الوزن والميزان

 

 

الوزن والميزان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان..أما بعد:

 فإن الله يزن الأعمال يوم القيامة بميزان حقيقي، لا يقدر قدره إلا الله، فعن سلمان – رضي الله عنه – عن النبي   قال: “يوضع الميزان يوم القيامة، فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت. فتقول الملائكة: سبحانك عبدناك حق عبادتك1.

والحكمة في وزن الأعمال هو بيان كمال عدله – تعالى-.وهو ميزان دقيق لا يزيد ولا ينقص، قال الله – تعالى-: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}2.

وقال -تعالى-: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ}3

وقال الله: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}4.

وقداختلف العلماء هل الميزان واحد أم متعدد، وذلك تبعاً لوروده في القرآن مفرداً وجمعاً، ولكن الذي رجحه المحققون من أهل العلم كابن حجر وابن عثيمين أن الميزان واحد، ولكنه متعدد باعتبار الموزون5.

والذي يوزن هو العامل وعمله وصحف أعماله، وهذا ما رجحه العلامة حافظ حكمي حيث قال بعد أن ساق الخلاف وأدلة كل قول: والذي أستظهر من النصوص – والله أعلم- أن العامل وعمله وصحيفة عمله كل ذلك يوزن؛ لأن الأحاديث التي في بيان القرآن قد وردت بكل من ذلك ولا منافاة بينها، ويدل لذلك ما رواه الإمام أحمد في قصة صاحب البطاقة عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – مرفوعاً بلفظ ” توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل فيوضع في كفةٍ ويوضع ما أحصى عليه فيمايل به الميزان، يقول: لا تعجلوا فإنه قد بقي له، فيؤتى ببطاقة فيها لا إله إلا الله فتوضع مع الرجل في كفة حتى يميل به الميزان” . فهذا الحديث يدل على أن العبد يوضع هو وحسناته وصحيفتها في كفة وسيئاته مع صحيفتها في الكفة الأخرى، وهذا غاية الجمع بين ما تفرق ذكره في مسائل أحاديث الوزن- ولله الحمد والمنة-6.

ولتعلم – رعاك الله – أن أثقل عمل العبد في الميزان حسن الخلق، فعن أبي الدرداء –رضي الله عنه – عن النبي   قال: ” إن أثقل شيء يوضع في ميزان العبد يوم القيامة خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء7.

وكذلك مما يثقل الميزان التسبيح والتحميد، فعن أبي هريرة  – رضي الله عنه – أن النبي  قال: “كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم 8.

وعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله  : ” الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن “أو تملأ” ما بين السماء والأرض9.

والحمد لله رب العالمين. سبحانك الله وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.


1 – رواه الحاكم وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (941).

2 – الأنبياء (47)

3 – الأعراف (8-9).

4 – القارعة (6-9).

5– انظر فتح الباري 3/537، وفتاوى ورسائل ابن عثيمين 3/179.

6– معارج القبول 2/848-249.

7 – رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وهو في المشكاة برقم (5081).

8 – رواه البخاري ومسلم.

9 – رواه مسلم.