مهم للعامة في الخلافات الفقهية

مهم للعامة في الخلافات الفقهية

الشيخ/ محمد صالح المنجد

الجمعة 11/8/1431هـ

عناصر الخطبة:

1.   كان الناس أمة واحدة فاختلفوا.

2.   متى يحدث الاختلاف السائغ بين أهل العلم.

3.   الموقف من الأقوال الضعيفة التي قال بها علماء.

4.   أقوال شاذة تمسك بها المنافقون.

5.   موقف المسلم من التشويش على الإسلام.

6.   أقوال باطلة قال بها الجاهلون.

7.   تتبع الرخص زندقة.

8.   الخلاف المعتبر والموقف منه.

9.   خشية الله واليوم الآخر.

 

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

كان الناس أمة واحدة فاختلفوا

فقد خلق الله – سبحانه وتعالى – هذه البشرية على التوحيد، وفطرها على الإيمان، وكان أولها آدم – عليه السلام -، وأولاده وذريته بقوا عشرة قرون على هذا التوحيد والإيمان، ولما صار الخلاف في البشر في مسألة التوحيد – حيث اختلفوا إلى فريقين: موحدين ومشركين – أرسل الله أول رسله إلى أهل الأرض وهو نوح – عليه السلام -، فالأصل فيهم الإيمان والتوحيد، قال ربنا – سبحانه وتعالى -: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ}(سورة البقرة:213).

وروى الطبري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: "كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، فصار الناس بعد ذلك على قسمين لا ثالث لهما: إما مؤمن سلك سبيل السلام، وهداه ربه إلى الصراط المستقيم، وشرح صدره له، كما قال الله: {فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(سورة البقرة:213)، والنوع الثاني: كافر ضل عن سواء السبيل، وضاق صدره عن الحق فلم ينشرح به، ولم يرفع بذلك رأساً، ومن هنا قال الله عن هذه القسمة الثنائية بين البشر: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(سورة التغابن:2)، وكان دين الإسلام العام – التوحيد – هو دين جميع الرسل، ودين الإسلام الخاص بهذه الشريعة الناسخة للشرائع التي قبلها هو دين محمد – صلى الله عليه وسلم – وهذا الإسلام لا يقبل الله غيره، قال الله: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(سورة آل عمران:85) إذن: الأصل أن البشرية أمةً واحدة فاختلفوا.

متى يحدث الاختلاف السائغ بين أهل العلم

في هذه الشريعة – دين الإسلام – كان الناس في بعثة محمد – صلى الله عليه وسلم – على الإسلام ممن اتبع هذا النبي الأمي – عليه الصلاة والسلام -، وزاد الدين وانتشر أهل الإسلام وهم على هذا الأصل وهذا التوحيد إلى أن حدثت فيهم البدع وصارت فيهم الفِرَق، وقام سوق الشرك مرة أخرى، وبقي الإسلام الذي جاء به محمد – صلى الله عليه وسلم – واضحاً في قلوب علماء الدين، ولم يوجد اختلاف بين علماء الإسلام في الأصول؛ فأركان الإيمان الستة، وأركان الإيمان الخمسة بالإجمال، ومسائل العقيدة لا اختلاف بين أهل العلم فيها، وأما الاختلاف في الفرعيات والجزئيات ومسائل الفقه فإن هنالك تبايناً في العقول والأذهان، فكما خلق الله البشر متفاوتين في الجمال ومختلفين في الألوان والطباع والأخلاق والأموال والأرزاق فكذلك يوجد فيهم تباين وتنوع في العقول والأفهام.

وقد حدثت أمثلة لهذا الاختلاف في الفهم بين الصحابة، فمثلاً: لما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يصلينَّ أحدكم العصر إلا في بني قريظة)) بعضهم فهِم أن الصلاة هناك مهما كان الأمر، فصلوها هناك بعد وقتها، وبعضهم فهم أن المراد التعجيل بحيث لا تؤخر الصلاة عن وقتها، فصلوا في الطريق لما أدركهم الوقت، فهذا الخلاف وقع نتيجة لخلافهم في فهم النص، هل المراد أن الصلاة لا تكون إلا هناك؟ أم المراد التعجيل؟

