إذا جاء الشر من الأقارب

 

 

إذا جاء الشر من الأقارب

الشيخ محمد صالح المنجد

 

عناصر الخطبة:

1. مكانة الأرحام والأقارب في الدين.

2. الفساد بين الأقارب أساسه ومدى خطورته على بعضهم.

3. المخالطة بين الأقارب دون قيد فساد عريض.

4. نظرة في بعض القضايا الأخلاقية المتفشية.

5. تبني الحسم والمصارحة مع القريب السيئ مع مراعاة المودة.

6. البناء الإيماني والتربوي للأسر مهم لتفادي شر كل ذي شر.

7. أثر الوعظ والبعد عن الاختلاط في التخلص من شر الأقارب.

8. دور التقنية في فساد الواقع وواجب المسلم حيال واقعه.

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

مكانة الأرحام والأقارب في الدين

عباد الله!

لقد فرض الله علينا عباداتٍ كثيرة، وأمرنا بأوامر وأوجب علينا واجبات، فمنها ما يتعلق بالعلاقة بيننا وبينه -عزَّ وجلَّ-، ومنها ما يتعلق بالعلاقة بيننا وبين باقي المخلوقين، وعلى رأس هؤلاء المخلوقين الأقارب وصلة الرحم أمرٌ عظيم. وقد قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: من الآية1]. وكان من الإفساد في الأرض قطع الأرحام {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22]، ومن الإفساد في الأرض قطع ما أمر الله به أن يوصل.

إن أمر الرحم عظيم، وقد اشتق ربنا سبحانه وتعالى للرحم اسماً من اسمه، وأرضاها بأن يصل من وصلها وأن يقطع من قطعها، وهؤلاء الأرحام هم أقارب الرجل، وأقارب الشخص عموماً من جهة أبيه وأمه، هؤلاء هم الأرحام الذين تجب صلتهم بحسب القدرة والاستطاعة: بالزيارة، وحسن الكلام، واللين واللطف، والصلة بالمال، والشفاعة الحسنة، والنفع بالجاه، ونحو ذلك من أنواع الصلة، وهذا أمرٌ مستقرٌ معلومٌ في الشرع والفطرة.

الفساد بين الأقارب أساسه ومدى خطورته على بعضهم

ومع اتساع رقعة الفساد في العالم، وذيوع الشر، وانتشار وسائله، وسقوط الكثيرين في هاوية الرذيلة؛ نال من حول الشخص من أقاربه ما نالهم من هذه المنكرات، ووصل الحال إلى الشكوى من بعض الأقارب فيما يقومون به من أنواع الفساد والوقوع في المنكرات. وهذا الإنسان يريد أن يحافظ على نفسه وعلى زوجته وعلى أولاده وعلى أهله، فيجد أنه يبني من جهة ليخرِّبَ آخرون من الجهة الأخرى، ومن هم الآخرون؟ في عددٍ من الأحيان يكون هؤلاء من أقاربه أو من أقارب زوجته، والوضع حساسٌ وخطير، فإن هؤلاء الأقارب لهم حقوقٌ شرعاً، فكيف يتعامل معهم الآن وقد وصل أذاهم إلى نفسه وأهله وبيته وأولاده وزوجته؟ فما هو الحل؟

عباد الله!

خطورة الأقارب أنهم يدخلون البيوت، وندخل بيوتهم، إنهم يخالطوننا ونخالطهم في النزهات والأسفار والأعياد والإجازات والمناسبات. إنك قد تحذر من غريب وتراقب ولدك من علاقته بهذا الغريب، الغريب لا يجرؤ في الغالب على دخول بيتك، لكن عندما يكون الداخل قريباً؛ فماذا تفعل؟ وقد عرفنا بالتجربة والحس والواقع أن الفساد الذي انتشر اليوم في العالم قد طال القريب والبعيد، وأثر في الجميع، وفي الأسرة الواحدة اليوم يوجد أخ متدين وأخوه فاسق، يوجد شخص داعية إلى الخير، وقريبه اللصيق به داعية إلى الشر، وهذه الحال قديمة. فقد كان ولد نوح كافراً، وأبو إبراهيم كان كافراً يصده عن سبيل الله، ونزلت آيات في قضية الموقف من الأقارب والأزواج والزوجات، الصحابة الذين أسلموا والصحابيات نزلت آيات تحدد الموقف من القريب المشرك، من زوجٍ أو زوجة {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[الممتحنة: من الآية10]. وكذلك جاء الأمر بالإحسان إلى صاحب الرحم ولو كان مشركاً {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان: من الآية15]. وكذلك فإن هذا الإحسان لا يعني طاعتهم في معصية الله، فالموقف من القريب إذا كان مشركاً كافراً واضح، لكنها كثيراً من الأحوال اليوم قد لا تصل إلى هذه الدرجة في عددٍ من الأسر والبيوت.

