تهيئة مدرسين للحلقات

تهيئة مدرسين للحلقات

يستبشر الرائي بخير حينما يرى تلك المعاهد النوعية المنتشرة في أرجاء شتى من البلاد الإسلامية، والتي أنشئت أساساً لإعداد المدرسين والمعلمين، وتأهيل المشرفين والتربويين في شتى التخصصات، ومختلف التوجهات، ولا يخفى على ذي لبٍّ الهدف الأسمى لإنشاء مثل هذه المعاهد، إذ هي بالدرجة الأولى تُعنَى بزيادة كفاءة المدرس الإدارية، وتطوير مهاراته التعليمية، ورفع حصيلته العلمية؛ ليشكل بعد ذلك عاملاً في النهضة بأجيال الأمة نهضة تشمل كافة قطاعاتها العلمية، والتربوية، والمهنية، نهضة تقوم على معرفة كافية، ورؤىً عميقة؛ تدفع بكفة الأمة إلى الأمام، وتحلِّق بها في مصاف الرقي والتقدم.

وفي هذا الصدد أحببنا أن نقف على قضية حساسة تتعلق بخط الإمداد الأول للصحوة المباركة (مدارس التحفيظ)، هذه القضية تعتبر مرحلة استباقية لمرحلة تأهيل معلم القرآن لتولي مهمة التدريس ألا وهي تهيئة الطالب لإدارة الحلقة القرآنية.

ولعلنا نغض النظر عن مرحلة التأهيل للمدرسين لا لأنها متأخرة في سلم الاهتمامات، وإنما لكونها بفضل الله ​​​​​​​ أخذت شأواً من الاهتمام والعناية في بعض الأقطار الإسلامية حتى أسست لذلك معاهد تضطلع بهذه المهمة – وإن لم تكن بالحجم الـمُرضي -، إلا أنها على الأقل قضية لاقت رواجاً، ووجدت سنداً، ولذا عرفت طريقها إلى الساحة اليوم بخلاف قضيتنا هذه (تهيئة مدرسي الحلقات) فهي شبه مُغْفَلَة إلا من قطاع بسيط‏‏‏‏‏‏‏‏ على الرغم من ضرورتها المحتمة، وهي تعتبر من جملة المهام التي لا بد أن يضطلع بها القائمون على مدارس التحفيظ.

مقصودنا بالتهيئة:

كما هو معلوم أن طالب اليوم في حلقة التحفيظ ربما يكون معلم الغد، وهو اليوم يتربي في محاضن التربية ليصبح في العهد القريب المربي القائد، ويُتَعَهْد بالسقاية والرعاية فترة من الزمن ليتولى بعدها أمر السقاية والرعاية، فلن يستمر عمره وهو في كنف التلقي إذ لا بد من يوم يفارقه فيه (آية جارية، وسنة قائمة)، وعجلة الوقت كفيلة بأن تنقله من طور إلى آخر، وسنة الحياة تقتضي ذلك؛ إن حمل من المؤهلات ما تجعله يتبوأ مقعداً رائداً في قيادة الأمة، لكن القضية الأهم هي: هل قمنا بالواجب المناط في تهيئته للقيام بهذه المهمة العظيمة تهيئة تمكِّنُه من أداء الدور الذي يرقى به إلى مستوى المسؤولية في المجالات المطلوبة كتعليم القرآن الكريم، وأسلوب إدارة الحلقة، وقدرته على التنظيم والإبداع؟

هذا ما سنحاول – بإذن الله – أن نفصح عنه في هذه المقالة من خلال النقاط التالية:

أولاً: مبررات التهيئة:

إن لتهيئة الشاب وإعداده ليكون مدرساً في مدرسته التي كان بالأمس القريب تلميذاً متلقياً فيها أسباب منها:

أنه المقدم على غيره في مدرسته كونه من مخرجاتها.

أن ولاؤه لمدرسته أقوى بخلاف الوافد عليها لغرض التدريس فحسب.

كونه موثوقاً فيه أكثر من غيره.

السعي في الحد من تدني مخرجات العملية التربوية، ولا يتأتي ذلك إلا بالإعداد القوي للقائمين بالمهمة.

لاختلاف تخصصات الطلاب، فالطالب المؤهل لإدارة حلقة قرآنية قد لا يكون تخصصه العلمي في مجال العلوم الشرعية؛ مما يعني انشغاله حتى عن التأهيل فيما بعد التعيين، فتكون تلك الفترة التي قضاها في المدرسة كفيلة لتأهيله لهذه المهمة.