ولذلك لا يوجد اختلاف بين الصحابة في المسائل التي وجد فيها نص صحيح صريح لا معارض له من القرآن أو السنة، فمتى يحدث الخلاف إذن؟

يحدث الخلاف إذا اطلع بعضهم على النص، ولم يطلع عليه البعض الآخر، فيفتي من لم يطلع على نص بالمنع مثلاً على الأصل وهو الإباحة، ولذلك وجد الخلاف بين سلف الأمة في المسائل التي ليس فيها نص صريح؛ أما النص الصريح القاطع لا يمكن أن يحدث خلاف فيه؛ لأن أولئك القوم يطيعون الله ورسوله، والذي لا يتبع النص الصريح القاطع عاصٍ، ويمكن أن يختلفوا في صحة حديث مثلاً، أو أن يثبت الحديث عندهم لكن يختلفوا في فهمه، أو أن يوجد أكثر من نص فيأخذ بعضهم بهذا وبعضهم بهذا، ويحاول فريق ثالث الجمع بين النصوص.

والمثال على الخلاف مع وجود النص أن حديث: ((من مس ذكره فليتوضأ)) يأخذ به بعض أهل العلم فيقول: إذا مسست ذكرك بباطنه أو بظاهره، بشهوة أو بدون شهوة ينتقض الوضوء، وعليك أن تعيده، لكن يأتي بعضهم إلى نص آخر وهو أن النبي – عليه الصلاة والسلام – سأله رجل عن مسِّ الذكر، هل ينقض الطهارة والوضوء؟ فقال – عليه الصلاة والسلام -: ((إنما هو بضعة منك)) يعني كأنك لمست يدك أو رجلك، فهذا الفريق يقول بعدم انتقاض الطهارة بمس الذكر إلا إذا خرج منه شيء كمنّي أو مذي، ويذهب فريق ثالث إلى الجمع بين النصين، فيقول: إن حديث: ((إنما هو بضعة منك)) معناه إذا مسسته بغير شهوة، فهكذا يمس الإنسان يده أو رجله لكن إذا مسسته بشهوة فنطبق عليه الحديث الآخر ((من مس ذكره فليتوضأ)) وربما يذهب فريق رابع إلى النسخ فيقول: هذا ناسخ لذاك، فيأخذ بالناسخ.

فمتى يحدث الاختلاف إذن؟ يحدث الاختلاف بين الفقهاء إذا لم يوجد نص صريح قاطع، أو يوجد نصٌّ مختلف في صحته، وذلك أنه توجد نصوص في إخراج زكاة الحلي مثلاً تفيد أن ذلك واجب، فيأخذ بها بعض العلماء فيفتي بها، ويرى آخرون أن هذا النص ضعيف فلا يأخذون به، ويقولون: إن المستعملات لا زكاة فيها، والحلي مستعمل فلا زكاة فيه، ولم يثبت النص في ذلك.

ويحدث الاختلاف أيضاً عندما توجد نصوص ظاهرها التعارض، وإن كانت في الحقيقة لا تعارض بينها؛ لأن المصدر واحد وهو الله – عز وجل – ولا يمكن أن ينزل من عند الله شرع متعارض، لكن في ظاهر الأمر يوجد فيه تعارض، لذلك فإن بعض العلماء يتوصلون إلى جمع بين النصوص التي ظاهرها التعارض، ويقولون بتفصيلٍ ما، وبعضهم يقول بهذا الدليل لظنه أنه ناسخ أو أقوى، وبعضهم يأخذ بالآخر، وهكذا إذاً يكون سبب الخلاف الفقهي في الجزئيات والفرعيات، وأما في الأصول والقطعيات فلا يوجد خلاف في الأمة ولله الحمد.