المخالطة بين الأقارب دون قيد فساد عريض

لكن في قضية الفساد، فساد الأخلاق. الفاحشة والرذيلة، السحر، الإيذاء بالسرقة، التخبيب، الإفساد في العلاقات بين الأزواج والزوجات، يفعله بعض الأقارب. ما هو الموقف من هذه الأحوال؟ إننا أمام واقعٍ مؤلم في الحقيقة لأن المسألة فيها مخالطة، يدخلون البيوت، وندخل البيوت على ما فيها، وقد يكون ذلك الآخر والعياذ بالله فاجراً صاحب رذائل، يشرب الخمر، يتعاطى المخدرات، يتعامل مع السحرة، عنده قنواتٌ من قنوات الفحش والرذيلة في البيت.

أولادنا يدخلون عنده هو يدخل بيوتنا، ثم الجوال نقل ما كان موجوداً في الخارج إلى الداخل، فهذه المقاطع أو الصور التي يسمونها إباحية تتبادل حتى في الجلسات العائلية، أولاد عمي، أولادك الصغار، وأولاد خالهم، أولاد عمتهم، وأولاد خالتهم؛ إنهم يختلطون بهم. وإذا كانت الأسنان متقاربة فهم يلعبون سوياً، ويذهبون سوياً، يدخلون سوياً، ويخرجون سوياً. قضية الصحبة قضية خطيرة جداً، ومن عاشر المفسدين صار منهم.

صاحب أخا ثقة تحظى بصحبته فالطبع مكتسب من كل مصحوب
كالريح آخذة مما تمر به نتناً من النتن أو طيباً من الطيب

وهذه المماشاة والمصاحبة إن كانت في الخير أثرت خيراً، وإن كانت في الشر أثرت شراً، ((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، قال: يحذيك يعني: يعطيك-. تبتاع منه أو تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير– الآلة التي ينفخ فيها الحداد- إما أن يحرق ثيابك، أو تجد منه ريحاً خبيثة)).[رواه البخاري برقم (1959)، ومسلم برقم (4762)] صرنا في حال نحتاج فيه إلى الانتقاء حتى من بين الأقارب، وندخل بيت من؟ ولا ندخل بيت من. ونسمح لمن بالدخول إلى بيوتنا؟ ولا نسمح لمن.

المسألة فيها حساسية، وقد يكون مثلاً قريبٌ للزوجة فيه ما فيه، أو قريبٌ للزوج فيه ما فيه، وهو إذا أراد منعه ربما غضبت، وهي إذا أرادت منع قريب زوجها ربما غضب، وقد يدري أحد الطرفين عن مساوئ ذلك القريب، ولا يدري الطرف الآخر. فهو يحتار أيخبره؟ أيصارحه؟ ثم نجد الآن جرائم التحرش العظيمة المتكاثرة، المصيبة الكبيرة التي نتج عنها من هتك الأعراض، واستباحة الحرمات، وخرق حِمى القرابة، إنه أمرٌ خطير. وقد أثبتت الدراسات أن كثيراً من جرائم التحرش هذه تقع على مستوى الأقارب، وهذا أمرٌ متوقع. وإذا كان النبي   قال عن قريب الزوج الذي هو ليس بمحرم: ((إياكم والدخول على النساء)). قالوا: أفرأيت الحمو؟. قال: ((الحمو الموت)).[رواه البخاري برقم (4831) ومسلم برقم (4037)]

