النوم عن صلاة الفجر

النوم عن صلاة الفجر

 

الحمد لله الذي جعل الصلوات خير موضوع من الأعمال، وأمر بإحسانها في الأفعال والأقوال، وحض على المحافظة والمداومة عليها، إلا ما كان ممنوعا في بعض الأحوال لا سيما عند إقامة الصلاة فإنه ممنوع فعل ذلك كما صح عن سيد أهل الكمال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والجلال، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، المنعوت بأشرف الخصال، نبينا المصطفى، رسولنا المجتبي الموصوف بأنواع الفضل والكمال، صلى الله عليه وسلم صلاة ذاكية ما دام الشمس والهلال، وعلى آله المطهرين وأصحابه المخلصين، والأئمة الأبرار المقتفين به في الأقوال والأحوال 1  أما بعد: –

فإن من الظواهر السيئة والبوادر الخطيرة التي تنذر بالخطر والعقوبة وتبعث على الخوف وتستدعي منا الوقوف والتأمل ومعرفة الأسباب والعلاج ما نراه من تخلف كثير من المصلين عن صلاة الفجر وأداؤها في غير وقتها ولعل السبب في ذلك الغفلة عن أهمية الصلاة عموماً ومنها صلاة الفجر، وكذلك السهر الطويل و العكوف على أجهزة اللهو الساعات الطوال، ولقد كان أباؤنا وأجدادنا إلى زمن ليس بالبعيد يحرصون أشد الحرص على النوم مبكرين فيغلقون بيوتهم بعد صلاة العشاء ويتخففون من الطعام فيقوم الواحد منهم لصلاة الفجر وهو طيب النفس لذلك عاشوا عيشة هنيئة مليئة بالاستقرار النفسي والصحي وأحسوا بطعم الحياة، ولما دخلت علينا المدنية الحديثة أفسدت علينا ديننا ودنيانا فكان من نتيجة ذلك أن دب الكسل والخمول في النفوس وترهلت الأجسام وتراكمت الشحوم عليها وقلت البركة والحركة وكثر نوم الإنسان وعجز عن القيام ببعض الأعمال البسيطة فيا ترى ما هي الأسباب والوسائل التي تعين العبد على الاستيقاظ لصلاة الفجر ؟

من هذه الأسباب أولاً: استشعار فضل صلاة الفجر وما ورد في أدائها من الأجر العظيم والثواب الجزيل، وما ورد في ذم تاركها مع الجماعة ومؤخرها عن وقتها من الزجر والتوبيخ من ذلك ما رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة كأنما قام الليل كله)رواه مسلم. ولا يخفى علينا الحديث الذي رواه الإمام البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: ذكر عند الرسول صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح قال: (ذاك رجل بال الشيطان في أذنه، أو قال: أذنيه) والبول حقيقي كما قال الإمام القرطبي. فهو يبول وينكح ويتناسل بكيفية لا يعلمها إلا الله عز وجل: وإذا أردت أن تتحقق من هذا فانظر إلى وجوه الذين يأتون للأعمال ولم يشهدوا صلاة الفجر مع الجماعة أنظر إلى وجوههم في أول الدوام. إذا رأيت وجوههم تستعيذ بالله من شانهم وماذا يكون حال إنسان بال الشيطان في أذنيه ؟!! ومن الأسباب التي تدفع الإنسان لحضور صلاة الفجر  العلم بأن المتخلف عن صلاة الفجر ربما يوصف بالنفاق فعلى المسلم أن يحرص على أن ينفي عن نفسه صفة المنافقين فإن حضور صلاة الفجر مع الجماعة دليل على قوة الإيمان والبراءة من النفاق لمشقة هذا الوقت على النفس لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم:(إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً)2. ويقسم الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود فيقول: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق" 3.  وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن4. وإذا أردت أن تزن إيمان الرجل ومدى صدقه وإيمانه فانظر إلى حاله مع صلاة الفجر فإن كان ممن يشهد صلاة الفجر مع الجماعة فذلك مؤشر على قوة إيمانه، وإذا كان لا يشهدها مع الجماعة فهذا برهان على خلل في إيمانه وقسوة قلبه واستسلامه لنفسه وهواه  وانهزامه أمام نفسه، وإذا كان الرجل يشهد صلاة الفجر فلنشهد له بالإيمان فهي المحك على صدق إيمان العبد لأنه حقق أكبر انتصار وهو انتصاره على نفسه وتغلبه على لذة النوم والفراش.

ومن الأسباب المعينة على الاستيقاظ لصلاة الفجر الحرص على النوم مبكراً وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها. وقد استثني من ذلك حالات منها: ما ذكرها الإمام النووي في شرحه على مسلم فقال رحمه الله: سبب كراهة الحديث بعدها أن يؤدي إلى السهر ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو في وقتها المختار أو الأفضل، والمكروه من الحديث بعد صلاة العشاء هو: ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها، أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه كمدارسة العلم وحكايات الصالحين ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم والحديث في الإصلاح بين الناس و الشفاعة إليهم في خيرٍ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك فكل هذا لا كراهة فيه 5.

اللهم وفق المسلمين للمحافظة على صلاة الفجر إنك سميع مجيب الدعاء..

والحمد لله رب العالمين..6


1 مقدمة كتاب إعلام أهل العصر بأحكام ركعتي العصر لأبي الطيب أبادي.

2    رواه مسلم برقم 252                  

3 رواه مسلم

4 رواه البزار والطبراني وابن خزيمة انظر صحيح الترغيب والترهيب 169

5  شرح النووي على مسلم

6 راجع رسالة بعنوان جبر الكسر في الأسباب المعينة على صلاة الفجر