فتاوى رسول الله

فتاوى رسول الله عليه الصلاة والسلام

 

الحمد لله الذي بعث إلينا رسولاً رؤوفاً رحيما، ونور الأرض بدينه الذي أظهره على الدين كله تشريفاً منه وتكريما، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.. أما بعد:

فإن فتاوى النبي -صلى الله عليه وسلم- في مهمات الدين، ومقامات الشريعة كثيرة جداً لا تحصى كثرة، وقد جمع ابن القيم رحمه الله شيئاً كثيراً من ذلك في كتابه الشهير الفريد في موضوعه والمسمى "إعلام الموقعين عن رب العالمين" وذلك في آخر أبواب وفصول الكتاب، نسأل الله له الأجر وعظيم الثواب..

وسنأخذ من ذلك في كل باب جزء منه مما صح، مع أن الحصر لذلك يحتاج إلى مئات الصفحات، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.

وسنختار من تلك الأحاديث ما ثبت في البخاري ومسلم أو ما صح مما جاء في غيرهما ولا نحتاج في كل حديث إلى تحقيق وتدقيق لكثرة النصوص، وإنما يتم الالتزام بإيراد الأحاديث الصحيحة.

فتاوى رسول الله عليه الصلاة والسلام في العقيدة:

سئل -صلى الله عليه وسلم- عن رؤية المؤمنين ربهم -تبارك وتعالى- فقال: (هل تضارون في رؤية الشمس صحواً في الظهيرة ليس دونها سحاب؟) قالوا: لا، فقال: (هل تضارون في رؤية القمر البدر صحواً ليس دونه سحاب؟) قالوا: لا، قال: (فإنكم ترونه كذلك) متفق عليه.

وسئل عن مسألة القدر وما يعمل الناس فيه أمر قد قضى وفُرغ منه أم أمر يستأنف؟! فقال: (بل أمر قد قضى وفُرغ منه) فسئل حينئذ: ففيم العمل؟ فأجاب بقوله: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فييسر لعمل أهل الشقاوة) ثم قرأ قوله تعالى: {فأما من أعطى واتقى) إلى آخر الآيتين. ذكره مسلم.

وسئل أين يكون الناس يوم تبدل الأرض؟ فقال: (على الصراط) وفي لفظ آخر (هم في الظلمة دون الجسر) فسئل من أول الناس إجازة؟ فقال: (فقراء المهاجرين) ذكره مسلم. وسئل عن قوله تعالى: (فسوف يحاسب حساباً يسيراً) فقال: (ذلك العرض) ذكره مسلم.

وسئل عن أول طعام يأكله أهل الجنة فقال: (زيادة كبد الحوت) فسئل: ما غذاؤهم على أثره؟ فقال: (ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها) فسئل: ما شرابهم عليه فيها؟ فقال: (من عين فيها تسمى سلسبيلاً) ذكره مسلم.

وسئل صلوات الله وسلامه عليه: كيف يحشر الكافر على وجهه؟ فقال: (أليس الذي أمشاه في الدنيا على رجليه قادر أن يمشيه في الآخرة على وجهه؟!) متفق عليه.

وقيل له: يا رسول الله الرجل يحب القوم ولمَّا يعمل بأعمالهم! فقال: (المرء مع من أحب) متفق عليه.

وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: (الأجوفان: الفم والفرج) وعن أكثر ما يدخلهم الجنة؟ فقال: (تقوى الله وحسن الخلق) رواه الترمذي.

وسئل: أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: (الصلاة على وقتها) وفي لفظ (لأول وقتها) قيل: ثم ماذا؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) قيل: ثم ماذا؟ قال: (بر الوالدين) رواه مسلم.

وسئل عن قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} (64) سورة يونس. فقال -صلى الله عليه وسلم-: (هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له) رواه أحمد والترمذي.

وسئل عن البر والإثم، فقال: (البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر) رواه الإمام أحمد.

فتاوى رسول الله عليه الصلاة والسلام في الطهارة:

سئل رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- عن الوضوء بماء البحر فقال: (هو الطهور ماؤه والحل ميتته) رواه أهل السنن.

وسئل عن الماء يكون بالفلاة وما ينوبه من الدواب والسباع فقال: (إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.

وسئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) متفق عليه.

وسئل عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء؟ فقال: (ذاك المذي، وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة) رواه أبو داود.

وسألته فاطمة بنت أبي حبيش فقالت: إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: (لا، إنما ذلك عرق وليس بحيضة، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي) متفق عليه.

وسألته أم سليم فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نعم، إذا رأت الماء) فقالت أم سلمة: أو تحتلم المرأة؟ فقال: (تربت يداك! فيم يشبهها ولدها!) متفق عليه.

وسألته أم سلمة فقالت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه بغسل الجنابة؟ فقال: (لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء) ذكره مسلم وعند أبي داود: (واغمري قرونك عند كل حفنة).

وسألته امرأة فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة، كيف تصنع به؟ فقال: (تَحتُّه ثم تقرضه بالماء ثم تنضحه، ثم تصلي فيه) متفق عليه.

وسئل عن الوضوء فقال: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا إن تكون صائماً) رواه أهل السنن.

وسأله عمرو بن عنبسة فقال: كيف الوضوء؟ قال: (أما الوضوء فإنك إذا توضأت فغسلت كفيك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أظافرك وأناملك، فإذا تمضمضت واستنشقت وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين ومسحت رأسك وغسلت رجليك اغتسلت من عامة خطاياك كيوم ولدتك أمك) رواه النسائي.

وسئل عن المسح على الخفين فقال: (للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة) رواه أحمد أهل السنن.

وسأله أبو ذر: إني أغرب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة؟ فقال: (إن الصعيد الطيب طهور ما لم تجد الماء عشر حجج، فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك) رواه أحمد.

فتاوى رسول الله عليه الصلاة والسلام في الصلاة:

سأله ثوبان النبي -صلى الله عليه وسلم-  عن أحب الأعمال إلى الله تعالى؟ فقال: (عليك بكثرة السجود لله عزوجل، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط بها عنك خطيئة) ذكره مسلم.

وسئل عن وقت الصلاة، فقال للسائل: (صل معنا هذين اليومين) فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حتى غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر، وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال: (أين السائل عن وقت الصلاة؟) فقال الرجل: أنا يا رسول الله، فقال: (وقت صلاتكم ما رأيتم) ذكره مسلم.

وسئل: هل من ساعة أقرب إلى الله من الأخرى؟ قال: (نعم، أقرب ما يكون الرب عز وجل من العبد جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن) رواه النسائي.

وسأله رجل فقال: لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن فعلمني ما يجزيني؟ فقال: (قل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله) فقال: يا رسول الله هذا لله فما لي؟ فقال: (قل: اللهم ارحمني وعافني واهدني وارزقني) فقال بيده هكذا وقبضها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أما هذا فقد ملأ يديه من الخير) رواه أبو داود وأحمد.

وسأله عمران بن حصين وكان به بواسير عن الصلاة فقال: (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنبك) ذكره البخاري.

وسأله عثمان بن أبي العاص فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بين صلاتي وبين قراءتي يلبسها عليَّ، فقال: (ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله واتفل على يسارك ثلاثاً) قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله. ذكره مسلم.

وسأله رجل فقال: أصلي في ثوبي الذي آتي فيه أهلي؟ قال: (نعم، إلا أن ترى فيه شيئاً فتغسله) رواه أحمد.

وسئل عن الصلاة في الثوب الواحد قال: (أوكلكم يجد ثوبين!) متفق عليه.

وسأله سلمة بن الأكوع: يا رسول الله إني أكون في الصيد فأصلي وليس عليَّ إلا قميص واحد؟ فقال: (فزره وإن لم تجد إلا شوكة) ذكره أحمد.

وسأله أبو ذر عن أول مسجد وضع في الأرض، قال: (المسجد الحرام) فقال: ثم أي؟ قال: (المسجد الأقصى) فقال: كم بينهما؟ قال: (أربعون عاماً، ثم الأرض لك مسجد حيث أدركتك الصلاة فصلِّ) متفق عليه.

وسئل عن الالتفات في الصلاة، فقال: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) رواه البخاري.

وسأله أبو ذر عن الكلب الأسود يقطع الصلاة دون الأحمر والأصفر، فقال: (الكلب الأسود شيطان) رواه مسلم.

وسأله رجل من الأنصار فقال: أخبرنا عن يوم الجمعة ماذا فيه من الخير؟ فقال: (فيه خمس خلال: فيه خلق آدم، وفيه أهبط آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا أعطاه إياه ما لم يسأل إثماً أو قطيعة رحم، وفيه تقوم الساعة فما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبال ولا حجر إلا وهو مشفق من يوم الجمعة) ذكره أحمد والشافعي.

وسئل عن صلاة الليل فقال: (مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة) متفق عليه. وسئل: أي الصلاة أفضل؟ قال: (طول القنوت) رواه مسلم.

وسئل: أي القيام أفضل؟ قال: (نصف الليل، وقليل فاعله) رواه مسلم.

فهذه بعض فتاوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العقيدة والطهارة والصلاة.. وهناك فتاوى كثيرة في كل أبواب الفقه الإسلامي، والموضوع طويل جداً جداً، ومن أراد المزيد من هذا الكنز الهائل والعمل الطائل فليراجع كتاب ابن القيم إعلام الموقعين، فإنه قد حاز الشرف في هذا المجال.

نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، ونعوذ بالله من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن أذن لا تسمع.. اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، ونسألك نعيماً لا ينفد وإيماناً لا يرتد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.