علِّم الناس أمور دينهم

يا إمام: علِّم الناس أمور دينهم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد:

إن من المسلمين اليوم من يتجه إلى بيت الله ​​​​​​​ لأداء فريضة الصلاة، والقيام بما أمر الله، فإذا دخل الصلاة لم يحسن ركوعها ولا سجودها، ويستمر على هذا الحال مدة من الزمن، وقد يموت على جهله، والسؤال هو: من لهؤلاء، ألا يكفي أنهم أتوا إلى المسجد، ألا ينبغي أن نستقبلهم بكل ترحاب فنعلمهم أمور دينهم، حيث قد جعل الله ​​​​​​​ الأجور العظيمة على تعليم الآخرين ما يعنيهم من دينهم فعن أبي هريرة  أن رسول الله  قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً1.

كم لك من الأجر وأنت تعلم هذا، وتوجه هذا، وتفقه ذاك، ألا تعلم أن لك مثل أجورهم عندما يعملون بما علمتهم، وفي ذلك قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى -: “وأن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه، أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه، سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه، أم كان مسبوقاً إليه، وسواء كان ذلك تعليم علم أو عبادة، أو أدب أو غير ذلك”2، وقال ابن عبد البر – رحمه الله تعالى -: “قال أبو عمر: حديث هذا الباب أبلغ شيء في فضائل تعليم العلم اليوم، والدعاء إليه، وإلى جميع سبل البر والخير”3.

ويبقى الإمام في المسجد مرجعاً للناس إذا أشكل عليهم شيءٌ، بل لا بد أن يبتدرهم، وأن يكون التعليم إما بالإلقاء المباشر كالدروس العلمية، والكلمات القصيرة، والخطب والمحاضرات، يركز في كل ذلك على العلم الذي يحتاجه المسلم في حياته اليومية، فيعلِّم الصلاة وركوعها وسجودها، وكيف يطمئن في ذلك، وفي كل صلاته، ويبدأ مع المستمعين إليه من المسائل الأساسية، وبصغار العلم قبل كباره قال – تعالى -: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ4، يقول الواحدي – رحمه الله تعالى -: “كونوا ربانيين الآية أي يقول: كونوا معلمي الناس بعلمكم ودرسكم، علموا الناس وبينوا لهم”5، ويقول السعدي – رحمه الله تعالى -: “ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون أي ولكن يأمرهم بأن يكونوا ربانيين أي علماء حكماء حلماء، معلمين للناس ومربيهم بصغار العلم قبل كباره، عاملين بذلك، فهم يأمرون بالعلم والعمل والتعليم وهي مدار السعادة، وبفوات شيء منها يحصل النقص والخلل، والباء في قوله: بما كنتم تعلمون إلخ باء السببية أي بسبب تعليمكم لغيركم، المتضمن لعلمكم، ودرسكم لكتاب الله، وسنة نبيه  التي بدرسها يرسخ العلم ويبقى؛ تكونون ربانيين”6.

ومعلم الناس الخير له مكانة عظيمة في الإسلام، بل تتفاعل معه كائنات غير بشرية احتفاءً بالدور العظيم الذي يقوم به، فعن أبي أمامة  قال: قال رسول الله  : إن الله وملائكته، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر؛ ليصلون على معلم الناس الخير7، يقول صاحب تحفة الأحوذي – رحمه الله تعالى -: على معلم الناس الخير قيل: أراد بالخير هنا علم الدين، وما به نجاة الرجل، ولم يطلق المعلم؛ ليعلم أن استحقاق الدعاء؛ لأجل تعليم علم موصل إلى الخير.. انتهى، وفيه إشارة إلى وجه الأفضلية بأن نفع العلم متعدٍ، ونفع العبادة قاصر”8.

وعلى هذا فإنه يحبذ للإمام أن يهتم بالمصلين من ناحية التوعية، وأن يستخدم كل الوسائل الممكنة، فإننا نرى الكثير من الناس ما زال لا يحسن الصلاة، فمتى سيتعلم هؤلاء أمور دينهم؟ وإن لم يتعلموا في المسجد فأين يتعلمون؟ 

فيا إمام المسجد: الله الله في أهل مسجدك، فإن تعليمك لهم أجر لك، ونور لهم.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، والحمد لله رب العالمين.


1 مسلم (2674).

2 النووي (16/ 227).

3 التمهيد (24/329).

4 سورة آل عمران (79).

5 الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي عند سورة آل عمران الآية (79).

6 السعدي (1/136).

7 المعجم الكبير (7912)، صححه الألباني في صحيح الجامع (2719).

8 تحفة الأحوذي (7/380).