إياك ورقية الزنا

 

 

إياك ورقية الزنا

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ونسأله أن يرينا الحق حقا فنتبعه والباطل باطلا فنجتنبه، أما بعد:

فإن الله تعالى قد حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وحرم الدواعي إليها كلها، حتى لا يكون لذي شهوة حجة عند الله تعالى، وإن من دواعي الزنا والطرق الموصلة إليه الغناء الذي أصبح شائعاً في هذا الزمن حتى لا يخلو منه بيت أو سيارة أو وسيلة نقل أو محل إلا من هداه الله إلى الصواب فترك سبيل الشيطان واتبع رضا الرحمن.

وقد كان من المعلوم عند سلف الأمة قاطبة تحريم الزنا ولم يقل أحد بأنه حلال كما تجرأ على ذلك بعض المتأخرين الذين استهانوا بالأحكام الشرعية، وأولوا النصوص كما أولت بنو إسرائيل التوراة والإنجيل.

وقد سئل الإمام مالك رحمه الله شيخ المالكية وإمامهم وأحد عظماء الإسلام: عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال: “إنما يفعله عندنا الفساق”. وأما أبو حنيفة: فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب.1

قال يزيد بن الوليد: “يا بني أمية! إياكم والغناء؛ فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السّكْر، فإن كنتم لا بد فاعلين فجنّبوه النساء؛ فإن الغناء داعية الزنا”.2

قال ابن القيم: “ومن الأمر المعلوم عند القوم أن المرأة إذا استصعبت على الرجل اجتهد أن يُسمعها صوت الغناء، فحينئذٍ تعطي الليان”؛ وهذا لأن المرأة سريعة الانفعال للأصوات جداً، فإذا كان الصوت بالغناء صار انفعالها من وجهين:

من جهة الصوت، ومن جهة معناه؛ ولهذا قال النبي   لأنجشة حاديه: (ويحك يا أنجشة، رويدك سوقك بالقوارير)3يعني النساء.

فلعمر الله كم من حرة صارت بالغناء من البغايا!! وكم من حرّ أصبح به عبداً للصبيان أو الصبايا!! وكم من غيور تبدّل به اسماً قبيحاً بين البرايا، وكم من معافى تعرّض له فأمسى وقد حلّت به أنواع البلايا، وكم أهدى للمشغوف به من أشجان وأحزان فلم يجد بداً من قبول تلك الهدايا، وكم جرع من غصة وأزال من نعمة وجلب من نقمة وذلك منه من إحدى العطايا ! وكم خبأ لأهله من آلام منتظرة وغموم متوقعة وهموم مستقبلة:

فسل ذا خبرة ينبيك عنه لتعلم كم خبايا في الزوايا
وحاذر إن شغفت به سهاما مريشة بأهداب المنايا
إذا ما خالطت قلبا كئيبا تمزق بين أطباق الرزايا
ويصبح بعد أن قد كان حرا عفيف الفرج، عبداً للصباي4

أيها الناس: إن الغناء بالآلات المحرمة يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية الزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة،

وحسنه لها مكراً منه وغروراً، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه، فقبلت وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجوراً”.

“فيا سوأتا من أشباه الحمير والأنعام، ويا شماتة أعداء الإسلام بالدين، يزعمون أنهم خواص الإسلام قضوا حياتهم لذة وطربا واتخذوا دينهم لهوا ولعباً مزامير الشيطان أحب إليهم من استماع سور القرآن لو سمع أحدهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرك له ساكناً, ولا أزعج له قاطناً, ولا أثار فيه وجداً ولا قدح فيه من لواعج الشوق إلى النار زنداً,

حتى إذا تلي عليه قرآن الشيطان وولج مزموره سمعه، تفجرت ينابيع الوجد من قلبه على عينيه فجرت، وعلى أقدامه فرقصت، وعلى يديه فصفقت، وعلى سائر أعضائه فاهتزت وطربت، وعلى أنفاسه فتصاعدت وعلى زفراته فتزايدت وعلى نيران أشواقه فاشتعلت.

فيا أيها الفاتن المفتون: والبائع حظه من الله بنصيبه من الشيطان صفقة خاسر مغبون، هلا كانت هذه الأشجان عند سماع القرآن وهذه الأذواق والمواجيد عند قراءة القرآن المجيد، وهذه الأحوال السنيات عند تلاوة السور والآيات، ولكن كل امرئ يصبو إلى ما يناسبه ويميل إلى ما يشاكله”.5

جنبنا الله وإياكم موارد سخطه، وألزمنا اتباع منهجه، وجعلنا من أهل عزته، والحمد لله رب العالمين.


1 إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم: دار المعرفة – بيروت، ط2، 1395هـ – 1975م، (1/227).

2 المرجع السابق (1/246).

3 رواه البخاري (5797) ومسلم (2323).

4 إغاثة اللهفان لابن القيم (1/247).

5 إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: لابن القيم: دار المعرفة – بيروت ط1، 1395هـ – 1975م، (1/224).