كان خارج المصر سواء سمع النداء أو لم يسمعه، فلا تجب على أهل القرى التي ليست من توابع المصر، وهو قول الحنفية15، واستدلوا بـ:

1- ما جاء عن علي رضي الله عنه أنه قال: "لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع"16.

والراجح:

هو القول الأول، وذلك لـ:

1- قوة أدلتهم.

2- ضعف حديث علي رضي الله عنه.

3- لو صح ففيه احتمالان:

الأول: أنه لا تصح إلا في مصر، لا أنه لا تجب إلا على أهل المصر.

الثاني: أنه يحمل على من لم يسمع النداء.17

العبرة في سماع النداء:

العبرة في ذلك أن يكون المؤذن صيتاً، والرياح ساكنة، والأصوات هادئة، والعوارض منتفية، والمستمع سليماً قال النووي رحمه الله: "المعتبر نداء رجل عالي الصوت يقف على طرف البلد من الجانب الذي يلي تلك القرية، ويؤذن والأصوات هادئة، والرياح ساكنة؛ فإذا سمع صوته من وقف في طرف تلك القرية الذي يلي بلد الجمعة، وقد أصغى إليه، ولم يكن في سمعه خلل، ولا جاوز سمعه في الجودة عادة الناس، وجبت الجمعة على كل من فيها، وإلا فلا"18، وقدَّر الحنابلة الموضع الذي يسمع فيه النداء غالباً بفرسخ قال البهوتي: "والموضع الذي يسمع فيه النداء غالباً إذا كان المؤذن صيتاً، والرياح ساكنة، والأصوات هادئة، والعوارض منتفية؛ هو فرسخ"19، وقال المالكية: المسافة هي ثلاثة أميال.20

 

سماع النداء من مكبر الصوت:

سماع النداء من مكبر الصوت في هذا العصر الذي زال الهدوء في غالب الأمصار بسبب وجود وسائل الحياة الحاضرة من مواصلات ومصانع وغيرها، وكذلك اختلاف طبيعة المباني الحديثة؛ قد يساوي سماع النداء من غير مكبر الصوت في العصور الماضية، وعلى هذا فالذي يظهر اعتبار السماع من مكبر الصوت؛ لأنه لو قيده بغير مكبر الصوت لا يسمع النداء ولو في مسافة أقل من فرسخ، أو ثلاثة أميال التي جعلها الفقهاء مظنة السماع، فاعتبار سماع الأذان من مكبر الصوت بمثابة عدمه في الماضي الذي كان الهدوء يسود البلد21.

 

المسألة الثانية: تلبية النداء لصلاة الجماعة22:

جاءت الأحاديث الصحيحة التي تأمر بإجابة النداء للصوات الخمس على من سمعه ليشهد صلاة الجماعة في المسجد23 ومنها:

1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولَّى دعاه فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة ))؟ فقال: نعم، قال: ((فأجب)) رواه مسلم (653)، وفي رواية: ((لا أجد لك رخصة))24.

2- وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر))25.

نسأل الله بمنِّه وكرمه أن يوفقنا لطاعته، وييسر لنا أمرنا، ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

والحمد لله رب العالمين،،،


 


1 المجموع (4/407) للإمام النووي، الناشر: دار الفكر – بيروت، سنة النشر: 1997م، وفتح الباري (2/385) لابن حجر العسقلاني،  تعليق الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وتحقيق ومحب الدين الخطيب، الناشر: دار الفكر.

2 عون المعبود شرح سنن أبي داود (3/270) لمحمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الثانية 1415هـ.

3 أحكام الأذان والنداء والإقامة (397) رسالة ماجستير لسامي بن فراج الحازمي، الناشر: دار ابن الجوزي – السعودية – الدمام، الطبعة الأولى 1425هـ.

4 فتح الباري (2/385).

5 رد المحتار (2/153) لمحمد أمين بن عمر ابن عابدين، دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1412هـ- 1992م.

6 بداية المجتهد (1/133) لابن رشد القرطبي الحفيد، تنقيح وتصحيح: خالد العطار، إشراف مكتب البحوث والدراسات دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

بيروت – لبنان، الطبعة: 1415 هـ – 1995م.

7 المجموع (4/407).

8 الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (2/366) لعلي بن سليمان المرداوي أبو الحسن، تحقيق: محمد حامد الفقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.

9 الحاوي في فقه الشافعي (2/405) لأبي الحسن الماوردي، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ – 1994م.

10 فتح الباري (2/385).

11 رواه أبو داوود في السنن (1/409) برقم (1058) الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت، وضعفه الألباني وقال: الصحيح وقفه.

12 الحاوي في فقه الشافعي (2/406).

13 نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار (3/272) محمد بن علي بن محمد الشوكاني، الناشر: إدارة الطباعة المنيرية.

14 نيل الأوطار (3/276).

15 رد المحتار (2/153).

16 السنن الكبرى (3/179) برقم (5823) للبيهقي، الناشر:مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدر آباد، الطبعة: الأولى 1344هـ. قال النووي: "ضعفه أحمد بن حنبل، وآخرون، وهو منقطع "خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام (2/765) برقم (2675) للنووي، المحقق: حققه وخرج أحاديثه: حسين إسماعيل الجمل، الناشر: مؤسسة الرسالة – لبنان – بيروت، الطبعة الأولى، 1418هـ – 1997م، وقال الألباني: "لا أصل له مرفوعاً" سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (2/317) برقم (917) للألباني، دار النشر: دار المعارف، السعودية – الرياض، الطبعة الأولى 1412 هـ – 1992م.

17 أحكام الأذان والنداء والإقامة (399).

18 المجموع (4/407).

19 كشاف القناع عن متن الإقناع (2/23) لمنصور البهوتي، تحقيق: هلال مصيلحي مصطفى هلال، الناشر: دار الفكر – بيروت 1402هـ.

20 المدونة (1/233) للإمام مالك بن أنس، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، سنة النشر: 1415هـ1995م، بداية المجتهد (1/133).

21 أحكام الأذان والنداء والإقامة (400).

22 أحكام الأذان والنداء والإقامة (401).

23 اختلف العلماء في حكم صلاة الجماعة على أقوال ليس هذا موضعها.

24 رواه أبو داود برقم (552) وقال الألباني: حسن صحيح.

25 رواه ابن ماجه برقم (793) وصححه الألباني.