ناقش العلماء القضية من أبواب فكانوا يذكرون منها قضية التخبيب، وقضية أن يقول لها: لماذا لا تقولين له أن يشتري لك كذا وكذا؟ وأشياء من نوعية إفساد العلاقات، وذكر بعضهم قضية الخلوة التي يترتب عليها حرام، جاء ممن؟ من قريب الزوج، فإذاً قضية دخول هؤلاء إلى البيوت وخصوصاً مع عملية التهتك الموجودة في الملابس، وانظر إليها التي تباع في الأسواق اليوم ما نوعها؟ ما شكلها؟ وكم تغطي من الجسد؟ هذه الملابس النسائية التي صارت اليوم في غاية السوء، وربما كان ما تغطي أقل مما يكشف، ما هي عاقبة لباس البنات ولو كن صغيرات -في هذا المجتمع ما عادت القضية الصغيرة لا يؤبه لها، في كثير من الأحيان تكتشف أن القضية معمقة ومتعمقة بدرجة خطيرة-، ثم تظهر هؤلاء البنات بهذا اللباس الفاضح الذي تلبسهن إياهن أمهاتهن على هؤلاء الأقارب.

والقنوات الإباحية ما تركت شيئاً، ومواقع الإنترنت الإباحية ما تركت شيئاً، إنهم يتكلمون فيها حتى على قضية إتيان المحارم، ويجعلون لها أنواعاً وصوراً وأفلاماً. هكذا أثبتت البحوث حول المواقع الجنسية، أنها تحتوي على سائر الرذائل حتى إتيان المحارم، وحتى إتيان الكلاب والحمير، وأنواع البهائم.

نظرة في بعض القضايا الأخلاقية المتفشية

أيها الإخوة:

إن اعتياد مشاهدة القنوات الفضائية المحرمة هذه ولدت شهوات، أثارت كوامن وغرائز، وعندما يكتشف الإنسان أن السوء يأتي من هذه الجهة، وقد وقع فيها من وقع، فعند ذلك ستشتكي الأم وتقول: كل أبنائي حفظة لكتاب الله إلا هذه البنت الكبيرة بعد أن تزوجت اقتنت في بيتها دشاً، وصار ابني الأصغر يذهب لأخته، وطبيعي أن يذهب لأخته. وصلة الرحم أن يذهب لأخته، أليسا قد خرجا من بطنٍ واحد؟ لكن صار الابن الصغير يجلس عند هذا الدش، وتقول الأم: فذهبت تربيتي أدراج الرياح.

قضية الألفاظ البذئية، تعود ولدك على حسن الكلام، وتعظه، وتنصحه، وتؤسس فيه قواعد الأدب والسلوك الإسلامي، وتحارب الشناعات من الألفاظ. وما كان رسول الله   فاحشاً ولا متفحشاً، فيخالط بعض أولاد عمه، أو بعض أولاد خاله، وبعض الأولاد في هذه الأسرة والعائلة في استراحة في آخر الأسبوع، غير المدرسة التي تكمل النقص، فيرجع إليك الولد خائساً في ألفاظه. ممن تعلم؟ ممن سمعت هذه الكلمة؟ أولاد الأقارب.

التدخين… يا أيها المدخن من الذي علمك؟ دخنت عندما كنت صغيراً، من الذي دلّك على هذا الطريق؟ قد يقول: صاحبي أو قريبي. طبعاً الدعايات والأفلام لا شك أنها تلعب دوراً كبيراً، وإذا نجا الولد من التدخين بذاته لا ينجو من التدخين السلبي الذي أثبتت الأبحاث الطبية ضرره في النفوس والأجساد، وهكذا إذا دخن الآخر كذا سيجارة كأن هذا دخن سيجارة. وإذا أتينا إلى قضية الأغاني والطرب وأنواع إثارة المحرمات بهذه المقاطع التي صارت منتشرة الآن في الجوالات، إذا ما كان عندك دش هناك بلوتوث وشاشاتٌ تنقل ما كنت لا تريد الولد أن يراه.

فإذا أضفت إلى ذلك ألواناً من انحرافات الفكر والعقل تجد عند الولد أحياناً قناعة غير التي أنت ربيته عليها، يكلمك ولدك أحياناً أو ابنتك في شيء يتعلق بالحرية… أنا حر، أنا أفعل ما أشاء، أنا ما أحد يمشيني ولا يسيطر علي، ولا له الحق أن يوجهني… أنا حر، أنا مسؤول عن نفسي، ما أحد مسؤول عني.

وإذا ناقشت هذه الشبهات، وقلت: تعال يا ولدي حتى نتفاهم، هل الإنسان حر تماماً يفعل ما يشاء؟ كم في جيبك؟ عشرة ريالات. ما رأيك أن تخرجها وأن تحرقها؟ أنت حر، تريد أن تقطع إصبعك، اقطع إصبعك… أنت حر.

