أضرار الفواحش

أضـرار الفواحـش

أضرار الفواحش

 

الحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

 أمَّا بعدُ:

قال ابن القيم-رحمه الله تعالى-: "كثيرٌ من الجهَّالِ اعتمدُوا على رحمة الله وعفوه وكرمه فضيَّعوا أمره ونهيه،ونسوا أنه شديد العقاب،وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين1.

فما أكثر الفواحش ظهوراً في زماننا،وما أسرعها انتشاراً في مجتمعاتنا، كل ذلك اعتماداً على عفو الله وكرمه، مع نسيان أنه شديد العقاب، وأنه-سبحانه وتعالى-يمهل ولا يهمل.

فالله- عز وجل- حذر من الفواحش فقال-سبحانه-:{ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } سورة الأنعام: من الآية151. والله-سبحانه-لا ينهى عن شيء إلا وفيه ضرر على الإنسان، سواءً كان ضرراً على دينه، أوجسمه وعقله، وإننا في هذه الكلمة القصيرة سنذكر بعضاً من هذه الأضرار والأمراض، المترتبة على فعل الفواحش، وارتكاب المعاصي.

أخي الكريم: ولا ريب أن أعظمَ الفواحش فاحشتا اللواط، والزنا، "فليس في الذنوب أفسدُ للقلب والدين، من هاتين الفاحشتين، ولهما خاصِّيَّةٌ في تبعيد القلب من الله؛ فإنهما من أعظم الخبائث، فإذا انصبغ القلبُ بهما بَعُد ممن هو طيب، لا يصعدُ إليه إلا طيب، وكلما ازداد خبثاً ازداد من الله بعداً"2.

ومن أضرار اللواط:

أنه يحدث الهمَّ، والغمَّ، والنفرةَ، عن الفاعل والمفعول.

ومنها أنه يسود الوجه، ويظلم الصدرَ، ويطمس نورَ القلب، ويكسو الوجه وحشةً تصير كالسيماء، يعرفها من له أدنى فِراسة.

ومنها:  أنه يوجب النُّفْرةَ، والتباغضَ الشديدَ، والتقاطع بين الفاعل والمفعول ولابد.

ومنها؛ أنه يفسد حالَ الفاعلِ والمفعولِ فساداً لا يكاد يُرجى بعده صلاح؛ إلا أن يشاء الله بالتوبة النصوح.

ومنها: زوال النعم، وحلول النِّقم؛ فإنه يوجب اللعن، والمقت من الله، وإعراضَه عن فاعله، وعدمَ نظره إليه؛ فأيُّ خيرٍ يرجوه بعد هذا؟ وأي شرِّ يأمنه؟ وكيف حياةُ عبدٍ حلَّت عليه لعنةُ اللهِ ومقتُه؟ وأعرض عنه بوجهه، ولم ينظر إليه؟!.

 ومنها: التأثير على الأعصاب،والمخ، وأعضاء التناسل، والدوسنتاريا، والتهابُ الكبد الفيروسي، بل كثيراً ما يؤدي إلى أمراض الشذوذ الخطيرة: كالزهري، والسيلان، والهربس، والإيدز.

أما الزنا فإنه يجمع خلال الشر كلَّها، من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة،ووأد الفضيلة؛ فالزنا سبب للفقر،ولذهاب حرمة فاعله وسقوطه من عين الله، وأعين عباده، والزنا يسلب صاحبَه اسمَ البرَّ، والعفيفِ، والعدلِ، ويعطيه اسمَ الفاجرِ، والفاسق، والزاني، والخائن.

ومن أضرار الزنا كذلك: الوحشةُ التي تُوضع في قلب الزاني، وهي نظيرُ الوحشةِ التي تعلو وجهَه؛ فالعفيفُ على وجهه حلاوةٌ، وفي قلبه أنسٌ، ومَنْ جالسه استأنس به، والزاني على العكس من ذلك تماماً.

ومنها: أنه يجرئ على قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وكسبِ الحرام، وظلمِ الخلق، وإضاعةِ المال، والأهل، والعيال.

ومنها: أنه يَذْهَبُ بكرامة الفتاة، ويكسوها عاراً لا يقف عندها، بل يتعداها إلى أسرتها؛ حيث تدخل العار على أهلها، وزوجها، وأقاربها، وتنكِّس به رؤوسهم بين الخلائق.

أما إذا حملت المرأةُ من الزنا، فقتلت ولدَها جمعت بين الزنا والقتل، وإذا حملته على الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبياً ليس منهم، فورثهم ورآهم، وخلا بهم، وانتسب إليهم.

ومنها: أن الزنا جنايةٌ على الولد،فإن الزاني يَبْذِرُ نطفته على وجه يجعل النسمةَ المخلَّقةَ منها مقطوعةَ النسبِ إلى الآباء، فكان الزنا سبباً لوجود الولد عارياً من الروابط التي تربطه بأدنى قربى يأخذون بساعده إذا زلَّت به نَعْلُه.

وفي الزنا جنايةٌ على الولدِ،وتعريضٌ له لأن يعيش وضيعاً بين الأمة، مدحوراً من كل جانب، فما ذنبُ هذا المسكينِ، وأيُّ قلبٍ يحتمل ذلك المصير.

ومن أضرار الفواحش والمعاصي:

أنها  سبب لحرمان العلم، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور.

ومنها: حرمان الرزق: وفي المسند (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)3.

ومنها: وحشة يجدها العاصي في قلبه، لا يوازنها ولا يقارنها لذة أصلاً, ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تفِ بتلك الوحشة.

ومنها: تعسر أموره.

ومنها: ظلمه يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم.

ومنها: أن الفواحش والمعاصي توهن القلب والبدن.

ومنها: أنها تقصر العمر وتمحق بركته.

ومنها: أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه.

قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، قال الله –تعالى-:{ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ } سورة الحج: من الآية18، وإن عظَّمهم الناس في الظاهر؛لحاجتهم إليهم؛أو خوفاً من شرهم, فهم في قلوبهم أحقرُ شيءٍ وأهونه.

ومنها: أن العبد لا يزال يرتكبُ الذنوب حتى تهون عليه وتصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك.

ومنها: أن المعصية تورث الذل,فإنَّ العزَّ كل العزِّ في طاعة الله-تعالى-.

ومنها: أن المعاصي تفسد العقل،فإن للعقل نوراً والمعصية تطفئ نور العقل4.

أخي الكريم: ما أقبح المعاصي،وما أضرها على الفرد والأسرة والمجتمع،لما تحويه من الأضرار المادية، والجسمية والعقلية.

أيها المرتكب للفواحش والمعاصي هل آن لك أن تقلع عنها بعد أن علمت أضرارها؟ إنني أظن فيك خيراً، فحاول جاهداً أن تقلع عنها، وتب إلى الله توبة نصوحا، و أقبل على الله-عزوجل- وأكثر من فعل الطاعات، فإن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين.

أجارنا الله وإياك -أخي القارئ والمسلمين جميعاً- من المعاصي والفواحش إنه سميع مجيب.

اللهم طهر مجتمعاتنا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وجنبنا المعاصي كلها صغيرها وكبيرها يا رب العالمين.

والله والهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين،،،


1 – أضرار المعاصي.

2 – ابن القيم الداء والدواء ص(292) .

3 – رواه ابن ماجه رقم(4022)، ورواه أحمد(5/277). والحاكم في المستدرك(1/493). وصححه، ووافقه الذهبي.

4 – راجع كتاب الداء والدواء لابن القيم ص(103-114).