لكن هذه المسائل التي وجد فيها حديث ضعيف أو لم يبلغ عالماً ما النص فيها، فاجتهد وقال بخلاف النص فهذا معذور، وكذلك الذي أخذ بالمنسوخ ولم يكن يدري أنه منسوخ مثلاً، وكذلك الأمر لمن فهم نصاً على غير وجهه، فعلى سبيل المثال: كان أحد العلماء في أول أمره قد أطلع على حديث قرأه هكذا: "نهى عن الحَلْق يوم الجمعة" فكان لا يحلق شعره يوم الجمعة لا الرأس ولا العانة ولا يزيل الإبط حتى علم أن هذا الحديث ضبْطُه "نهى عن الحِلَق يوم الجمعة" وأن الناس يبكرون إلى المسجد فيملؤون الصف الأول فالأول، وأنه لا يُتحلق قبل صلاة الجمعة لعدم قطع الصفوف وانه ينبغي الاستعداد لصلاة الجمعة وخطبتيها فليس هذا أوان حلق علم في ذلك الوقت فاكتشف ورجع إلى الصواب، لذلك فإن العالم لا يجوز له أن يتكلم في الأحكام إلا إذا بلغ رتبة معينة وعنده آلات للفهم من اللغة العربية والأصول سواء كانت أصول التفسير أصول الحديث أصول الفقه ونحو ذلك

الموقف من الأقوال الضعيفة التي قال بها علماء

ما هو الموقف من الأقوال الضعيفة أو الشاذة التي تأتي عن بعض أهل العلم نتيجة لبعض الأسباب المتقدمة؟

الجواب: أن يُطرح القول ولا يُطرح العالم، وهذه أمثلة على ذلك:

قال بعض العلماء باستحباب مسح العنق في الوضوء، وهذا لم يثبت مرفوعاً عن النبي – عليه الصلاة والسلام -، فهذا قول ضعيف.

قال بعضهم بعدم وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة بإطلاق لا للسرية ولا الجهرية ولا الإمام ولا المأموم، وأن القراءة مستحبة، وهذا قول لا يصح؛ لأن النصوص جاءت مؤكدة بالقراءة، ثم اختلفوا على من تجب، لكن القول بأنها لا تجب أصلاً، هذا قول واهٍ.

كذلك القول بعدم استحباب صيام ست أيام من شوال ظن بعضهم الحديث ضعيفاً فقال: إن هذه ليست بسنة.

ومن ذلك القول بجواز نكاح التحليل، يعني أن الزوج إذا طلق زوجته ثلاثاً فيجوز لآخر أن يتزوجها بنية أن يحللها للأول وأن مجرد العقد من الثاني والطلاق بعده كافٍ في إباحتها للأول، فهذا خفي عليه حديث: ((لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)) ونحو ذلك من النصوص كحديث: ((لعن الله المحلل والمحلل له)) ووصفه بالتيس المستعار.. إلى آخره، فالقول بجواز نكاح التحليل قول باطل.

ومن الأمثلة أيضاً القول بجواز تخليل الخمر، وهذا معناه أنه يباح لنا أن نشتري خمراً ونتخذها في بيوتنا لنحولها إلى خل، والصحيح أن هذا لا يجوز، ومعلوم أن شراء الخمر واتخاذ الخمر وإبقاء الخمر حرام حتى لو لم تكن للشرب، ومن ذلك القول بأن الحامل لا تعتد بوضع الحمل، فهذا غير صحيح أيضاً؛ لأن النص واضح في هذا.

وكذلك القول بكراهة رفع اليدين عند الركوع والرفع منه في الصلاة – مع أن هذه سنة ثابتة – فهذا أيضاً قول مطَّرح.

إن هذه الأقوال الضعيفة الواهية قد يكون لبعض من قالها عذر، فإذا كان عالماً نسقط قوله ولا نسقط العالم، ولا يجوز أن يؤخذ بهذا القول.

وهناك أقوال شاذة هي أسوأ من التي سبقت، وهي عبارة عن زلات واضحة كإباحة النبيذ، وإباحة تصوير التماثيل حتى ذوات الأرواح، وإباحة الموسيقى والمعازف، القول بجواز الربا مع الكفار، القول بأن الصائم يجوز له أكل البرد إذا نزل برد وهو في رمضان، وكذلك القول بأن السعي بين الصفا والمروة ذاهباً وعائداً شوط – يعني أربعة عشر شوطاً – وكذلك القول بإباحة لحوم الحمر الأهلية، وأن الحمار الأهلي لحمه حلال.

ومن ذلك القول بأن الغسل لا يجب في الجماع إلا إذا أنزل، فلو مسّ الختانُ الختان ولو أولج لا يجب الغسل إلا إذا أنزل، وهذا لا شك أنه قول شاذ؛ لأن صح في الحديث: ((إذا مس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل)) يعني أنزل أو لم ينزل.

