هول الْمُطَّلع

 

 

هول الْمُطَّلع ( البعث)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبعه ووالاه، أمابعد:

إخواني: إن يوم القيامة يوم شديد، وفجائعه تذهل كل عقل رشيد، وطوامه تجعل الولد يشيب، وتضع كل ذات حمل حملها،  {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } (2) سورة الحـج ، إنه يوم عظيم كألف سنة مما تعدون. من هول ذلك اليوم: أنه يوم تقع فيه الواقعة، وتقرع فيه القارعة، وتحق فيه الحاقة، ويجاء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، ويسمع لها شهيق وزفير!! يكاد ينفصل بعضها عن بعض من الغيظ، نعوذ بالله منها :{رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}(65،66)سورة الفرقان.

إخواني: إن أمامكم يوم تشقق فيه السماء بالغمام، وتنزل الملائكة تنزيلاً. {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا *  يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا}(27 ،28) سورة الفرقان {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى*وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى}(35،36)سورة النازعات،{يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} (23) سورة الفجر، يوم الحسرة وأي حسرة أفجع من تلك الحسرة؟! يوم يقول العاصي يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله.

أخي تصور! كم من مفرط ومقصر في العالم؟! احذر أن تكون منهم فتتحسر كما تحسروا،{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}(30) سورة آل عمران،{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ* وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}(17-19) سورة غافر، يومٌ تقع فيه الطامة الكبرى {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى* وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى*  فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}(37-41) سورة النازعات.

وسميت بالطامة؛لأنها تطمُّ على كل أمر هائل مفظع، لعظم شدائدها وكربتها، فالويل لمن أخزته أعماله، وسودت وجهه أمام الحكم العدل، وقوله:{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى}(36) سورة النازعات، يعني أبرزت وأظهرت للناظرين، يرونها عياناً بياناً، فعند رؤيتها تشيب مفارق الولدان! وتبلغ القلوب الحناجر من شدة الروع والرعب والهول.

إخواني: اتقوا يوم الصاخة {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ*لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}(34-37) سورة عبس، يا حسرتاه: كيف تنقلب الأمور، وكيف تتقطع الأسباب والأنساب.. تلك الأم الرحيمة بابنها،الشفيقة عليه يفر منها يوم القيامة!!… ذلك الأخ الشقيق الحميم، أو الصديق الرحيم، يترك أخاه ويهرب منه الذي طالما أحبه وساعده وآزره في الحياة الدنيئة!! يا حسرتاه على تلك الزوجة التي يهرب منها زوجها، وهي تطلب منه أن يعينها وأن يساعدها بشيء من الحسنات للنجاة! وكان طالما رافقها، وعاشرها، وجلس معها كنفس واحدة..

يا لوعتاه! من ذلك الموقف الرهيب، هذا الأب الذي طالما نفع ابنه ورباه، وأعطاه ومنحه، وتعب عليه، يهرب منه بعيداً.. كيف يصير الحال، وكيف يكون المقال، وكيف تظهر الأعمال؟.

آه آه من يوم تبيض فيه وجوه وتسود وجوه، يوم تبيض وجوه أهل السنة والوفاق والائتلاف،وتسود وجوه أهل البدع والنفاق والاختلاف.

إخواني: كيف الأمن؟! وهذا الفاروق يقول: لو أن لي طلاع الأرض ذهباً وفضة لافتديت بها، كيف الأمن من هول ما أمامي حتى  أعلم الخبر؟!.. لما طعن عمر قال لابنه: ضع خدي على الترب، فوضعه.. فبكى حتى لصق الطين بعينيه، وجعل يقول: ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي.! واعجباً من خوف عمر مع كماله وأمنك مع نقصانك. يا مسدود الفهم بكثرة الشواغل احضر قلبك لحظة للعظة.. يا جامداً على وضع طبعه تحرك إلى قطر التذكرة.. يا عبد الطمع طالع ديار الأحرار.. يا عظيم الجرأة يا كثير الانبساط، أما تخاف عواقب هذا الإفراط؟.. يا مؤثر الفاني على الباقي غلطة لا كالأغلاط.. ألك صبر يقاوم ألم السياط؟.. ألك قدم يصلح للمشي على الصراط؟ أيعجبك لباس الصحة؟ كلا، وثوب البِلا يخاط؟ كم تعزم على طاعة وتوبة، يا ليلي الهوى ما تبصر توبة، تبيت من العزم في شعار أويس، فإذا أصبحت أخذت طريق قيس!1 تنقضي عرى العزائم عروة عروة، وكل صريع في الهوى رفيق عروة 2. كم فارقت كثيراً من الأعزة؟ وما يرجع كثير عن حب عزة!.3

واأسفاه من حياة على غرور، وموت على غفلة، ومنقلب إلى حسرة، ووقوف يوم الحساب بلا حجة.