ثانياً: معايير اختيار (الطالب):

لا بد أن يكون اختياره بناء على الآتي:

أن يتجاوز عمره الثامنة عشرة.

– كفاءته العلمية وقدراته الإدارية والإبداعية.

– القناعة التامة بالعمل، والتفرغ له.

– سلامة عقيدته، وتحليه بأخلاق أهل القرآن.

ثالثاً: جوانب التهيئة:

تشمل عدة أمور منها:

التهيئة النفسية وتتمثل في الآتي:

– مفاتحته في موضوع التنصيب.

– تعيينه مسئول التسميع حال غياب مدرس حلقته، أو معاوناً له حال ضيق الوقت، وتزاحم المهام.

– توليه مسئولية البديل للمعلم المنقطع والمتخلف.

– توليه مسئولية الإشراف على نشاط (ما) في المدرسة.

التهيئة العلمية وهي تعني أموراً منها:

– إتقان القرآن الكريم (ضبطاً وتلاوة).

– منحه الإجازة ولو على الأقل في رواية حفص عن عاصم.

– رفع حصيلته الشرعية، وكفاءته العلمية؛ بكافة الوسائل المتاحة.

التهيئة الأخلاقية: بإذكاء روح الأخلاق فيه، وخاصة ما يتعلق بالمهنة من ذلك:

الصدق.

الأمانة.

الحلم.

تبادل الاحترام مع الآخرين من طاقم التدريس.

التهيئة المهنية: بأن تنمى فيه هذه الجوانب:

روح الرقابة.

التعاون في أداء المهام.

الالتزام بلوائح وقرارات الإدارة وتوصياتها.

الانضباط في الحضور، والحرص على المواعيد.

الإبداع في طريقة التدريس، وآلية التعامل مع الطلاب.

الاستمرارية في التلقي ليتواصل العطاء، والحرص الدؤوب على تطوير مستواه.

العمل على تطوير المدرسة، والرُقي بمستواها.

وهذا يمكن أن يتم من خلال الجلسات الانفرادية، والنصائح الشخصية، واغتنام المواقف المواتية للطرح.

التهيئة التربوية: بأن يغرس فيه الآتي:

التضحية للدين، والتفاني من أجله.

الاعتناء بمظهر حملة القرآن.

مقومات الشخصية القيادية.

تقبل التوجيهات وتنفيذها.

تفعيل مبدأ الاستشارة والرجوع للقيادة الأولى.

التمرس على ضبط النفس والأناة حال التعامل مع النفسيات.

التهيئة الاجتماعية: وذلك بأن يكون:

محباً لطلابه.

محترماً لهم.

موثوقاً بينهم.

متفاهماً متعاوناً متعاطفاً معهم.

موطداً لعلاقات طيبة مع أوليائهم.

التهيئة بعد تولي المهمة: ويتم ذلك من خلال:

إلحاقه بمعاهد تأهيل المعلمين إن وجدت.

إلحاقه في دورات تطويرية وتدريبية، وورش عمل (إدارية، تربوية، مهنية…).

ربطه ببرنامج علمي مستمر وفق خطة منهجية مدروسة؛ ليتدفق العطاء، ويعظم النتاج.

تفتيح آفاقه على كتب ودراسات ومناشط تتعلق بمدارس التحفيظ للإطلاع عليها، والاستفادة منها.

* التوصيات:

يتولى الطالب المهيأ للتدريس في أول المشوار إذا كان عمره في الثامنة عشرة أو قريباً منها، أو حال عدم وجود الكفاءة الكافية الحلقات الأقل مستوى (حفظاً وعمراً).

ينبغي المتابعة المتزنة والمستمرة له خلال المراحل الأولى لتدريسه حيث تقل الخبرة، وتضعف الكفاءة.

لا بد أن يحرص المسئولون عنه على تطوير أدائه والرقي بمستواه وكفاءته بكافة الطرق والوسائل.

يمكن الإفادة أكثر من المواقع المدشنة على الشبكات العنكبوتية في هذا الخصوص.

يفضل تقييم أداءه للمرحلة الأولى بحيث ترصد الإيجابيات لتعميقها، والسلبيات لتلافيها وتجاوزها.

والله في عونكم يا منارات الهدى، ومصابيح الدجى.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.