شروط الصلاة

شروط الصلاة

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

 أما بعد:

تتوقف صحة الصلاة على شروط وأركان معينة لابد من توفرها.

وقبل الشروع في ذكر هذه الشروط بتعريف الشرط.

فالشرط في اللغة: العلامة.

وشرعاً: ما يلزم من عدمه العدم،ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدمٌ لذاته.

والشروط نوعان:شروط تكليف أو وجوب،وشروط صحة أو أداء.

أولاً: شروط وجوب الصلاة:

فالصلاة تجب على كل مسلم بالغ، عاقل، ولا يكون عنده مانع كالحيض والنفاس(1).

فالشرط الأول: الإسلام

فتجب الصلاة على كل مسلم ذكر أو أنثى،فلا تجب على كافر عند الجمهور وجوب مطالبة بها في الدنيا؛لعدم صحتها منه،لكن تجب عليه وجوب عقاب عليها في الآخرة؛ لتمكنه من فعلها باعتناق الإسلام،وذلك لأن الكافر عند الجمهور مخاطب بفروع الشريعة أو الإسلام في حال كفره،ولا تجب عند الحنفية،بناء على مبدئهم في أن الكافر غير مطالب بفروع الشريعة،لا في حكم الدنيا ولا في حكم الآخرة(2).

الشرط الثاني: البلوغ

فلا تجب على الصبي؛لقوله-صلى الله عليه وسلم-:(رُفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ،وعن النائم حتى يستيقظ،وعن الصبي حتى يحتلم)(3).

ويُؤمر الصغيرُ ذكراً أو أنثى بالصَّلاةِ، تعويداً له،إذا بلغ سبع سنين،ويُضرب على تركها إذا بلغ عشر سنين؛لقوله-صلى الله عليه وسلم-:(مُروا أولادَكُم بالصَّلاةِ،وهم أبناءُ سبع سنين،واضربُوهم عليها وهم أبناءُ عشر سنين،وفَرِّقُوا بينهم في المضاجعِ)(4).

الشرط الثالث: العقل

فالصلاة لا تجب عند الجمهور، على المجنون والمعتوه، ونحوهما كالمغمى عليه إلا إذا أفاقوا في بقية الوقت؛لأن العقل مناط التكليف،والرسول-صلى الله عليه وسلم- يقول:(رُفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم)(5).

الشرط الرابع: زوال الموانع أو الأعذار في أثناء وقت الصلاة:

فإذا زالت الموانع أو الأعذار وجبت الصلاة، فإذا بلغ الصبي، أو أفاق المجنون، أو طهرت الحائض أو النفساء، أو أسلم الكافر وجبت عليه الصلاة.

وفي القول الأظهر عن الحنابلة والشافعية أنه إذا بقي قدر تكبيرة الإحرام فأكثر، وجب قضاء الصلاة،كما يجب عند جمهور الفقهاء غير الحنفية قضاء الصلاة الأخرى التي يمكن جمعها مع الصلاة التي زال المانع في وقتها.

وأما المالكية فقالوا: إن أدرك قدر خمس ركعات في الحضر،وثلاث في السفر من وقت الثانية وجبت الأولى أيضاً؛ لأن قدر الركعة الأولى من الخمس وقت للصلاة الأولى في حال العذر، فوجبت بإدراكه، كما لو أدرك ذلك من وقتها المختار، بخلاف ما لو أدرك دون ذلك.

وإن أدرك قدر ركعة فقط،وجبت الأخيرة وسقطت الأولى، وإن بقي من الوقت ما يسع أقل من ركعة، سقطت الصلاتان.

وقال الحنفية:لا تجب إلا الصلاة التي زال المانع في وقتها وحدها؛لأن وقت الأولى خرج في حال العذر،فلم تجب،كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئاً(6).

 

ثانياً: شروط صحة الصلاة:

ويُشترط لصحة الصلاة الإسلامُ والتمييزُ والعقلُ،وكذلك شروط أخرى تتوقَّفُ عليها صحة الصلاة،ولا تصحُّ إلا بها،وإذا عُدِمَتْ أو بعضُها،لم تصح الصلاة، وهي:

الشرط الأول: دخول وقتها:

فلا تصح الصلاة بدون معرفة الوقت؛لقوله -تعالى-:((إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)) سورة النساء: 103.

قال ابن عباس: "أي مفروضاً"، وقال أيضاً: "إن للصلاة وقتاً كوقت الحج"، وكذا روي عن مجاهد وسالم بن عبد الله وعلي بن الحسين ومحمد بن علي والحسن ومقاتل والسُّديُّ وعطية العَوْفيُّ،قال عبدُ الرَّزاق عن معمر عن قتادة: ((إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً))،قال ابن مسعود: "إن للصلاة وقتاً كوقت الحج"(7).

