وضع الستائر في المساجد

وضع الستائر في المساجد

 

حمداًًًًًً لله وشكراً, وصلاة وسلاماً على رسوله المصطفى, ورضي الله عن الصحابة أجمعين, والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:

فإن العناية ببيوت الله ورفعها كما أمر ربنا بذلك من أجل القربات وأعظمها، ومن الأمور التي كانت قديماً وحديثاً هي وضع ستائر في المساجد إما لكف حرارة الشمس أو شدة الضوء أو نحو ذلك، فهل هذه الأمور من المباح أو من القرب أو من الممنوعات؟

تطرق بعض الفقهاء -رحمهم الله تعالى- إلى مسألة الستائر في المساجد من باب وقفها على المساجد.. واختلف فيها على قولين:

القول الأول: يجوز وقف الستائر في المساجد, قال بهذا العز بن عبد السلام1 والزركشي, وحُكِيَ عن بعض الحنابلة2.

القول الثاني: لا يصح وقف الستور لغير الكعبة، ويبطل إن أوقفه لغيرها، قال بها ابن عقيل3, وابن الزاغوني4, وأبو الخطاب من الحنابلة, إلا أن أبا الخطاب قال بصحة الوقف، وينفق ثمن الستائر على عمارته ولا يستر5.

الأدلة:

استدل القائلون بالجواز بأن الكعبة تستر وهي مسجد، والمساجد بيوت الله مثلها، فيجوز ستره6 واستدل المانعون بأنه بدعة لم يحدث في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا أحدثه الصحابة من بعده.

 

قال الخضيري: والمتأمل لهذه الستائر يجد فيها أنواعاً تحتوي على الزخرفة، فوضعها في المسجد له حكم الزخرفة، وأنواعاً أخرى توضع لحفظ البرودة أو لاتقاء الحرارة، فهي من مصلحة المسجد لا حرج فيها, وهكذا لو عملت فاصلاً بين الرجال والنساء، فأما إذا لم تكن لمصلحة فهي من الإسراف المنهي عنه إن لم تشتمل على زخارف.

فهذا فيما يتعلق بالستائر التي ليس فيها إشارة إلى شرك أو بدعة، بل لمجرد المنفعة المحضة التي لا يشوبها شر.

أما الستائر التي تحوي أموراً شركية وألفاظاً مخالفة للتوحيد فهذا منكر لا يجوز وقفه، ولا تركه، بل يجب إتلافه وهو من النهي عن المنكر المأمور به شرعاً.

ولقد ذكر القاسمي7 أن بعض المساجد (في بعض البلدان) يوجد بها ستائر على زوايا المسجد، أو على جانب حائط، أو على عمود، ويزعمون أنها لمقام فلان، أو أنه كان يحضر حياً في هذا المكان، فيقدسونه لأجل ذلك، وربما تمسحوا به، وربما زعموا أنه قبره، وربما عبدوه من دون الله، نعوذ بالله من الشرك, ثم ذكر حوادث تؤيد قوله8.

وذكر غيره: أن هذه الستائر تحوي كلمات فيها شرك كالاستغاثة بغير الله9

وصلى الله على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه والتابعين,

وسلم تسليماً كثيراً, والحمد لله رب العالمين.

 


1 هو: أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن مهذب السلمي الشافعي، الملقب بسلطان العلماء, ولد في سنة 577 هـ، ولم يتيسر له سبل التعليم في حياته، لشدة فقره، ثم تعلم وتولى رئاسة القضاء في مصر, توفي سنة 660هـ. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة –لـ( ابن تغري بردي) (2/ 314).

2 انظر: أحكام المساجد للخضيري(1/115) نقلاً عن:البداية والنهاية (13/236 )، إعلام الساجد للزركشي (ص339/ 402), والفروع لابن مفلح (4/ 588).

3 هو: أبو الوفاء علي بن محمد بن عقيل البغدادي، من علماء الحنابلة، ولد سنة 432هـ . ومات سنة 513هـ. انظر: المرجع السابق نقلاً عن: طبقات الحنابلة ( 2/ 259)..

4 هو: شيخ الحنابلة أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن عبيد الله بن سهل بن الزاغوني البغدادي، صاحب التصانيف. ولد سنة 455هـ . وسمع من أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وابن النقور. وأخذ عنه: ابن عساكر، وأبو الفرج بن الجوزي، وعمر بن طبرزد، وآخرون. مات سنة 527هـ . / انظر:المرجع السابق نقلاً عن: سير أعلام النبلاء (19/605)، وشذرات الذهب (4/80-81).

5 المرجع السابق, نقلاً عن: إعلام الساجد (ص 339 / 402)، والفروع ( 4 / 588).

6 المرجع السابق, نقلاً عن إعلام الساجد للزركشي ( ص339).

7  هو: محمد بن جمال الدين القاسمي, من علماء الشام في العصر الحديث, له مؤلفات، منها تفسيره محاسن التأويل. توفي عام(1332)هـ.أحكام المسجد للخضيري(116).

8  المرجع السابق, نقلاً عن: إصلاح المساجد من البدع والعوائد للقاسمي (ص216- 217).

9 نفس المرجع عن: المسجد في الإسلام لخير الدين وانلي ( ص307).