فرصتك أيها المؤذن

فرصتك أيها المؤذن

 

الحمد لله الذي أعلمنا بفضائله، وأنعم علينا بفواضله، وهدانا إلى سبيله ودينه، وصلى الله وسلم على خاتم رسله وآخر أنبيائه، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ما ذكره الذاكرون وغفل عنه الغافلون، أما بعد:

أيها المؤذن الحبيب: يذكر عن بعض أهل العلم هذه المقولة الرائعة: إذا أردتَ أن ترى قدرك عند ربك تعالى فانظر في هذه الدنيا ما هو العمل الذي سخره الله لك.

فأنت أيها المؤذن الحبيب، قد اختار الله تعالى لك هذا العمل العظيم، واختارك لهذا المنصب العظيم، الذي تمناه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه – وهو الخليفة آنذاك- تصور أخي المؤذن: خليفة كبير تحت مملكته كل دول الإسلام، ويتمنى مع ذلك أن لو كان مؤذناً، إن هذا ليدل دلالة بينة على قدر المؤذن الرفيع، ومنزلته العالية، كيف لا وقد ميزهم الله تعالى يوم القيامة بميزة جليلة، ذكرها لنا النبي الكريم عليه صلوات وسلام رب العالمين فقال: ((المؤذنون أطول أعناقاً يوم القيامة))1.

بل لقد دعا لهم عليه الصلاة والسلام، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين))2.

لهذا رجح كثير من العلماء أن الأذان في الأجر أعظم من الإمامة؛ لورود الأدلة الخاصة في الثناء على المؤذنين والرفع من قدرهم.

فيا أيها المؤذن العزيز: احمد الله على هذه النعمة التي حباك بها، وإياك والتخلي أو التكاسل عنها، وداوم على شكره تعالى عليها، وأن يجعل عملك هذا خالصاً لوجهه الكريم.

ثم اعلم أيها المؤذن الحبيب أنه بما أنك في هذا المنصب العظيم فلا بد أن تحافظ عليه، بعمارة وقتك بذكر الله تعالى، بكثرة الصلاة والتعبد وقراءة القرآن.

أيها المؤذن الحبيب: إنها فرصة عظيمة أن يكون معك مفاتيح مسجدك، فلا مانع من أن تزور في بعض الليالي مسجدك؛ لتحيِيَه ببعض الركعات في جوف الليل.

قد يشغلك عن الصلاة في البيت أحياناً بعض الشواغل، إذا كان رجلا غيرك فماذا يصنع، غير أن يصبر على ذلك إلى الصباح، لكن أنت ما عليك إلا أن تحمل مفتاحك وتنطلق إلى بيت ربك؛ تتعبد فيه، وتخلو بربك، في صلاة متأنية حسنة، وقراءة في تدبر وتفكر، ودعاء في تضرع ورجاء وذل وإلحاح…

فاغتنم الفرصة أيها المؤذن، واعلم أنك في نعمة لا يقدر قدرها إلا الواحد الأحد سبحانه وتعالى.

والحمد لله رب العالمين   


1 رواه مسلم برقم(580).

2 رواه أبو داود برقم (434) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (517).