وقال البخاري في صحيحه: "كتاب مواقيت الصلاة، وقوله -عز وجل-: ((إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً)) وقَّته عليهم".

وقال الشيخ صالح الفوزان: "أي مفروضاً في أوقات محددة، فالتوقيتُ هو التحديد، وقد وقَّت اللهُ الصلاةَ، بمعنى: أنه سبحانه حدَّدَ لها وقتاً من الزمان،وقد أجمع المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتاً مخصوصةً محدودةً لا تجزئ قبلها.

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (الصلاة لها وقت شرطه الله لها لا تصح إلا به)(8).

فالصلاة تجب بدخول وقتها؛ لقوله تعالى: ((أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا))سورة الإسراء: 78"(9).

الشرط الثاني: الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر:

وتكون الطهارة بالوضوء والغسل،أو التيمم لمن لم يجد الماء أو عجز عنه،أو لم يقدر على استخدامه.قال-تعالى-:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا))سورة المائدة: 6.

وعن ابن عمر-رضي الله عنهما-: أن النبي-صلى الله عليه وسلم-،قال:(لا يقبل اللهُ صلاةً بغيرِ طُهورٍ) رواه الجماعة إلا البخاري.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-،قال: سمعت النبي-صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) متفق عليه.

الشرط الثالث: طهارة البدن والثوب والمكان:

يُشترط لصحة الصلاة الطهارة عن النجس الذي لا يُعفى عنه في الثوب والبدن والمكان، فالمصلي لابُدَّ أن يبتعدَ عن النجاسةِ،إلا إذا عجز عن إزالتها، فإنه يُصلِّي معها، لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.

والنجاسة: قذرٌ مخصوص يمنع جنسه الصلاة،كالميتة، والبول،والغائط.قال-تعالى-: ((وثيابك فطهر))المدثر: 4.

وعن أنس-رضي الله عنه-أنه قال:إن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال:(استنزهُوا من البولِ؛فإنَّ عامة عذابِ القبرِ مِنْهُ) رواه الدارَقطنيُّ(10).

وأمر-صلى الله عليه وسلم-المرأة أن تغسل ثوبها إذا أصابه دمُ الحيض وتصلي فيه،فعن أسماء بنت أبي بكر-رضي الله عنها-،قالت جاءتِ امرأةٌ إلى النَّبيِّ-صلى الله عليه وسلم-، فقالت:إنَّ إحدانا يُصيب ثوبَها من دمِ الحيضة،كيف تصنع به؟ قال:(تحته،ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه،ثم تصلي فيه)متفق عليه.

 وأمر بصبِّ الماءِ على بولِ الأعرابيِّ الذي بالَ في المسجدِ،فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قام أعرابيٌّ فبال في المسجد فتناوله الناس، فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دعوه وهريقوا على بولِهِ سَجْلاً مِنْ ماءٍ، أو ذَنُوباً من ماءٍ، فإنَّما بُعثتم مُيسِّرين ولم تُبعثوا مُعسِّرينَ) رواه البخاري.

فهذه الأحاديث دالة على شرطية طهارة ثوب المصلي وبدنه ومكانه من النجاسات.

الشرط الرابع: ستر العورة:

ومن شروط الصلاة ستر العورة،وهي ما يجب تغطيته،ويقبح ظهوره،ويُستحيا منه،قال اللهُ-تعالى-:((يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)) سورة الأعراف: 31.

قال ابن عباس: المراد به: الثياب في الصلاة(11).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:(لا يقبل الله صلاة حائض، إلا بخمار)رواه أبو داود والترمذيُّ،وحسَّنَهُ(12).

قال ابن عبد البر:(أجمعوا على فساد صلاة مَنْ ترك ثوبه،وهو قادرٌ على الاستتار به، وصلى عُرْياناً)(13).

ولا خلاف في وجوب ستر العورة في الصلاة وحضرة الناس، وكذا في الخَلوة على الصحيح من أقوال أهل العمل؛ وذلك لحديث معاوية بن حيدرة القشيري أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال:(احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينُك)، قال: قلت: فإذا كان القومُ بعضُهم في بعض؟ قال:(فإن استطعت أن لا يرينها أحد، فلا يرينها)، قال: قلت: فإذا كان أحدنا خالياً؟ قال: (الله أحق أن يستحيا منه من الناس) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه(14).