ومن الأقوال الشاذة أيضاً القول بجواز التأمين بجميع صوره، وهذه من المسائل المعاصرة، ولا شك أن هذا قول شاذ؛ لأن بعض صور التأمين على الأقل ميسر وهو حرام.

إذن: هذه أقوال شاذة ويمكن أن تأتي في الترتيب أسوأ من التي قبلها من جهة أنَّ المخالف فيها لا يكاد يوجد له عذر، وكلما ارتفعت منزلة العالم في العلم قلّت الأقوال الضعيفة التي يقول بها فضلاً عن الشاذة، فإذا كان راسخاً في العلم لم تكد تجد له قولاً شاذاً، لكن لما كان العالم بشراً يخطئ ويصيب فوجود الأقوال الضعيفة عند عالم ما أمر متوقع، وبحسب قلة العلم وقلة الفهم وقلة الاطلاع تكون كثرة الأقوال الضعيفة أو الشاذة عند الشخص، وقد يعود ذلك – أحياناً – إلى شذوذٍ في فكره هو، أو إلى خطأ منهجي لديه كبعض الظاهرية الذين تبلغ ظاهريتهم مبلغاً قد يضحك في بعض المسائل كالقول بأن ضرب الوالدين لم يرد فيه النص وإنما الذي ورد فيه النهي قول "أفٍّ" ولولا أدلة أخرى لقلنا بجوازه!

فهذه ظاهرية شنيعة؛ لأنه إذا نهى عن "أُف" وهي كلمة فمن باب أولى ضرب الكف، وهل يمكن أن ينهى عن أف ويبيح ضرب الكف؟ وعلى أية كل حال فإن سبب شذوذ البعض شذوذ في عقله أو منهجه وضعف علمه، وهذه واضحة.

أقوال شاذة تمسك بها المنافقون

هنالك سبب آخر للشذوذ في هذا الزمن الذي نعيش فيه، وهو النفاق وحركة المنافقين، وجهود العلمانيين المؤيدين من أعداء الله الغربيين من اليهود والنصارى الذين عندهم خِطط – بلا ريب ولا شك – للتهويش على الأمة، وتشويش أمور الدين عند العامة، وجعل الناس يقولون: كل شيء فيه خلاف، ما عدنا ندري ما هو الصواب، ماذا نفعل؟ احترنا، ضعنا، ونحو ذلك.

لا شك أن هذه نتيجة لمؤامرة يعمد أعداء الإسلام فيها إلى استكتاب ناس ليسوا من أهل العلم ليقولوا أقوالاً شاذة، ثم تروج الأقوال الشاذة في وسائل الإعلام، ويقيض لها من المنافقين من أصحاب المقالات والأقلام، أو المقابلات والبرامج والأفلام من ينشر هذه الفتاوى الشاذة، ويستميلون بعض المتخرجين من تخصصات شرعية ليدبِّجوا لهم بعض الأشياء المناصرة للقول الشاذ من أدلة منسوخة يدعم بها ذلك القول الشاذ، أو أدلة ضعيفة لم تثبت يدعم بها القول الشاذ، أو أدلة ليس هذا موضعها أصلاً بل هي في مجال آخر ليدعموا بها القول الشاذ، وهكذا يلبس على الناس في دينهم.

فيجب أن لا ننسى أن من أسباب ظهور الأقوال الشاذة خروج ناس ليسوا من أهل العلم أصلاً، أو عندهم مسحة من العلم ويستكتبون ويستقطبون من المنافقين لأجل بلبلة دين الناس؛ لأن المهم في النهاية عند أعدائنا هو تشويش الإسلام، والتهويش على الإسلام وعلى أهل الإسلام، وإحداث خلخلة وبلبلة عند الناس للتشكيك في الدين.

