من مسئولية الإمام وواجباته

من مسئولية الإمام وواجباته

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فلا شك أن على إمام المسجد واجبات ومسئوليات كثيرة يجب أن يقوم بها، ومن هذه الواجبات:

أولاً: أن يحافظ على الصلاة جماعة، وألا يتخلف عن جماعته، أو يتأخر عنهم، أو يشق عليهم، فإن رأى أنه لا يمكنه الحضور فعليه أن يجعل من ينوب عنه ويقوم بالواجب.

ثانيًا: ينبغي عليه أن يتخول جماعته بالموعظة، وأن يقيم في المسجد الأنشطة، والدورات، والدروس العلمية النافعة، وأن يستدعي مجموعة من الدعاة والعلماء لإقامة المحاضرات في المسجد.

ثالثًا: على الإمام أيضاً أن يتفقد المتخلفين عن الصلاة، وأن يعظهم ويذكرهم فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه، وحضورهم للصلاة، وينهى عن التأخر فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخراً فقال لهم: ((تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)) رواه مسلم (438)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم)) رواه البخاري (2420)، وهذا دليل على أنه ينبغي للإمام أن يتفقد المصلين معه، وأن يعاتب المتأخرين، وأن يقوم بالواجب نحوهم من باب النصيحة، أما أن يترك المتخلفين؛ فهذا نقص في المسئولية.

رابعاً: كسب قلوب الناس، وجعلهم يحبون التردد على المساجد، ويحافظون على الجماعة، وعلى الإمام أن يفقه سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في مراعاة أحوال المصلين بحيث لا يشق عليهم فيطيل بهم، ويفتنهم وينفرهم؛ ولذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على التجوز، وحذر في موعظة قوية من التنفير فقد جاء عن أبي مسعود رضي الله عنه أن رجلاً قال: والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضباً منه يومئذ، ثم قال: ((إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز؛ فإن فيهم الضعيف، والكبير، وذا الحاجة)) رواه البخاري (702)، ومسلم (466).

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذا يصلي، فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ، فقرأ بسورة البقرة أو النساء، فانطلق الرجل، وبلغه أن معاذاً نال منه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه معاذاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا معاذ أفتان أنت أو أفاتن ثلاث مرار، فلولا صليت بسبح اسم ربك، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير، والضعيف، وذو الحاجة)) رواه البخاري (705) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "فيه استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين، وأما من قال: لا يكره التطويل إذا علم رضاء المأمومين؛ فيشكل عليه أن الإمام قد لا يعلم حال من يأتي فيأتم به بعد دخوله في الصلاة كما في حديث الباب، فعلى هذا يُكره التطويل مطلقاً؛ إلا إذا فرض في مصل بقوم محصورين راضين بالتطويل في مكان لا يدخله غيرهم"1.

ولا يعني هذا أن يخفف الإمام الصلاة إلى درجة إسقاط الواجب بحجة مراعاة الناس؛ فإن في هذا مفسدة أعظم، ولكن الأمر يعني التزام الوسطية في الأمر، والشعور بالمسئولية وهو يؤدي هذا العمل، ومحاولة كسب الناس، والعمل على أن يحبب لهم القيام بما فرض الله عليهم، مع إتمام الصلاة في جميع ما أوجبه الله فيها من القراءة والطمأنينة، وإتمام الركوع والسجود، والتسبيح والتحميد، وسائر ما يجب.

خامساً: محبة الناس لإمامهم مبنية على ثقتهم به، وعظم مكانته عندهم، ومن ثمرات ذلك تأثير الإمام في المأمومين، واستماعهم لتوجيهاته، وانشراح صدورهم لما يقوله أو يريده منهم، وهذا يعد جزءاً مهماً من مسئولية الإمام، فالمصلون إنما يثقون بالإمام الكفء، صاحب السيرة الحميدة، والخلق الحسن، الذي يقول ويعمل، ويلتزم في أقواله وأعماله هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويقتدي به في خلقه الحسن، وصفاته العظيمة من الصبر والشفقة، والحلم والعدل، والكرم، والحياء والصدق، وسائر الأخلاق الحميدة.

نسأل الله تعالى أن يوفق الأئمة والمأمومين لما يحب ويرضى، والحمد لله رب العالمين.


1 فتح الباري لابن حجر (2/197) دار المعرفة.