حد العورة:

اتفق العلماء على أنَّ الفرجينِ عورةٌ،وأنَّ السُّرَّة ليستْ بعورةٍ(15)،وأنَّ عورةَ الرَّجُلِ ما بين السُّرَّة والرُّكبةِ،وأنَّ عورةَ المرأة في الصلاةِ ما عدا الوجه والكفَّينِ، وما عَدَا القدمين عند الحنفية، وأن عورتها خارج الصلاة جميع بدنها.

وأما الركبة فالجمهور على أنها ليست بعورة، ولكن يجب ستر شيء منها ومن السرة؛ لإنها مقدمة الواجب، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب(16).

الشرط الخامس: استقبال القبلة:

اتفق العلماء على أن استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة، لقوله-تعالى-:((قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ)) سورة البقرة: 144.

لكن إذا عجز عن استقبالها لسبب خوف، أو كان مربوطاً أو مصلوباً، فيصلي على حسب استطاعته لأن هذا الشرط يسقط بإجماع أهل العلم عند العجز.

أما الصلاة إذا كانت نافلة،وهو يصلي على الدابة فلا يُشترط فيها استقبال القبلة كما هو ثابت عن النبي-صلى الله عليه وسلم-.

الشرط السادس: النية:

والنية من شروط الصلاة عند الحنفية والحنابلة، وكذا عند المالكية على الراجح، وهي من فروض الصلاة، أو أركانها عند الشافعية، ولدى بعض المالكية.(17)

والنية في اللغة: القصد.

وفي الشرع: العزم على فعل العبادة تقرباً إلى الله- تعالى-.

ومحل النية القلب؛ فلا يحتاج إلى التلفظ بها؛ بل التلفظ بها بدعةٌ على الصحيح،لم يفعله رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-،ولا أصحابه،فينوي بقلبه الصلاة التي يُريدها،كالظهر أو المغرب،أو صلاة نافلة؛وذلك لقول النبي-صلى الله عليه وسلم-كما في حديث عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-:(إنما الأعمال بالنيات)متفق عليه.

وتكون النية مع تكبيرة الإحرام؛لتكون النية مقارنة للعبادة،وإن تقدمت بزمن يسير في الوقت،فلا بأس، وتستمر النية في جميع الصلاة، فإن قطعها أثناء الصلاة، بطلت الصلاة(18).

هذه هي شروط الصلاة التي إذا أديت بها تكون صحيحة،وإذا اختل منها شرط كانت الصلاة باطلة،لأنها غير مستوفيه لشروطها. والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين.


1 – مُغني المُحتاج (1/130)، والمُغني لابن قدامة (1/396-401).

2 – راجع: الفقه الإسلامي (1/567).

3 – رواه أحمد وأبو داود والحاكم، وصححه الألباني، انظر: صحيح أبي داود, رقم (3701).

4 – رواه أحمد وأبو داود والحاكم، وصححه الألباني، انظر صحيح أبي داود رقم (466).

5 – رواه أحمد وأبو داود والحاكم، وصححه الألباني، انظر صحيح أبي داود رقم (3701).

6 – راجع الفقه الإسلامي (1/567).

7 – تفسير ابن كثير (1/551).

8 – المحلى (2/239).

9 – الملخص الفقهي (1/102-103).

10 – قال الحافظ ابن حجر: "رواته ثقات مع إرساله" تلخيص الحبير (1/158).

11 – راجع تفسير ابن كثير (2/211).

12 – وقال الألباني: صحيح، انظر صحيح الجامع رقم (7747).

13 – الملخص الفقهي (1/107).

14 – وصححه الألباني، انظر صحيح أبي داود رقم (3391)، وصحيح ابن ماجه رقم (1559).

15 – هذا ما قاله وهبة الزحيلي في الفقه الإسلامي (1/595) ولكن في كتب أهل العلم أثبت بعضهم الخلاف في السرة هي  من العورة، أم لا؟ قال ابن العثيمين في "الشرح الممتع على زاد المستقنع": وفي المسألة أقوال:

أحدها: أن الرُّكبة داخلة في العَوْرة فيجب سَتْرها.

القول الثاني: أن السُّرَّة والرُّكبة كلتيهما من العَوْرَة فيجب سترهما.

القول الثالث: وهو المشهور من المذهب – أن السُّرَّة والرُّكبة لا تدخلان، فلا يجب سترهما، وعلى هذا؛ فالعبارة التي تخرجهما أن يقال: «ما بين السُّرَّة والرُّكبة».

16 – راجع الفقه الإسلامي (1/595)

17 – راجع الفقه الإسلامي (1/611).

18 – راجع الملخص الفقهي (1/118).