تريد أن تفقع عينك، عينان إسراف واحدة تكفي، هل الإنسان حر في نفسه؟ هل هو حر في جسده؟ وإذا طردنا القضية هو حر أن يصلي أو لا يصلي، حر أن يفعل أو لا يفعل… هو حر، فما معنى الحرِّيَّة، وما هي حدود الحرِّيَّة؟.

وإذا بك تكتشف من النقاش مثلاً أن شيطاناً من شيطان الإنس أوحى إليه بتلك الأفكار،بالإضافة إلى شياطين الجن طبعاً التي توحي إليهم، وتؤزهم على الشر أزاً. وبعض هؤلاء قد يكونون أيضاً من الأقارب؛ لأنه ينقل فكراً منحرفاً، هو متأثر بمقالات العفنين الذين يكتبون، والذين يطعنون في أهل الدين. فينقل له ما اقتبسه من تلك المقالات، حوارات في برامج تلفزيونية، في قنوات فضائية، فيها لمز الدين وأهل الدين،والاستخفاف بالدين، والانتقاص من الدين، سهامٌ تغير على الدين، عشعشت الأفكار في ذهن وعقل من شاهدها وسمعها ورآها، ثم نقلها إلى ولدك أو ابنتك، من الذي يكثر الجلوس معهم، ومن الذي يستطيع الدخول والخروج، ومن الذي يكلم بالهاتف وقت ما يريد؟ هذه قضية أيضاً… أقارب.

وأحياناً التدليل الزائد يأتي من هنا لإفساد ما أردت أن تحمي منه ولدك، وربما منعت عنه مالاً؛ لقصد تأديبي، أو تعلم اقتصاد، فإذا بك تفاجأ بمال من مصادر أخرى. من الذي أعطاك؟ وهكذا.

ثم المقارنة التي تكون عند الولد أيضاً مما يراه من أقاربك الآخرين، هؤلاء يعطون ولدهم كذا وأنت لا تعطيني، وفلانة أعطت ابنها كذا وأنت لا تعطيني، وأنتِ لا تعطيني، وابنتك تقول وأمها وأبوها وفلان أعطاها، واحتجاجات عليك. وجع الدماغ والرأس مصبوبٌ عليك.

قضية الإفساد وتخبيب العلاقات التي ذكرها النبي   بقوله: ((ليس منا من خبب امرأةً على زوجها)). رواه أبوداود وهو حديثٌ صحيح.[رواهأبو داود برقم (1860)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5437)] قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: “سعي الرجل في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوبالشديدة، وهو من فعل السحرة، وهو من أعظم فعل الشياطين”، ويتأكد ذلك في رحمهم الذين وصاهم الله بهم خيراً… ((أرحامكم أرحامكم))،[رواه ابن حبان في صحيحه برقم (436)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (894)] ثم يأتي هذا ليلعب دوراً في التخبيب والإفساد.

وأحياناً أخوات الزوجة، وأحياناً أخوات الزوج، ومعارك حامية الوطيس تدور داخل العوائل. لماذا؟ لا خوف من الله ولا تقوى ولا التزام بالأحكام الشرعية، وقضية الغيرة من جهة، والتنافس والأحقاد والحسد. ولذلك صار بعض الناس فعلاً يهربون من أقاربهم إلى بعض الأصدقاء الذين يماثلونهم في الأفكار والطبائع والقناعات، فيلتفون عليهم، ويعيشون معهم في بيئة فيها زيارات خاصة؛ لأنهم وجدوا أن الجو عفن وفيه كثير من المصائب. وهذا طبعاً لا شك أنه هروب غير إيجابي، هو من جهة يحمي، لكن من جهة أخرى قطعنا الحقوق ما أديناها.

 تبني الحسم والمصارحة مع القريب السيئ مع مراعاة المودة

 نعم نحن نستطيع أن نقول شرعاً: إن الإنسان إذا وجد شراً من قريب معين، وأنه خشي على نفسه أو أهله زوجته أو أولاده فإنه يجب عليه أن يوقف الأمور عند حدها. وهذه قضية واضحة جداً شرعاً ومعلومة عقلاً، فقد يمنعه من دخول بيته، وقد يمنع أهله وأولاده من الذهاب إليهم، وعدم تلقي مكالماته إذا صار الشر ينقل بالمكالمات.