موقف المسلم من التشويش على الإسلام

قد يكون الشخص ليس من أهل العلم أصلاً وإنما هو من الشعراء مثلاً أو يكون قارئاً للقرآن وصوته جميل به أو يكون من القُصَّاص، وربما يعمل في شيء من البرامج الدعوية أو الفكرية ثم يُصدَّر على أنه عالم فيقول القول الشاذ ثم ينفخ فيه المنافقون فإذا ردّ أهل العلم على هذا الشاذ، قالوا: أين احترام العلماء؟ ولماذا تقصرون القول على رأي واحد؟ وأين حرية النقاش الفقهي؟

ونحن نقول: إذا كان المخالف ليس عالماً أصلاً وإنما هو جاهل أو عنده مسحة من العلم لكن ليس عنده رسوخ أبداً، فمتى ثنى الركب عند العلماء؟ وكم سنة قضاها يتعلم فيها؟ وما هي الكتب التي قرأها والمتون التي يحفظها؟ وما هو الفهم والعمق الذي عنده؟

الناس يغترون بالفضائيات، وبالبهرجة الإعلامية، وبالنفخ في الأشخاص بالتصدير والتلميع، لكن يوجد في العامة أذكياء أيضاً وأناس عندهم دقة وفهم ويدركون أبعاد المؤامرة من أساسها، فهؤلاء على خير عظيم، وبطبيعة الحال هم ناجون من المؤامرة؛ لأنهم يدركون أبعادها الأصلية، لكن من الناحية المنهجية ما هو الواجب في الموقف من الخلاف بين أهل العلم أنفسهم وليس بين أهل الجهل وبين أهل العلم؟

الموقف الشرعي هو أن القول إذا كان ضعيفاً أو شاذاً فإنه يسقط ويحفظ للعالم مكانته، ويقال: هو مأجور – إن شاء الله – أجر بخلاف من أصابه، فإنه مأجور عند الله بأجرين أجر الإصابة وأجر الاجتهاد، فالأول له أجر الاجتهاد فقط وليس له أجر الإصابة؛ لأنه لم يصب.

قال الحافظ الذهبي – رحمه الله -: ثم إن الكبير من أئمة أهل العلم إذا كثر صوابه وعُلِم تحريه للحق، وعُرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زلَلُـه ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، ولا نقتدي به في خطئه.

وفي تبرير وتعليل لماذا يوجد عند بعض العلماء أقوال ضعيفة قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد له من عذر في تركه، إما أن لا يكون الحديث قد بلغه، أو أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده، أو أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده – يعني عند تحرير المسألة والكلام فيها غاب عنه – فإذاً هذا بالنسبة للموقف من الأقوال الشاذة أو الضعيفة.

أقوال باطلة قال بها الجاهلون

أما بالنسبة للأقوال الباطلة أو التي يقول بها أناس ليسوا من أهل العلم أصلاً كما في زمننا هذا فإنه يطرح القول والقائل؛ لأن القائل جاهل، مغرض، عابث، معتدٍ على الشرع، متطاول، تسنَّم شيئاً ليس من شأنه، وهو معتدٍ على رب العالمين في التحليل والتحريم، فهو شخص يخبط خبط عشواء أو متآمر على الإسلام ومساهم في المؤامرة في بلبلة الناس وتشكيكهم في دينهم.

وقد يكون عند هذا القائل أو ذاك شهادة شرعية مزورة أو غير مزورة، أو هناك من قام بكتابة بحث الماجستير له وباعه إياه، أو أي سبب من الأسباب الكثيرة التي قد تبرز بعض الناس وهم أصلاً جهلة أو متآمرون على الإسلام منحرفون، وقد يكون عندهم شيء من الشذوذ الفكري أصلاً في عقولهم ونفوسهم، أو أصحاب هوى، أو قال ما قال طمعاً، أو خوفاً، أو رهبة أو أنه يريد أن يحصل مغنماً من مغانم الدنيا، أو أن يرضي شخصاً من الأشخاص أو نحو ذلك من الأسباب المسقطة للعدالة.

من هذه الأقوال الشاذة التي تنشر أنه لا يصح الطلاق إلا إذا حضره شاهدان، وبناء على ذلك كل الأزواج الذين طلقوا زوجاتهم داخل البيوت لم يقع طلاقهم! فهذا قول شاذ وسخيف.

ومن ذلك القول بمنح المرأة حق الطلاق هذا قول شاذ وسخيف، فإن الله جعل الطلاق بيد الرجل، ومن ذلك القول بتحريم تعدد الزوجات إلا في حالات الضرورة القصوى كمرض الزوجة الأولى أو عقمها، وهذا قول شاذ وسخيف؛ لأنه يصادم القرآن، فالله تعالى قال: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ}(سورة النساء:3).

ومن ذلك أيضاً القول بأن الربا المحرم ما كان أضعافاً مضاعفة أما إذا كان خمسة في المائة وستة في المائة فلا بأس، هذا مصادم لنص القرآن أعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}(سورة البقرة:278-279).

كذلك القول بجواز تولي المرأة الولايات العامة، كالوزارة والقضاء، ونحو ذلك، فهذا قول مصادم للنص النبوي ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)).

ومن ذلك القول بأن المرأة إذا أسلمت وهي متزوجة من كافر يجوز أن تبقى تحت الكافر وفي عصمته، وهذا مصادم لقوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}(سورة الممتحنة:10) وللنصوص النبوية الواردة في هذا، ولا يمكن أن تجعل المرأة المسلمة تحت سلطان رجل كافر.

ومن الأقوال الشاذة الساقطة مع قائليها أيضاً القول بجواز أن تمثل المرأة تمثيلاً دينياً أو تنشد إنشاداً دينياً أمام الرجال، فهذا سبب للفتنة، ولا يمكن أن تنشد إلا إذا خضعت بالقول، إذ كيف ستنشد بصوت أجش؟ وهذا مصادم لقوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ}(سورة الأحزاب:32) وكذلك ستمثل بكشف شيء من بدنها وليكن الوجه على الأقل فيراه الناس؛ لأنه لا يمكن أن يغض البصر لينظر إلى التمثيلية، ومعلوم ما سينتج عن ذلك من المفاسد.

القول بأنه يجوز للمرأة أن تتيمم بدلاً من الوضوء إذا كان الوضوء يخرب المكياج، فهذا قول شاذ سخيف أيضاً.

كذلك القول بعدم تحريم الخمر؛ لأن الله قال: {فَاجْتَنِبُوهُ}(سورة المائدة:90) ولم يقل: حرام، والحق أن معنى اجتنبوه هو أن تكونوا في جانب والخمر في جانب، لكن لما كان لا يفهم العربية أو لا يريد أن يفهم العربية قال ما قال، وإلا فقد جاء النص أيضاً بتحريمهما في الآية نفسها؛ وذلك أن الله تعالى عطفها على الأوثان والأصنام وعلى الميسر، وذكر أن الشيطان يريد أن يوقع بها العداوة والبغضاء، والشيطان لا يستعمل شيئاً في إيقاع العداوة والبغضاء فيبيحه رب العالمين، ثم إن النبي – عليه الصلاة والسلام – لعن في الخمر من لعن، وهذه قضية معروفة ومعلومة من الدين بالضرورة.

 ومن الأقوال الشاذة السخيفة القول بجواز إقامة صلاة الجمعة يوم الأحد في بلاد الغرب للمبتعثين، وهذا قول سخيف؛ لأن اسمها صلاة الجمعة من باب إضافة العبادة إلى يومها ووقتها.

ومن ذلك القول بجواز الاختلاط مطلقاً، ومعلوم ما في هذا القول من المفاسد، ثم إن الأدلة الشرعية في كل مفسدة من المفاسد متوفرة والحمد لله.

كذلك القول بإلغاء حد الرجم وأنه وحشية لا يناسب القرن الحادي والعشرين! وكذا القول بأن تقبيل الجنسين لبعضهما تنفيس وأنه مما تدعو إليه الحاجة في هذا الزمن، وهو في الحقيقة لا يزيد الأمر إلا سوءاً.

ومن ذلك القول بأن المرأة إذا قالت لرجل: وهبتك نفسي، فقال: قبلت، أو زوجتك نفسي فقال: رضيت، فإن هذا عقد شرعي، والصواب أن هذا زناً واضح.

ومن الأقوال السخيفة الشاذة القول بجواز أن تؤم المرأة الرجال، وتخطب بهم الجمعة، وقد فعلوا ذلك في هذا الزمن، مع أنه لم تجرؤ امرأة على مر التاريخ الإسلامي أن تخطب جمعة بمسلمين، لكن في هذا الزمن وقع هذا الأمر، فسبحان الله العظيم.

كذلك القول بأنه يجوز التضحية بالدجاج بدل من الخراف أو بهيمة الأنعام إذا ارتفعت أسعار اللحوم الأخرى والذبائح، وكذلك القول بإباحة الغناء والمعازف بكل آلة وبكل صوت مطلقاً أيضاً، إلى غير ذلك من الأقوال الغريبة المستنكرة السخيفة، فهذه تسقط هي وقائلها؛ لأنه لا يمكن أن يقول بها أحد من أهل العلم المعتبرين أبداً.

