انتبه شهادة الزور

 

 

انتبه شهادة الزور

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد: فإن الشهادة وأداءها على وجهها شأنها في الدين عظيم، وقد أمر الله ​​​​​​​  في كتابه الكريم بإقامتها على وجهها بالحق، وعدم كتمانها بقوله: {وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (283) سورة البقرة. وفي المقابل حذر تحذيراً شديداً من شهادة الزور، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً}(الفرقان:72). وقال:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}(الحج:30). وقال:{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً}(المجادلة:2)بل جعلها الرسول   من أكبر الكبائر، وأشنعها وأقبحها، فعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه   قال: قال رسول الله : (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) قلنا: بلى يا رسول الله، قال:(الإشراك بالله، وعقوق الوالدين) وكان متكئاً فجلس، فقال: (ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور، وشهادة الزور)فما زال يقولها حتى قلت: لا يسكت”1 فأنت تجد أن النبي  قرنها بالشرك بالله، وبَيّن خطورتها بفعله وقوله، حيث كان متكئاً فجلس، ليبين شناعتها وعظم قبحها، ولقد تحدث النبي   عن الشرك وعقوق الوالدين، وهو متكئ لم يجلس، لأن الداعي إلى الشرك والعقوق ضعيفٌ في النفوس، لأنه مخالفٌ للفطرة والمروءة، لكنه جلس عندما تحدث عن شهادة الزور، لأن الداعي إلى شهادة الزور قويٌ وكبير، فالقرابة والصداقة، والغنى والفقر، وحظ النفس وهواها، كلها قد تحمل الإنسان على أن يشهد الزور، قال ابن حجر في قوله: “(وجلس وكان متكئاً) يشعر بأنه أهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئاً، ويفيد ذلك تأكيد تحريم الزور، وعظم قبحه، وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعاً على الناس، والتهاون بها أكثر، فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يصرف عنه الطبع، وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة، كالعداوة والحسد وغيرها،فاحتيج للاهتمام بتعظيمه، وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعاً، بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالباً”2 ولكن المؤمن العاقل حينما يعلم أن النبي   يحذّر من شهادة الزور هذا التحذير البليغ، لا يمكنه أن يقدم على شهادة الزور، مهما كانت الأسباب والدواعي، وعظّمها الرسول بقوله حين كرر القول بها حتى قال الحاضرون من الصحابة: لا يسكت، أو أنهم تمنوا أن يسكت، وعظّمها أيضاً حين صدّر القول عنها بأداة التنبيه (ألا)، وذلك أن بشهادة الزور تسفك الدماء، ويعتدى على الأموال، وتأخذ الحقوق بالباطل.

إن شهادة الزور مفسدةٌ للدين والدنيا معاً، وللفرد والمجتمع، ومعصيةٌ لله ورسوله،إنها كبيرة من الكبائر، وكذبٌ وبهتان وأكلٌ للمال بالباطل، وسببٌ لانتهاك الأعراض، وإزهاق النفوس، بل إن رسول الله   حذر من الزور وقوله والعمل به،فقال:(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)3. وقال عبد الله بن مسعود : “تعدل شهادة الزور بالشرك وقرأ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}(الحج:30)4 و عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: قدم رجل من العراق على عمر بن الخطاب    فقال: جئتك لأمر ماله رأس ولا ذنب (أي ذيل) فقال عمر: وما ذاك؟ قال: شهادة الزور ظهرت بأرضنا، قال: وقد كان ذلك؟ قال: نعم، فقال عمر بن الخطاب: و الله لايؤسر (لا يحبس) رجل في الإسلام بغير العدول”5.

فاحذروا أيها المسلمون من شهادة الزور، وإن زينها الشيطان لكم، فإنها تتعلق بحقوق الآخرين، وظلم عليهم، فهي من الديوان الذي لا يغفره الله إلا بعد التحلل، وإن لها تبعات خطيرة. جنبنا الله وإياكم شهادة الزور، وقول الزور، وسماع الزور وحضروه، إنه جوادٌ كريم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


1 – صحيح البخاري – (ج 9 / ص 135 – 2459)  وفي (ج 18 / ص 372 – 5519)  وفي (ج 21 / ص 160 – 6363) وفي (ج 21 / ص 237 – 6408)  وصحيح مسلم – (ج 1 / ص 241 – 126).

2 – فتح الباري لابن حجر – (ج 8 / ص 164)

3 – صحيح البخاري – (ج 6 / ص 472 – 1770) وفي (ج 18 / ص 495 – 5597)

4 –  رواه الطبراني في الكبير موقوفاً على أبن مسعود بإسناد حسن قال الألباني ( حسن موقوف ) انظر صحيح الترغيب والترهيب(ج 2 / ص 283 –  2301)

5 – السنن الكبرى للبيهقي – (ج 10 / ص 166)