التحفيظ عصمة للشباب

التحفيظ عصمة للشباب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد:

فإن مدارس ومراكز تحفيظ القرآن الكريم من المحاضن التربوية المهمة في الحفاظ على الشباب من الانحلال الخلقي، والمحافظة على أوقاتهم من أن تذهب سدى، وذلك أن في تلك المدارس يُعلَّمُ الشباب القرآن الكريم الذي به تهتدي القلوب، وتطمئن النفوس، وتهذب الأخلاق، وتصلح الأحوال، وذلك لأن القرآن يدعو إلى كل خير، ويحذر من كل شر، فهو يحث على التحلي بالآداب الإسلامية الرفيعة كالزهد في الدنيا، والسخاء والجود، وحسن الخلق، والحلم والصبر، والخشوع، والسكينة، والوقار، والتواضع، والخضوع، ويحذر من كل الأخلاق الرذيلة؛ كالحسد، والعجب، والرياء، واحتقار الناس، والترفع عليهم، وبالجملة فإن القرآن يحذر قارئه والعامل به من كل الشرور؛ فيعظم في نفوسه حرمة سفك الدماء؛ لأن الله قد قال في كتابه: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (سورة المائدة:32). ويدعو الناس إلى احترام بعضهم بعضاً، وأن يسعوا إلى إصلاح ما قد يقع بينهم من أخطاء؛ كما في قوله: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (سورة الحجرات:9).

والقرآن يؤدب حامله بالآداب الفاضلة فيأمره ببر الوالدين، وصلة الرحم، وإكرام الجار، والإحسان إلى المسلمين، والتعاون بين أفراد المجتمع على البر والتقوى كما قال: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (سورة المائدة:2).

والقرآن كذلك يهذب الألسن، ويمنعها من الأقوال البذيئة: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (سورة النور:23)، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (سورة الأحزاب:58)، وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا (سورة الحجرات:12).

والقرآن يرشد حامله إلى أن تكون معاملته مع ربه معاملة صادقة، يستوي فيها سره وعلانيته كما قال – تعالى -: قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ (سورة آل عمران:29).

والتحفيظ كذلك عصمة للشباب؛ لأن القرآن يحث حامله على العمل به؛ فيكون على أحسن، وأكمل الأحوال، وأكرم الشمائل؛ فقد جاء عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: “ينبغي لحامل القُرآن أن يُعرف بليلهِ إذا النَّاس نائمون، وبنهاره إذا النَّاس مفطرون، وبحزنه إذا النَّاس يفرحون، وببكائهِ إذا النَّاس يضحكون، وبصمتهِ إذا النَّاس يخوضون، وبخشوعه إذا النَّاس يختالون”، وعن الفضيل بن عياض – رحمه الله – قال: “حامل القُرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو؛ تعظيماً لحق القرآن”.

والتحفيظ عصمة للشباب لأن القرآن الكريم من اتبعه وعمل بما فيه فحرَّم حرامه، وأحلَّ حلاله، وحكَّمه وتحاكم إليه؛ فإنه يعيش عيشة هنيئة في دنياه وأخراه قال – تعالى -: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (سورة طـه:123)، وليس صحيحاً جملة وتفصيلاً ما يقوله بعض ذوي الألسنة الكاذبة، أو ما تكتبه تلك الأقلام الجائرة من إن حلق تحفيظ القرآن فرخت الإرهاب، وتخرج ونشأ من بينها إرهابيون، وقتلة، ومجرمون، وآثمون، وإن حلق تحفيظ القرآن حلق إجرامية في المجتمع، وما أشبه ذلك من الكلمات الجائرة الآثمة، فكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً، ولا شك أن هذه المقالة كاذبة، وخاطئة، وآثمة، ومن يحاول أو يفكر في إغلاق حلق تحفيظ القرآن فإنه يريد القضاء على القرآن، ولكن أنَّى له ذلك، وهو كذلك يريد القضاء على هذه النبتة الطيبة التي شعرنا بثمارها ومنافعها، ولمسنا آثارها في صلاح أبنائنا وبناتنا، واستقامة أحوالهم، وقوتهم في الإدراك والتحصيل، ورأينا كذلك من تخرج من هذه الحلقات من الشباب من أصبحوا أئمة، وخطباء مساجد، ودعاة ومرشدين، ومعلمين، ولله الحمد والمنة1.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


1للاستزادة انظر  التبيان في آداب حملة القرآن صـ (….) للإمام النووي – رحمه الله -، وانظر كذلك كلمة لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -، كما نشرت ذلك جريدة الرياض في عدد  الجمعة الموافق 18/3/1425هـ. نقلاً عن موقع صيد الفوائد عنوان الكلمة : “القرآن الكريم عصمة لمن تمسك به ونجاة من الفتن”.