وقرن في بيوتكن

 

 

وقرن في بيوتكن

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإنه يوجد من نساء المسلمين من وهبها الله نجاة من الكفر، والنفاق، ونجاة بفضل الله تعالى من المهلكات العظام، والكبائر الجسام، غير أنها لا تكون قادرة على الاستجابة لأمر الله تعالى في قوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}(الأحزاب:33)، فلا يكاد يقر قرارها إلا بالخروج هنا وهناك، والذهاب إلى الأسواق ركضاً وراء آخر الموضات من ملابس، ومساحيق؛ انخداعاً بالمغريات والدعايات الفاتنة.

ولذلك لما رأى أعداء الإسلام ما نالته المرأة المسلمة من كرامة، وعزة، ومكانة في ظل الدين الإسلامي؛ حسدوها على ذلك، فكادوا لها المكائد، وتربصوا بها الدوائر، لأنهم يريدون أن تكون المرأة المسلمة أداة تدمير للدين الإسلامي، فأصبحت بذلك المرأة هدفاً سدد إليه أعداء الله ورسوله والمسلمين السهام، فاستطاعوا أن يُخرجوا المرأة من بيتها وعفتها، لتزاحم الرجال في الأسواق، والوظائف الخاصة والعامة، سيراً بعد مقولة “مساواة الرجل بالمرأة “أو “تحرير المرأة”.

“ولقد أدرك أعداء الإسلام دور المرأة في تنشئة الأجيال، وتوجيهها الوجهة السليمة،وفي المحافظة على حصانة المجتمع الإسلامي، وأن في فسادها وتحللها إفساداً للمجتمع كله؛ فوجهوا إليها جهودهم الخبيثة لرفع حجابها، وسلخها عن هويتها الإسلامية لتكون حرباً على دينها”1، “تقول الطبيبة آنا مليجان: ليس هناك طريقة لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة المسلمة سافرة متبرجة، ويقول الطبيب غلادستون: لن يستقيم حال الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة، ويغطى به القرآن”2.

وقد نجح الأعداء في ذلك، فهاهي المرأة المخدوعة تظهر على مرأى ومسمع من العالم بكامل زينتها، وتشارك في كل منحى من مناحي الحياة، وحتى فيما لا يقدر عليه إلا الرجل القوي، فنسأل الله تعالى أن يحفظ علينا ديننا وأمانتنا، وأعراضنا وأعراض المسلمين أجمعين، ولذلك نقول:

قرار المرأة في بيتها لرعاية شئونه، وحفظ نفسها؛ هي عبادة عظيمة أمر الله ​​​​​​​  بها، وحثَّ عليها، وحذر من تركها أو التهاون فيها، ففي سورة الأحزاب يقول تبارك وتعالى مخاطباً نساء النبي  خاصة، ونساء المؤمنين عامة: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره : “هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي ،ونساء الأمة تبع لهن في ذلك”3، وقال رحمه الله: “ومعنى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} أي إلزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد”4.

إن خروج المرأة من بيتها، واختلاطها بالرجال؛ سبب عظيم في فسادهما معاً يقول ابن  القيم رحمه الله تعالى: “ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام، والطواعين المتصلة”5، ويقول الأستاذ أحمد زكي: “وغير خفي على أحد أن خروج المرأة متبرجة كاسية عارية -كما يفعل نساء هذا العصر – من أعظم وسائل الفساد والدعارة، والشرور الأخلاقية والأمراض الاجتماعية، وليس هذا إلا انطلاقاً مع جماح الإنسان الحيواني”.

وإن تعجب فعجب قول دعاة الإباحية بأن تبرج المرأة يحد من ثورة الجنس لدى الإنسان،ويحد بذلك من العلاقات المذكورة، وهذا كذب وبهتان يعلمه كل من اطلع على واقع الحياة عند الغربيين، فإن تبرج نسائهم لم يحد أبداً من ثورة الجنس؛ بل وصل بهم إلى قمة هذه الثورة التي أفضت بهم إلى إباحة الشذوذ الجنسي، وتشريع القوانين التي تبيح زواج الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وهذه عاقبة المجتمعات التي تتبنى الإباحية، وتدعو إلى تبرج النساء.

ومن هنا فقد حرَّمت الشريعة الحنيفية تبرج النساء جرياً على قاعدتها العظيمة،وأصلها الأصيل: درء المفاسد وتقليلها، وجلب المصالح وتكثيرها”6.

وجاءت النصوص الشرعية محذرة النساء من اتباع هذا المسلك الخطر لما فيه من أخطار تحدق بالأفراد والمجتمعات، فعلام تبيع المرأة عفتها، وعزتها، وكرامتها، بل وتحرم نفسها رضوان الله تعالى عليها، ودخول الجنة كما جاء عن أبى أذينة الصدفى   أن رسول الله   قال: ((خير نسائكم الودود الولود، المواتية المواسية إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم))7 والغراب الأعصم هو غراب أحمر المنقار والرجلين، وهو قليل الوجود.

وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي   قال: ((ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة، وعصى إمامه، ومات عاصياً، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدنيا فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم))8.

ولخروج المرأة من بيتها آثار سيئة تعود عليها، إذ قد تكون عرضة للتحرشات والمضايقات التي هي في غنى عنها، والمرأة ضعيفة بفطرتها، لا قدرة لها على أن تدافع عن نفسها ضد من يريد بها سوءاً وشراً، وكذلك فإن خروجها من بيتها لغير حاجة، أو لمجرد تضييع الأوقات لا يجوز وبخاصة إن صاحب ذلك التزين والتعطر، والتجمل الذي نهى النبي  عنه كما في حديث أبي موسى  عن النبي قال: ((كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا (يعني زانية))9، وفي رواية ((أيما امرأة استعطرت فمرَّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية))10، فإن ذلك يسهل الوقوع في الفواحش والزنا، وسبب للاختلاط والخلوة المحرمة، والله المستعان.

نسأل الله تعالى بمنَّه وكرمه أن يعيذ نساءنا من ذلك، وأن يحفظ على الجميع دينه وأمانته، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


1 رسالة إلى فتاة الإسلام لعبدالغني شحاتة فتح الله (ص2).

2 رسالة إلى فتاة الإسلام لعبدالغني شحاتة فتح الله (ص11).

3 تفسير ابن كثير (6/408).

4 تفسير ابن كثير (6/409).

5 الطرق الحكمية لابن القيم (1/ 407).

6 رسالة إلى المرأة المسلمة في الترهيب من التبرج والترغيب في الحجاب لأبي عبد الله حماد (ص11).

7 السنن الكبرى للبيهقي برقم (13860)، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1849).

8 المستدرك للحاكم برقم (411)، والمعجم الكبير للطبراني برقم (15184)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (542).

9 سنن الترمذي برقم (2786)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي.

10 سنن النسائي برقم (5126)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي.