بادر الفرصة

بادر الفرصة

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

يعيش المسلم في هذه الحياة بنعمة الله، فيمتِّعه بسمعه وبصره وكل قواه، وهو مع هذه النعم يستطيع أن يقدم بسببها ما لا يقدمه بغيرها، وكم من الناس قد فقد شيئاً من القوى – نسأل الله العافية -؛ فحُرِمَ بسبب ذلك الكثير من الطاعات والقربات، وحُرِمَ العديد من العبادات والأفعال النافعات.

وهاهو النبي – صلى الله عليه وسلم – يبين لأمته أنه من الضرورة بمكان استغلال الفرص، والمبادرة إلى الخير قبل فوات الأوان فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لرجل وهو يعظه: ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك))1 يقول المناوي – رحمه الله تعالى -: "(اغتنم خمساً قبل خمس) أي: افعل خمسة أشياءٍ قبل حصول خمسة أشياء، (حياتك قبل موتك) يعني: اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك؛ فإن من مات انقطع عمله، وفاته أمله، وحق ندمه، وتوالى همه، فاقترض منك لك، (وصحتك قبل سقمك) أي: اغتنم العمل حال الصحة؛ فقد يمنع مانعٌ كمرض فتقدم المعاد بغير زاد، (وفراغك قبل شغلك) أي: اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة – التي أول منازلها القبر -، فاغتنم فرصة الإمكان؛ لعلك تسلم من العذاب والهوان، (وشبابك قبل هرمك) أي: اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك، فتندم على ما فرطت في جنب الله، (وغناك قبل فقرك) أي: اغتنم التصدق بفضول مالك قبل عروض جائحةٍ تفقرك، فتصير فقيراًٍ في الدنيا والآخرة، فهذه الخمسة لا يُعرف قدرها إلا بعد زوالها"2.

أنت اليوم صحيح معافى فمتى تقوم إلى الصلاة؟ أنت اليوم غني قادر فمتى تنفق في سبيل الله؟ ألا تعلم أن من شب على شيء شاب عليه؟ فعلى ماذا عودت شبابك؟ وعلى ماذا عودت نفسك؟ أعلى فعل الطاعات والإكثار من الحسنات؟ أم عودتها على التقصير في الخير، والتهاون في أمر الله – عز وجل -؟

لا بد أن نعلم أن النعمة لا تدوم لصاحبها إلا أن يشاء الله – تعالى -؛ فإن لم تبادر الآن وأنت صاحب إمكانيات وطاقات فمتى؟

بادر الفرصة واحذر فـوتها                   فبلوغ العز في نيل الفرص

واغتنم عمرك إبان الصبــا                 فهو إن زاد مع العمر نقص

وابتدر مسعاك واعلم أن من                  بادر الصيد مع الفجر نقص

إن أعمال البر والخير تأتي عليها ظروف تسلبها استقرارها، وتمنعها هدوءها وسكينتها، فتأتي الفتن لتشغل قلب المسلم عن ربه والتقرب إليه، فكان لابد من المبادرة بالقربات قبل الانشغال عنها بغيرها، بل نحن كل يوم نواجه فتناً جديدة، ونحتاج إلى رصيد كافٍ من الحسنات، ما يحفظنا من الضياع في هذه الملمات فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((بادروا بالأعمال؛ فتناً كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا))3 يقول الإمام السيوطي – رحمه الله تعالى -: "(بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم) معناه: الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها، والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر"4.

وتأتي للإنسان فرص في هذه الحياة لا بد أن يستغلها، ويحرص على ألا تضيع منه، فمن ذلك ما يجعل الله من مواسم للطاعة؛ كشهر رمضان وما فيه من الإكراميات والهبات من رب الأرض والسماوات، وعشر ذي الحجة وغيرها من مواسم الطاعات، ومع هذا الفضائل العظيمة فقد ترى الغافل عن استغلالها، والمفرط فيها، والمسرف على نفسه، فلا بد من محاسبة النفس، ودفعها إلى ما ينفعها في دينها وآخرتها.

اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم امنن علينا بالقرب منك، وحرمنا أجسادنا على النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


1 مستدرك الحاكم (7846)، وقال الألباني: صحيح، انظر صحيح الترغيب والترهيب (3/168).

2 فيض القدير (2/16).

3 مسلم برقم (118).

4 شرح السيوطي على مسلم (1/134).