الآن الشر ينقل بالبريد الإلكتروني و”mms،وsms” وكل الحروف التي جاءت بها هذه التقنية، ولذلك أحياناً تمنع ماذا؟ تمنع الجسد فتأتي في الموجات، فصرنا نحتاج إلى قضايا أخرى غير قضية المنع.

والإنسان قد يستطيع أن يتفاهم مع قريبه وجهاً لوجه، ويقول له: أنا أعرفك جيداً،وأعرف مدخلك ومخرجك وخباياك، بيتي ما تدخله، وأولادي لن يدخلوا بيتك وأنت على هذه الحال… حتى تتغير، تغير نفسك، وتثبت لنا صلاحك، وتثبت لنا سيرةً حسنة، ويمر عليك الوقت الذي نقتنع فيه بأنك تغيرت فعلاً، عند ذلك سنغير موقفنا منك. لكن أنت قريبي، أنا أصِلك، أنا سأكلمك، وأسأل عن حالك، وأزورك؛ لأنني أعرف جيداً من أنت، وأنت تعرف جيداً من أنا، ولذلك لن يضرني أن أزورك، وأن أسأل عنك، وأن أتصل بك. لكن ذلك سيضر الأولاد، وأنا لست مستعداً للتضحية بهم؛ لأن الله قال في كتابه -سبحانه وتعالى-: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: من الآية6]. صلة الرحم على الرأس والعين وسأقوم بها، وربما إذا اقتنعت أن عليك ديناً سببه مباح، فسأقوم بتسديده عنك. وإذا وقعت في ورطة ليست بسبب معصية فربما سأفزع معك فيها، ولأجلها وأحاول تخليصك، لكن أن أفسح لك المجال لتدخل بيتي، وتقول ما تشاء، وتفعل ما تشاء؛ لا تتخيل ذلك.

عباد الله!

إن وجود مواقف حاسمة مهم جداً في هذا الزمن، حاسمة مع أدب، حاسمة مع إبقاء صلة، حازمة أيضاً مع لين، قد يمرض فتزوره عند المرض؛ لأنه لا حول له ولا قوة، وقد يزور أولادك إذا صار لا حول له ولا قوة؛ حتى لا ينسوا ذلك القريب.

عباد الله!

هذا آخر الزمن،وفيه فتن، ونحن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا الشرور، وأن يبصرنا بعيوبنا، وأن يقينا شرور أنفسنا وشرور غيرنا.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنك سميع مجيب.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله أكبر، وإنا لله. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبةً ولا ولدا. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

 البناء الإيماني والتربوي للأسر مهم لتفادي شر كل ذي شر

عباد الله!

الحذر مهمٌ، وسوء الظن مرفوض، الحزم والحسم في الشر واجب، ولكن إبقاء ما يمكن إبقاؤه من الصلة مطلوب، ونحن نحتاج إلى أن نتوجه بصدقٍ إلى زوجاتنا وأولادنا من الذكور والإناث؛ لنؤسس فيهم القواعد التي تقاوم ولو كانت مقاومة جزئية ما ينتشر عن طريق الفساد اليوم، ومراقبة الله والخوف من الله يأتي بأشياء يقتبسها الولد من أبيه وأمه، قبل أن تكون نصائح بالكلام أو أشرطة أو كتب ونحو ذلك، وتفرح عندما يوجد هناك ولدٌ صالح يكون مع ولدك. ولكن معرفة هذا الصلاح تحتاج إلى ابتلاء -أن تبلوه لتعرفه-، وهذه قاعدة شرعية. والله سبحانه وتعالى يبلو الناس؛ ليظهر علمه فيهم، وهو يعلمهم سبحانه قبل أن يخلقهم، وعندما نكتشف أشياء فإن غض الطرف مرفوض، فإن بعض الناس يتعامون، أو لا يريد أن يسمع شيئاً من هذا؛ لأن المسألة مزعجة جداً بالنسبة له أن يعرف أن أخاً أو ابن عم أو قريباً له قد فعل شيئاً، أو يتربص شراً، أو أن هنالك أشياء قرائن غير طيبة تحتف الآن.

إن التيقّظ في غاية الأهمية، والتركيز والتأكيد على قضية لباس البنات حتى أمام المحارم مهم جداً، وعندما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((وفرقوا بينهم في المضاجع)) [رواه أبو داود برقم (418)، قال الألباني: حسن صحيح] هذه أخته ومع ذلك قال: ((فرقوا بينهم في المضاجع)) هذا أخوه ومع ذلك قال: ((فرقوا بينهم في المضاجع)). وقال العلماء: إن أول فساد الصبيان بعضهم من بعض. المسألة لا بد فيها من يقظة.

