الدعاء بعد الأذان

الدعاء بعد الأذان

 

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أما بعد:

فإن أعظم سلاح يتسلح به المؤمن هو رفع أكفه الراغبة إلى الله – سبحانه وتعالى – رجاء مغفرته ورحمته، وخوفاً من عذابه ونقمته، مستجيباً لأمر ربه {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}1، ومضطراً إلى جوده وكرمه ولطفه لأنه ملاذ الهاربين، ومأمن الخائفين، وملجأ المضطرين {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَاَتذَكَّرُونَ}2.

ولما كان الدعاء هو السلاح العظيم الذي يناجى به الله – سبحانه وتعالى -، وهو الحبل الواصل بين العبد وربه؛ فقد حدد له النبي – صلى الله عليه وسلم – مواطن هي أحرى بالإجابة منها:

       الدعاء بالثلث الأخير من الليل عند نزول الرب – سبحانه – إلى السماء الدنيا، ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول:

أتهـزأ بالدعـاء وتزدريـه                  وما يدريك ما صنع الدعاء

سهام الليل لا تخطيء ولكن                   لها أمد وللأمـد انقضـاء

       ومن مواطن الاستجابة التي دلت عليها السنة: الدعاء عند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وعند إقامة الصلاة المكتوبة، كما يستحب بعد سماع الأذان الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً…))3.

ولكن المحظور ما يفعله بعض المؤذنين من رفع الصوت بهذه الصلاة بإيقاع يشبه إيقاع الأذان، لذا فقد حكم أكثر الفقهاء على أن أصل الصلاة والسلام سنة، والكيفية بدعة4.

أما عن الدعاء الوارد في السنة فهو:

1-      ما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً؛ غفر له ذنبه))5، وإن شاء قال: وأنا أشهد؛ لرواية وردت بزيادة"أنا"6.

2-      ما جاء في حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة؛ آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محمود7 الذي وعدته؛ حلت له شفاعتي يوم القيامة))8.

زيادات على هذا الدعاء ما حكمها:

1-      " إنك لا تخلف الميعاد" في آخر الدعاء، وهذه الزيادة جاءت في رواية البيهقي9، وقد اختلف فيها المحدثون هل هي ثابتة أم ليست بثابتة؟ فمنهم من قال بأنها غير ثابتة لشذوذها وهم الأكثر؛ لأن أكثر رواة الحديث لم يرووا هذه الكلمة، ومنهم من يرى أنها ثابتة10.

2-      "اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة" تقال في أول الدعاء، وهذه أيضاً جاءت في رواية البيهقي، والقول فيها كالقول في سابقته11.

3-      "والدرجة الرفيعة" أو "والدرجة العالية الرفيعة" أو "الدرجة العالية الرفيعة في الجنة" أو "يا أرحم الراحمين" قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – بعد أن ساق الحديث: "وليس في شيء من طرقه ذكر "الدرجة الرفيعة"12، وقال السخاوي: "لم أره في شيء من الروايات"13.

وبهذا يعلم خطأ بعض المذيعين بالإذاعات المسموعة الذين يرددون هذه الزيادة مع الدعاء الوارد؛ لأنها لم تثبت وليس لها أصل كما ذكر المحققون من العلماء، والله أعلم.

اللهم آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه، مقاما محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد، والحمد لله أولاً وآخراً.


1 غافر (60).

2 النمل (62).

3 رواه مسلم برقم (385).

4 الفتاوى الكبرى الفقهية لابن حجر (ج1 ص191)، ومجموع فتاوى ابن تيمية (ج22 ص470).

5 رواه مسلم برقم (386).

6 رواه مسلم برقم (386).

7 قال النووي: هذا الصحيح بدون التعريف الذي تذكره كتب الفقه؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أراد التأدب مع القرآن، وحكاية لفظه. المجموع (ج3 ص124)، لكن ابن حجر تعقبه وقال: قد جاءت رواية التعريف عن علي بن عياش شيخ البخاري عند النسائي، وعند ابن خزيمة، والطحاوي، والطبراني، والبيهقي. راجع فتح الباري (ج2 ص113)، ونيل الأوطار (ج2 ص55).

8 رواه البخاري برقم (614).

9 السنن الكبرى للبيهقي (ج2 ص 174).

10 انظر المقاصد الحسنة السخاوي ص254، والشرح الممتع لابن عثيمين (ج2 ص83).

11 إرواء الغليل (ج1 ص261).

12 التلخيص الحبير (ج1 ص 518- 519).

13 المقاصد الحسنة ص354.