فأنذرتكم ناراً تلظى

فأنذرتكم ناراً تلظى

 

نحمد الله العظيم ونشكره على عطائه الجسيم، ونصلي ونسلم على النبي الكريم، محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه القويم. أما بعد:

فإن الله تعالى قد أنذر الناس وحذرهم من مخالفة أمره وهداه وصراطه المستقيم، وتوعدهم إن هم فعلوا ذلك بالنار، فقال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (14-16) سورة الليل.

ومعنى (تلظى): أي تتوهج.

وعن سِماك بن حرب قال: سمعتُ النعمان بن بشير يخطب يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب يقول: (أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار) حتى لو أن رجلاً كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا. قال: حتى وقعت خَميصة كانت على عاتقه عند رجليه.1

وأعظم إنذار قام به النبي -صلى الله عليه وسلم- استجابة لأمر ربه بالإنذار، ما فعله على الصفا من إنذار قومه العذاب الأليم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما أنزلت هذه الآية {وأنذر عشيرتك الأقربين} دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قريشاً فاجتمعوا فعَمَّ وخَصَّ فقال: (يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنْ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا).2

فلقد أنذر -صلى الله عليه وسلم- وحذر، وبلغ البلاغ المبين، ولم يبق لأحد عذر في تخلفه عن الإسلام وعن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

إن النار التي أنذر النبي -صلى الله عليه وسلم- قومه تعدل سبعين جزءاً من نار الدنيا، ولهذا فهي نار تلظى لا يصلاها ويذوق حرارتها إلا الأشقى الذي كذب بالدين وسخر منه، وتولى عن طاعة الله تعالى.

وقد خطب النعمان بن بشير فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة رجلٌ توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منها دماغه).3

وفي صحيح مسلم عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن أهون أهل النار عذابًا من له نعلان وشراكان من نار يَغلي منهما دماغه كما يَغْلي المِرْجَل، ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا، وإنه لأهونهم عذاباً).

إخواني: لقد بين ربنا تعالى أن النار لا يدخلها إلا شقي تعيس فقال: {لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى} أي: لا يدخلها دخولاً يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى. ثم فسره فقال: {الَّذِي كَذَّبَ} أي: بقلبه، {وَتَوَلَّى} أي: عن العمل بجوارحه وأركانه.

قال الإمام مالك: صلى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب، فقرأ {والليل إذا يغشى} فلما بلغ {فأنذرتكم ناراً تلظى} وقع عليه البكاء، فلم يقدر يتعداها من البكاء، فتركها وقرأ سورة أخرى.

فهذا حال السلف الصالح -رضي الله عنهم- مع كلام الله تعالى، إن الخوف من الله قد سيطر على قلوبهم، وإن تذكر النار قد أذهب نومهم وراحتهم، وهكذا حال المؤمن بالله في كل زمان ومكان، لا يأمن مكر الله تعالى به، ولا يركن إلى زهرة الحياة الدنيا وهو في تقصيره وتفريطه ولهوه ولعبه..

ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً، إنها ساءت مستقراً ومقاماً، ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين..

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


1 رواه أحمد والدارمي والحاكم. وهو حديث حسن.

2 رواه مسلم والترمذي والنسائي وأحمد.

3 رواه البخاري ومسلم.