إياك والعجلة

إياك والعجلة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد:

فإن التثبت في الأمور وعدم الاستعجال منهج إسلامي متميز؛ يحفظ على المجتمع تماسكه وتآلفه، ويحميه من الأخطاء والزلات التي يتبعها فساد عريض.

ولأجل ذلك نبه القرآن الكريم على حكمة من حكم هذا المنهج العظيم فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات، فيندم الفاعل ويتألم المتضرر.

"قال أبو حاتم رضي الله عنه: الرافق لا يكاد يسبق، كما أن العَجِل لا يكاد يَلْحق، وكما أن من سكت لا يكاد يندم، كذلك من نطق لا يكاد يسلم. والعَجِل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويَحمد قبل أن يُجرِّب، ويذم بعد ما يحمد، يعزم قبل أن يفكر، ويمضي قبل أن يعزم، والعَجِل تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تكني العَجلة: أم الندامات".1

والعجلة من الشيطان، وإذا ابتلي إنسان بهذه الخصلة الذميمة، ستقوده إلى المهالك، إلا أن يشاء الله هدايته ورحمته.

والعجلة لها أسباب ينبغي اجتنابها، منها:

×         عدم النظر في العواقب، وسنن الله في الكون.

×   ومنها أن الشيطان عدو الإنسان، فإن أساس العجلة من الشيطان؛ لأنه الحامل عليها بوسوسته، فيمنع من التثبت والنظر في العواقب، فيقع المستعجل في المعاطب والفشل، ولذلك قيل:

ولا تعجلا لم يَدْر صاحبُ حاجةٍ

 

 

أغيّاً يلاقي في التعجُّلِ أم رُشْدا

 

قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: لا يزال الرجل يجني من ثمرة العجلة الندامة.

وينبغي أن يعلم المرء أن العجلة المذمومة ما كان في غير طاعة، ومع عدم التثبت وعدم خوف الفوت، ولهذا قيل لبعض السلف: لا تعجل، فالعجلة من الشيطان، فقال: لو كان كذلك لما قال موسى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (84) سورة طـه.

وقد قال بعض السلف: لا تعجل عجلة الأخرق وتحجم إحجام الواني.

والخلاصة: أنه يستثنى من العجلة ما لا شبهة في خيريته، قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} (90) سورة الأنبياء.2

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه -قال الأعمش: ولا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم-: (التؤدة3 في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة).4

وذلك لأن الحزم بذل الجهد في عمل الآخرة؛ لتكثير القربات ورفع الدرجات؛ لأن في تأخير الخيرات آفات.5

ولها آثار سلبية كثيرة، نذكر منها:

ضعف الإنتاج:

فالمستعجل لا يحرص على الجودة في العمل كما يحرص على محاولة إنجازه على أي حال كان.

ومن آثارها السلبية: حصول اليأس المؤدي إلى الترك عند تأخر النتيجة.

ومنها كثرة الأخطاء في العمل المنجز.

ومنها جرّ  الفرد والمجتمع والأمة إلى أحوال ومواجهات نحن في غنى عنها تأتي على شأفتها.

إلى غير ذلك من الآثار السلبية السيئة الناجمة عن العجلة والاستعجال.

نسأل الله تعالى أن يعلمنا التأني والرفق، و أن يصرف عنا العجلة والاستعجال، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


1 روضة العقلاء و نزهة الفضلاء – للبستي (1/78).

2 (الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى)، لمؤلفه: سعيد بن علي القحطاني، (ج 1 / ص 77).

3 التؤدة: التأني.

4 رواه أبو داود (4810) وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: (3009).

5 فيض القدير شرح الجامع الصغير: للمناوي (3/365)