وأما قضية الإهمال وترك الأشياء تجري على أعنتها بدون إحداث أي تغيير، ولا حتى كلام، تعليق، نصيحة. لا بد أن يكون هنالك شخصية حازمة في البيت، وإلا ضاع البيت. وهذا الخروج الذي يكون حتى في آخر الأسبوع، حتى في الاستراحات، حتى في المسابح أو يعلمها السباحة، لا بد أن يكون هنالك انتباه، الأب هذا عليه مسؤولية كبيرة جداً.

وقد جاءت الدراسات المحلية والاستطلاعات بأن نسبة كبيرة من حالات الاعتداء والتحرش وقعت أولاً من جهة هؤلاء الذين من المفترض أنهم يكونوا آمنين، ثم الأصدقاء، ثم المدرسة. والمسلم كيسٌ فطن، ويرفض أن يكون مغفلاً، لست بالخب ولا الخب يخدعني كما قال عمر -رضي الله عنه-. الخب: اللئيم الماكر الخبيث، لست بالخب ولا الخب يخدعني.ولا يخدعني الخب.

أثر الوعظ والبعد عن الاختلاط في التخلص من شر الأقارب

إنّ الوعظ لمثل هؤلاء الذين تحس منهم شراً، أو ترى لهم أثراً سيئاً قد ذكر الله تعالى: {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} [النساء: من الآية63] إن هذه الجملة القرآنية العظيمة من كلام ربنا عزَّ وجلَّ. {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} نصيحة على انفراد، لكن مؤثرة، نصيحة من واقع القرابة، إنها نصيحة فيها حكمة، وفيها حزم، وفيها وضوح.

ولكنها مشوبة بالمحبة لواقع القرابة،لأثر الرحم، لتلك العلاقة المقدّسة التي نشأت بفعل هذا النسب، ولا بد أن نوفّر لأولادنا بدائل. حتى لا يكون هنالك انصراف إلى المحرمات، ضع ما استطعت من البدائل المباحة، وحتى لا يكون التوجّه إلى بيت فلان وعلان، أشغل نفسك أنت بشيءٍ من الاهتمام بهؤلاء الأولاد، فالثروة البشرية هي الثروة الأولى في العالم، ولن يفوق الثورة البشرية شيء لا من المناجم، ولا من النفط، ولا من الذهب، ولا من الزرع، ولا من الضرع. الثروة البشرية… الأمانة أنت بين يديك، وقضية الوعظ بالتوبة والحث على الرجوع إلى الله؛ لأن هذا سيكون له أثر في النفوس لمن أخطأ ضل زاغ عصى انحرف، لا بد أن يكون لنا دور في هذا، مجرد قطع العلاقة سهلة.لكن ما هو الشيء الإيجابي؟ النصيحة وبيان الحكم، الحذر والتحذير.

وكذلك قضية الاختلاط، منع الاختلاط غير الجائز بين الأقارب، زوجة أخيك نعم لكنها ليست بمحرم، خالة الزوجة نعم لكنها ليست بمحرم، وهكذا. جلسات الاختلاط التي جعلت في كثير من الأحيان ينتقل شيءٌ من الفساد عبرها، وقضية المزاح والتداخل، وما يحدث من الإعجاب والتعلق الذي يؤدي بعد ذلك إلى مصائب أخرى{إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: من الآية83]. ولما حرم أشياء وبين ذلك وأمر بالحجاب الكامل. {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} [النور: من الآية31]. الخمار ما يغطي الوجه، غطاء الوجه هذا في الأساس الخمار، يغطي الرأس والوجه. وكذلك {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: من الآية31].

وكذلك {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: من الآية32]. وكذلك {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: من الآية31]… نصوص.((لا يخلون أحدكم بامرأةٍ فإن الشيطان ثالثهما))[رواهأحمد برقم (109) قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين] لا بد من أن توضع هذه الأحكام الشرعية نصب العين، أن تراعى.((الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله)).[رواه البخاري برقم (4822) ومسلم برقم (4959)] والمراقبة دون وسوسة؛ فإن بعض الناس يبدأ بالقضية من باب سوء الظن، ومن باب الوسوسة، ولا يوجد قرائن، ولا سبب للفساد، والأمور طبيعية جداً، والأوضاع عادية محكومة بالشرع ومنضبطة… فهو يفترض أن السوء موجود، ويدخل عليهم من هذا الباب، وبهذه النفسية ليقول: ماذا خبأتم؟ اعترفوا. ما في جريمة أصلاً يعترف بماذا؟ وهذه المسألة أيضاً سيئة، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام بين أن من الغيرة ما يحبه الله، ومن الغيرة ما يبغضه الله.