يا هذا.. مثل نفسك في زاوية من زوايا جهنم وأنت تبكي أبداً، وأبوابها مغلقة، وسقوفها مطبقة، وهي سوداء مظلمة. لا رفيق تأنس به. ولا صديق تشكو إليه ولا نوم يريح ولا نفس.4

أخي: هل سمعت ماذا قال نبيك عن يوم الجزاء والحساب، اسمع.. قال رسول الله  : (يحشر الناس حفاة عراة غرلاً) قالت عائشة: يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! فقال: (الأمرأشد من أن يهمهم ذاك!) رواه البخاري.

وقال  : ( يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم). رواه البخاري.

وقال : (اتقوا النار)! ثم أعرض وأشاح، ثم قال:( اتقوا النار) ثم أعرض وأشاح ثلاثاً، حتى ظننا أنه إليها، ثم قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة). رواه البخاري.. هل سمعت خبراً عجيباً؟.. عندما يجاء بالموت على صورة كبش، فيجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موت، يا  أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم،ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم..:

مـثِّل لنفسك أيها المغـــرور يوم القيامة والسماء تمــور
إذ كورت شمـس النهار وأدنيت  حتى على  رأس العباد تسـير
وإذا النجوم تسـاقطت وتناثرت   وتبدلت بعد الضيـاء كـدور
وإذا البحار تفجرت من خوفهـا  ورأيتها مثل الجحيم تفــور
وإذا الجبال  تقلعـت بأصولهـا  فرأيتها  مثل السحاب تسـير
وإذا العشـار تعطلت  وتخربـت خلت الديار فما بها معمـور
وإذا الوحوش لدى القيامة أحشرت وتقول للأمــلاك أين تسير
وإذا تقــاة المسلمين  تزوجـت  من حور عين زانهن شعــور
وإذا الموؤدة سئلت عن شــأنها  وبأي ذنــب قتلها ميسـور
وإذا الجليل طوى  السما بيمينـه  طي السجــل  كتابه المنشور
وإذا الصحائف نشرت فتطـايرت  وتهتكـت للمؤمنين ســتور
وإذا السماء تكشطت  عن أهلها ورأيت أفــلاك السماء تدور
وإذا الجحيم تسعـــرت نيرانها  فلها على أهل الذنوب زفــير
   وإذا الجـنين بأمـه متعــلق يخشى القصاص وقلبه مذعـور
هذا بلا ذنب يخاف لهولـــه كيف المصر على الذنوب دهور

نسأل الله -تعالى- أن يرحمنا في ذلك اليوم الشديد، وأن يجعلنا فيه من الفائزين.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.


1– المقصود: أويس القرني المؤمن التقي ، وقيس هو الشاعر الضال المشهور بحب ليلى.. والمقصود هنا: أن بعض الناس يمسي عازماً على التوبة كأنه أويس رضي الله عنه، وإذا أصبح تغير حاله ونسي التوبة وعاد إلى الشر والفساد والخناء كأنه قيس ليلى، وهذا دليل على التخبط وعدم الصدق في التوبة.  

2– هو الشاعر عروة المشهور بالغزليات.

3– عزة هي محبوبة الشاعر الضال كثير الذي كان مولعاً ومشغولاً بها عن ما خلق له.. وهذا الكلام المسجوع المؤثر نقلته من كلام ابن الجوزي من كتابه (المدهش ) ومقصود المؤلف أن كثيراً من الناس في غفلة عن الله تعالى واليوم الآخر بحب الملهيات والمحرمات كما كان يفعل هؤلاء الشعراء القدامى..

4-انظر المدهش لابن الجوزي.