العمل الصالح عند فساد الزمان

العمل الصالح عند فساد الزمان

 

الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى، ونستعينه، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

الأعمال الصالحة من الأمور التي حث عليها الشارع الحكيم، والتي فتح الله -عز وجل- الباب على مصراعيه للتزود بصالح الأعمال، {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}1، وحث على فعل الخير، والتزود من الصالحات، وأن أي عمل يقوم به العبد يعلمه سبحانه {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}2، وهذا العمل الصالح، مرفوع إلى الله -تبارك وتعالى- كما قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}3يرفع العمل الصالح الكلم الطيب، "قوله -تبارك وتعالى-:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} يعني الذكر والتلاوة والدعاء، قاله غير واحد من السلف.

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى، إن العبد المسلم إذا قال سبحان الله وبحمده والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر تبارك الله، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن إلى السماء فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا واستغفروا لقائلهن حتى يجيء بهن وجه الله -عز وجل-، ثم قرأ-رضي الله عنه-:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} وقال كعب الأحبار: إن سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر لدوياً حول العرش كدوي النحل يذكرن لصاحبهن والعمل الصالح في الخزائن، وهذا إسناد صحيح إلى كعب الأحبار رحمة الله عليه، وقد روي مرفوعاً.

وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذين يذكرون من جلال الله من تسبيحه وتكبيره وتحميده وتهليله، يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل، يذكرن بصاحبهن، ألا يحب أحدكم أن لا يزال له عند الله شيء يذكر به))، وقوله تعالى: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: الكلم الطيب ذكر الله تعالى، يصعد به إلى الله -عز وجل-، والعمل الصالح أداء الفريضة، فمن ذكر الله تعالى في أداء فرائضه حمل عمله وذكر الله تعالى به إلى الله عز وجل، ومن ذكر الله تعالى ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله، فكان أولى به، وكذا قال مجاهد: العمل الصالح يرفعه الكلام الطيب، وكذا قال أبو العالية وعكرمة وإبراهيم النخعي والضحاك والسدي والربيع بن أنس وشهر بن حوشب وغير واحد"4، ولا بد عند العمل من احتساب الأجر من الله -عز وجل-، والصبر على المكاره، وفي زمننا هذا، يعيش المسلمون في زمن كثرت فيه الفتن على المؤمنين، وأعظمها أن يفتن المرء في دينه، فلا يجد من هو على شاكلته إلا القليل النادر، فيكون تمسكه بتعاليم الدين وشرائعه عند فساد من حوله كالقابض على الجمر تحرقه ولا يلقيها حفاظاً عليها، ولهذا فعند فساد الزمان يعظم أجر العبادة لله تعالى حتى يكون كأجر الهجرة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأحب العبادات ما داوم عليها صاحبها وإن قلت.


1 سورة التوبة(105).

2 سورة البقرة(197).

3 سورة فاطر(10).

4 تفسير ابن كثير(3/662) بتصرف.