أخذ المال على الإمامة والأذان

أخذ المال على الإمامة والأذان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان .. أما بعد:

فإن القيام على بيوت الله – تعالى – من أجلِّ القربات، ومن أعظم الأعمال، ومن القيام على المساجد: إمامة المصلين والأذان، فالمؤذن يذكر الناس بأوقات الصلاة، والإمام يتلو عليهم كلام الله، فيؤثر فيهم، ويتغنى بعظمة ألفاظه، وقوة عباراته وفصاحتها، وحسن انتظامه، فيخرج المصلون وقد سمعوا شيئاً من كلام الله – تعالى – ليكون لهم زاداً وتذكرة إلى الدار الآخرة .. ولما كان للإمام والمؤذن تلك الأهمية، ولبيوت الله مكانتها في واقع الأمة، ومع تعدد أمور الحياة وتعقدها في زماننا، وكثرة الطلبات والاحتياجات؛ كان من اللازم على الأمة أن تفرغ لبيوت الله أئمة ومؤذنين يقومون عليها، وبما أن القائمين على المساجد يحتاجون إلى أمور المعيشة من المال والسكن، فهل يجوز لهم أن يأخذوا على قيامهم بذلك شيء؟

لا يخلو هذا العطاء من حالتين:

  • أن يكون من بيت المال (من خزينة الدولة).
  • أن يكون من المصلين.

فإن كان من بيت المال فقد اتفق الفقهاء على أنه يجوز أخذ الأجرة من بيت المال على الأذان والإمامة ونحوهما مما يتعدى نفعه إلى غير فاعله، واعتبروهما من باب الأرزاق والمسامحة لا من باب المعاوضة.1 قال الخرشي المالكي: (ومحل الكراهة إذا كانت الأجرة تؤخذ من المصلين، وأما إذا أخذت من بيت المال، أو من وقف المسجد؛ فلا كراهة؛ لأنه من باب الإعانة لا من باب الإجارة كما قال ابن عرفة)2، وقال الشافعي: (وأحب أن يكون المؤذنون متطوعين، وليس للإمام أن يرزقهم ولا واحداً منهم، وهو يجد من يؤذن له متطوعاً ممن له أمانة، إلا أن يرزقهم من ماله، ولا أحسب أحداً ببلد كثير الأهل يعوزه أن يجد مؤذناً أميناً لازماً يؤذن متطوعاً، فإن لم يجده فلا بأس أن يرزق مؤذناً)3.

وقال ابن تيمية: (وأما ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضاً وأجرة بل رزق للإعانة على الطاعة، فمن عمل منهم لله أثيب، وما يأخذه فهو رزق للمعونة على الطاعة، وكذلك المال الموقوف على أعمال البر الموصى به كذلك، والمنذور كذلك ليس كالأجرة)4 والمقصود ببيت المال الذي يذكره الفقهاء في كتبهم ما يطلق عليه اليوم بـ(وزارة المالية)، وكذلك قيام وزارات الأوقاف في كثير من العالم الإسلامي بتمويل المساجد والقائمين عليها، فإن أهملت الحكومات المساجد ولم ترعها حق رعايتها – كما هو الحاصل في بعض الدول -؛ فإن قيام الجمعيات الخيرية بكفالة الأئمة والمؤذنين له حكم بيت المال – والله أعلم -.

وأما المسألة الثانية: حكم أخذ المال من المصلين: فالصحيح من أقوال العلماء أن ذلك لا يجوز لأن النبي  عهد إلى عثمان ابن أبي العاص ألا يتخذ مؤذناً يأخذ على الأذان أجراً).5

وإذا كانت هناك ضرورة من أخذ المال من المصلين كأن يكون الناس منشغلين بأعمالهم، وأمور معاشهم، ولم يوجد مؤذن يلتزم بالأذان فلا بأس من تعيين إمام ومؤذن، وإعطائهما مالاً من الناس إذا لم تقم الدول بكفالتهم، أو لم توجد هيئات خيرية تقوم بأمرهم، وليس هذا من باب المقابلة والاستئجار؛ ولكن من باب المعونة، والرزق، والقيام على أمور الدين حتى لا تهمل.

من خلال هذا الموضوع المختصر اتضح لنا الحكم الشرعي من أخذ المال على الإمامة والأذان، فما على الناس إلا العناية ببيوت الله – تعالى – فإنها آخر معاقل الإسلام، وهي الحصن الحصين الذي يفر إليه كل مسلم أيام الفتن والشبهات والشهوات!.. اللهم هيئ للمساجد من يقوم بها حق القيام من حكومات ومؤسسات خيرية وأفراد .. إنك أنت العزيز الحكيم.


1– راجع: كتاب (الإمامة والائتمام) للمنيف، ص72 وما بعدها.

2– الخرشي على (مختصر خليل) 1/236.

3– كتاب الأم 1/72.

4– الاختيارات الفقهية ص153.

5– رواه أبو داود وصححه أحمد شاكر في شرح سنن الترمذي، وصححه الألباني –أيضاً- في صحيح أبي داود وصحيح ابن ماجه والإرواء.