إذاً هناك فرق بين القول الضعيف إذا قاله عالم وله سبب كعدم وصول الحديث إليه، أو عدم ثبوت الحديث عنده، أو لم يبلغه نسخ الحكم ونحو ذلك، وبين القول الساقط الباطل الذي يقوله جاهل أو مستأجر أو شاذ في عقله ونفسه وفكره، فلا بد من التفريق بين الأمرين، وهذه مسألة في غاية الأهمية.

قال زياد بن حدير: قال لي عمر: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قلت: لا، قال: يهدمه زلة عالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين.

فزلة العالم والموقف منها عرفناها، وجدال المنافق بالكتاب هذا هو عملهم في إشاعة الأقوال الباطلة في الزمن المتأخر.

تتبع الرخص زندقة

من المناهج المنحرفة جمع الرخص، ولذلك قال الإمام أحمد: لو أن رجلاً عمل بقول – يعني بقول بعض أهل الكوفة في النبيذ – وبعض أهل المدينة في السماع، وبعض أهل مكة في المتعة، كان فاسقاً؛ لأن من أباح هذا حرم ذاك، ومن أباح هذا لم يبح ذاك، فيأتي هذا ويجمع كل الإباحات من كل المذاهب فيخرج بمذهب جديد بهذه الطريقة؛ فهذا تلفيق في غاية السوء يدل على زندقة من فعله، ولذلك قال إسماعيل بن إسحاق القاضي: دخلت على الخليفة المعتضد فدفع إليّ كتاباً، فنظرت فيه فإذا هو قد جمع الرخص من زلل العلماء وما احتج به كل منهم، فقلت له: يا أمير المؤمنين، مصنف هذا الكتاب زنديق، فقال: لماذا؟ ألم تصح هذه الأقوال عن قائليها؟ قلت: على ما رويت ولكن من أباح النبيذ لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء، وما من عالم إلا له زلة ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد بإحراق الكتاب.

الخلاف المعتبر والموقف منه

هناك خلاف سائغ معتبر، ومسائل هذا الخلاف هي التي نسميها بالمسائل الاجتهادية، وهذا الخلاف المعتبر له أمثلة من ذلك: سجود التلاوة، هل يتشرط له الوضوء أم لا؟ والمضمضة والاستنشاق واجبان أم مستحبان في الوضوء؟ والتيمم هل هو ضربتان أو ضربة واحدة للوجه والكفين؟ وكذلك الحائض هل تقرأ القرآن أم لا؟ سجود السهو في الصلاة محله قبل السلام أم بعده؟ وما هو أفضل النسك الإفراد أم التمتع أم القران؟ ومتى يدفع من مزدلفة بعد نصف الليل أو بعد ثلثي الليل، أو بعد الفجر؟ وما حكم زكاة الدين؟ وهل يقع طلاق السكران؟ كذلك إذا نسي أن يسمي الله على الذبيحة هل يأكل منها أم لا؟

هذه أمثلة على خلافات قوية باعتبار أن كلاً من القولين له أدلة ونظر، فهذه الأقوال لا تسقط ولا يسقط قائلوها، بل تبقى الأقوال ويبقى السعي لمعرفة الراجح، والمصيب فيها له أجران والمخطئ له أجر، والحق فيها واحد عند رب العالمين في هذه المسائل وغيرها من الأمور الاجتهادية، والموقف منها أن للعالم النظر والترجيح، وللعامي السؤال والتقليد، ولا تسقط الأقوال ولا يسقط قائلوها.

هذا – أيها الإخوة – باختصار بيان موقفنا من الخلافات التي تنشر في مسائل الحلال والحرام؟ وبهذا البيان يتضح لك يا عبد الله حقائق كثيرة وأمور متعددة ويزول لبس كثير – إن شاء الله -.

نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً، إنه هو السميع العليم.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا هو، وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، سبحانه وتعالى، أكبّره ولا أشرك به أحداً، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، الرحمة المهداة، والبشير والنذير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته وخلفائه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين:

عباد الله:

خشية الله واليوم الآخر

نذكر أنفسنا دائماً بيوم الدين، وخشية اليوم الآخر، وما فيه من أمور؛ فهي التي تضبط سلوك المسلم في هذه المسائل الخلافية وفي غيرها، وتمنعه من الأخذ بالهوى، ومن جمع الرخص، ومن استفتاء المتساهلين، ومن التلاعب بالدين، أو القول بأن فلاناً أفتى بذلك وأن الإثم عليه، وأنا مقلد له، وكيف يجوز لك أن تتبعه؛ وهو ليس من أهل العلم، وأنت تعلم أن قوله شاذ، أو ضعيف، أو مرجوح، ونحو ذلك.

إن خشية الله – عز وجل-، وخشية اليوم الآخر؛ تدفع الإنسان المسلم إذا أراد أن يسأل عن قضية أن يجتهد ويتحرى في السؤال عن العالم الذي يفتيه، ولو كان طباً في البدن لسأل الاستشاري، وليس المتخصص فقط، أو سأل المتخصص وليس الطبيب العام.

إن هذه الحياة ستنقضي بصفوها وكدرها، وحلوها ومرها، فإذا انقضى أجَلُ العالم، وقبض الله العباد، أمر السماء أن تمطر مطراً ينبت الناس من قبورهم، فينفخ في الصور نفخة البعث، ويقوم الناس لرب العالمين، فيقول الكافر: {يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}(سورة يــس:52) والمؤمن يحمد الله الذي أحياه بعدما أماته وإليه النشور، فيساقون إلى المحشر حفاة عراة غرلاً بهماً مع كل نفس سائق يسوقها، وشهيد يشهد عليها، وهم بين مسرور ومثبور، وضاحك وباك كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ* ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ}(سورة عبس:38-41) حتى إذا تكاملت عدتهم وصاروا جميعاً على وجه الأرض تشققت السماء، وانتثرت الكواكب، ونزلت ملائكة السماء فأحاطت بهم، وهكذا من كل سماء ينزل أهلها، فيطوقون أهل المحشر بسبعة أطواق، فيكون التحدي: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}(سورة الرحمن:33) ونصب الميزان، وأحضر الديوان، واستدعي بالشهود، وشهدت يومئذ الأيدي والألسن، والأرجل والجلود، وتطايرت الصحف، واجتمعت الخصوم، وتعلق كل غريم بغريمه، وكل مظلوم بظالمه، ولاح الحوض وأكوابه عن كثب، وكثر العطاش، وقل الوارد، ونصب الجسر للعبور على جهنم، وقسمت الأنوار قبله، والنار يحطم بعضها بعضاً تحته، والمتساقطون أضعافَ أضعاف الناجين، وتميز المجرمون يومئذ من المؤمنين، وفي ذلك الموقف ينزل الله للفصل بين العباد، فتنخلع القلوب من نزول الرب – سبحانه وتعالى- كما قال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ}(سورة البقرة:210) وقال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ}(سورة الأنعام:158) وقال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ* وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}(سورة الزمر:68-69) وقال تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا* وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا* وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}(سورة الفجر:21-23).

يومئذ يغضب الرب غضباً ((لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله))[متفق عليه]، وفي الطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود – رضي الله عنه – رفعه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم-: ((يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياماً أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء قال: وينزل الله – عز و جل – في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي، ثم ينادي منادٍ: أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً أن يولي كل ناس أنكم ما كانوا يتولون ويعبدون في الدين، أليس ذلك عدلاً من ربكم ؟ قالوا : بلى قال : فلينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون في الدنيا)) فهذا يوم يقال فيه: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}(سورة غافر:16).

قال عليه الصلاة والسلام: ((ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له ألم أؤتك مالاً؟ فليقولن: بلى، ثم ليقولن: ألم أرسل إليك رسولاً؟ فليقولن: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار، فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة))[متفق عليه].

اللهم نجنا من عذاب السعير، وآتنا صحائفنا بأيماننا يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا أجمعين، وتب علينا يا تواب يا حكيم يا رحيم، اللهم آمنا في قبورنا، واجعلنا من الآمنين يوم العرض عليك، وأحسن وقوفنا بين يديك، وأخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، اللهم آتنا سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، يا رب العالمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.