ماذا أعددت ليوم الرحيل

 

 

ماذا أعددت ليوم الرحيل!

الحمد لله لله رب العالمين، قضى بالموت على الخلائق أجمعين، وميز العصاة من الطائعين، والصلاة والسلام على الرحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه الكرام الميامين.. أما بعد:

أيها الغافل في غيه! السادر في غفلته!

أين غاب العقل عن طريق الصواب أم غاب من خطر المصاب؟!

وأظنك أيها المسكين ستفيق إذا نبهك الواعظ الذي لا يكذب.. والزائر الذي لا يعرف اللعب!

الموت منبه الغافلين.. وموقظ الراقدين!

الموت زائر بلا ميعاد.. وداخل لا ينتظر الزاد!

أيها المذنب! ماذا أعددت له؟!

يا من أسكرتك لذة الشهوات.. وغرك زخرف الدنيا الكاذب! ماذا أعددت ليوم الرحيل؟!

يا من نسي غصص الموت.. وغفل عن مرارة كأسه!

يا من شغله عن مرائره لذة عاجلة.. وشهوة فانية !

أما علمت -أيها المسكين- أنك في دار لا يقر ساكنها .. ولا يدوم سرور قاطنها؟!

كانت للساكنين قبلك .. فورثتهم .. وستتركها إلى من يرثك!

قال بعض الحكماء:”من أخطأته سهام المنايا ، قيدته الليالي والسنون”!

أيها المذنب! لا نعيم مع الموت!

يا من سلكت سبيل الشياطين .. وعصيت أمر الرحمن؟!

إلى كم ستعمر في الدنيا؟! .. إلى كم سيصفو لك العيش؟! .. أتضن أنك ستخلد في دنياك؟!.. أما سمعت برحيل الراحلين؟!

قال مطرف بن عبد الله: “إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم ، فالتمسوا نعيماً لا تموتوا فيه”!

وقال الحسن البصري: “فضح الموت الدنيا، فلم يترك لذي لب فرحا”!

أيها المذنب! هل تذكرت الموت؟!

الموت أقلق قلوب الخائفين! وأذهب نضرة عيش المتقين!

فهل تذكرته يا راكب الذنب؟! ومتى يتذكر الموت من غفل قلبه عن الطاعات؟!

فيا ويل المقصرين إذا حلت سكرات الموت! وتحشرجت النفوس في الصدور!

يا من شغلتك الذنوب عن تذكر الموت! فإن أهل الطاعات في تذكر دائم للموت.. جعلوه نصب أعينهم، إذا أصبحوا نظروا إليه فتذكروه، وإذا قعدوا نظروا إليه فتذكروه!

قال هرم بن حيان لأويس القرني أوصني، قال: “توسد الموت إذا نمت، وأجعله نصب عينيك إذا قمت”!

أيها المذنب! أما لك في الجنائز عظة؟!

يا مشغولاً بالذنوب! وغافلاً مع الشهوات ! أما رأيت موت الخلائق؟! أما وعظتك جنائز الراحلين ؟!

كم في ذلك من عظة لصاحب القلب السليم! وكم في ذلك من عبرة لصاحب القلب الحي!

فعظ نفسك أيها الغافل برحيل من سبقك ! وازجرها عن غيرها بعظة الموت!

أيها المذنب -وكلنا مذنبون- احذر التسويف!

التسويف! أهلك المذنبين.. وأوبق المقصرين!

لا تزال النفس متطلعة إلى الإمهال، تقول: سوف أتوب ! سوف أتوب ! حتى يفجأها الموت بكأسه… وينزل بسكراته!

فاحذر -يا أخي- مصرع الغافلين.. وخاتمة المسوفين!واحذر أن تكون فيمن يقول: “يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين” (سورة الزمر:56)1

ألا يا غافلاً تحصى عليه من العمل الصغيرة والكبيره
يصاح به وينذر كل يوم وقد أنسته غفلته مصيره
تأهب للرحيل فقد تدانى وأنذرك الرحيل أخ وجيره
وكم ذنب أتيت على بصيره وعينك بالذي تأتي قريره
تحاذر أن تراك هناك عين وإن عليك للعين البصيره
وكم من مَدخل لو مُتَّ فيه لكنت به نكالاً في العشيره
وقيت السوء والمكروه منه ورحت بنعمة فيه ستيره2

أخي:

ألا فامهد لنفسك قبل موت فإن الشيب تمهيد الحمام
وقد جد الرحيل فكن مجداً بحط الرحل في دار المقام
يا خاطب الدنيا على نفسها إن لها في كل يوم خليل
ما أقـتل الدنيا لخطابها تقتلهم قدماً قتيلاً قتيل
تستنكح البعل وقد وطنت في موضع آخر منه بديل
إني لمغتر وإن البلى يعمل في جسمي قليلاً قليل
تزودوا للموت زاداً فقد نادى مناديه الرحيل الرحيل3

فاتق الله أيها الغافل عن الله، وأعد لنفسك أعمالاً صالحة تنجو بها يوم القيامة، {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(88-89) سورة الشعراء.

وعليك الاستعداد للقاء الله بالأعمال الصالحة، التي تقربك منه ،والحذر من الغفلة المهلكة، فإن الغفلة سبب في سوء الخاتمة، نسأل الله السلامة.

اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك.


 


1 نقلاً عن موقع/ الفراشة النسائي. بتصرف.

2 المدهش لابن الجوزي، (ص 515).

3 ذم الدنيا، لابن أبي الدنيا (ص86).