فالغيرة في الريبة محمودة، والغيرة بغير ريبة إفساد للعلاقات، وإفساد للنفوس؛ لأنه لا يوجد قرائن، ولا شيء، ولا دلائل، ولا بينات، ولا إشارات، ولا إرهاصات!، ولذلك فإن الغيرة في هذه الحالة هو أن يقوم الواحد بالتحقيق والسؤال، وافتراض الأشياء، واختلاق الأشياء، وخيالات في أوهامه المريضة… هذا في الجانب الآخر أيضاً إفساد، يعذب من حوله، ويتعذب هو معهم أيضاً.

دور التقنية في فساد الواقع وواجب المسلم حيال واقعه

عباد الله!

الموضوع ذو شجون، ولكن التذكير به في هذا الزمن تحديداً في غاية الأهمية، ونحن أحوج إليه أكثر بكثير مما احتاجه سلفنا؛ لأنه لم يكن عندهم هذه الأشياء الموجودة الآن؛ لأن النفوس كانت أطهر وأطيب، ولأن الفساد كان أقل، والشر كان أقل، والخير كان أكثر.

ما مر على البشرية وقت انتشرت فيه الفواحش والرذائل مثل الآن، من وراء التصوير والبث ونقل والوسائط. التقنية –التكنولوجيا- أتت معها بشرٍ هائل مفزع، ونحن المسلمون مع الأسف فينا عجز وكسل وضعف وعدم إحساس بالمسؤولية؛ كي ننقي التقنية مما علق فيها، نحن عاجزون حتى الآن، ويجب أن نعترف بذلك.

بل إننا مستسلمون في الحقيقة في كثير من الأحيان لما يأتينا ويهجم علينا، والموجات التي تدخل أجهزتنا في البيوت، وفي الجيوب؛ موجاتٌ تحمل أفكاراً وصوراً وأنواعاً من السوء، تغزونا في كل مكان؛ لأن هذه الأجهزة لما دخلت كل مكان في البيوت وفي الجيوب ستحمل معها كل شيء إلى تلك الأجهزة. والآن يقولون: هذا يأتينا على الجوال رسائل من الخارج تقول: اتصل بي لكذا وكذا وكذا، ورقم كذا، وعصابات دعارة تنهب من فاتورتك.

عباد الله!

المؤمن مبتلى، والفتن طاغية، ولذلك ليس هناك بديل وخيار إلا أن تقوم لله بالمطلوب منك، وأن تكون يقظاً، والمسألة ستضغط على أعصابك، وستنال من راحتك ووقتك. ولكن ليس هناك بديل إلا هذا؛ لأن الابتلاء يعني معاناة، ويعني أيضاً إنفاق أشياء لا بد من أن تنفقها، وليس لك خيار.

يعني لا يمكن لك أن تتولى من الموقعة، أو من أمام زحف الأعداء، ولا أن تدفن رأسك في الرمال، ولا بد أن تواجه وتجابه هذا هو الواقع، ويجب أن تقاوم، ويجب أن تكون المقاومة عندنا إلى الرمق الأخير، وألا نستسلم، وأن يقوم عقلاؤنا وعلماؤنا ومفكرونا ومخترعونا وكثير منهم في الغرب يخترعون لهم، ويكونون من أسباب تقدمهم الدنيوي، أقول لا بد في النهاية أن نفعل أشياء، وهناك جهود طيبة قليلة لكن مباركة، ومحدودة لكن مفيدة، ومشجعة و نتائجها تبث الأمل في النفوس، أنا لا يمكن أن أعمل أشياء على أصعدة متعددة، ولو اجتمعت الرغبات، وصلحت النيات؛ لترون النتائج العجيبات.

اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا يا رب العالمين، ربنا وتقبل دعاء.

ربنا اغفر لنا ولوالدينا يوم يقوم الحساب، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وأصلح بيوتنا يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين، واجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين.

واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.