حكم إمامة المعاق

حكم إمامة المعاق

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فإن أعظم نعمة امتن الله بها علينا هي نعمة هذا الدين الحنيف، وقد أمرنا الله -تعالى – بعبادته وحده لا شريك له، والالتزام بأوامره، ومن أعظم الأوامر التي أمرنا الله بها الصلاة التي هي عمود الدين، وأمر سبحانه وتعالى أن تؤدى الصلاة إذا دخل وقتها مهما كانت ظروف العبد، ولكنه سبحانه كلف الإنسان بما يستطيع، فأوجبها في الحضر أربعاً، وفي السفر قصَرَهَا إلى اثنتين، وفي الخوف يصليها الناس رجالاً وركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها، والقيام فيها يسقط بعذر المرض، فيصليها المريض جالساً، فإن لم يستطع فعلى جنبه، إلى غير ذلك من الرخص.

ولكن لو صلى المعاق بالناس فما حكم إمامته؟

المعاق إما أن يكون إماماً لمثله فهذا لا إشكال فيه، وإما أن تكون إمامته لصحيح فهذا النوع له حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون عاجزاً عن القيام، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:

أولها: أن الصلاة تصح خلفه، ويصلون خلفه قياماً، وهو قول أبي حنيفة1 والشافعي2، ودليلهم حديث عائشة – رضي الله عنها – في قصة مرض النبي – صلى الله عليه وسلم – وفيه ((أنه – صلى الله عليه وسلم – خرج وأبو بكر يؤم الناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن لا يتأخر، وجلس إلى جنب أبي بكر، فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والناس بصلاة أبي بكر، والنبي – صلى الله عليه وسلم – قاعد))3، وقالوا إن هذا الحديث ناسخ لحديث عائشة وأنس الآتيين.

القول الثاني: أن الصلاة لا تصح خلفه وهو قول مالك4، ودليله: ما رواه البيهقي عن الشعبي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا يؤمَّنَّ أحدٌ بعدي جالساً))5.

القول الثالث: أن الصلاة خلفه صحيحة إلا أنه إن ابتدأ الصلاة قاعداً صلى من خلفه قعوداً، وإذا ابتدأ الصلاة قائماً ثم عجز في أثناء الصلاة عن القيام أتم من خلفه قياماً، وهو قول الإمام أحمد6، وبه أفتى الشيخ محمد العثيمين – رحمه الله –7. واستدلوا على أنه إن ابتدأ الصلاة قاعداً صلوا خلفه قعوداً بحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : صلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بيته وهو شاكٍ، فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً))8، واستدلوا على أنه إذا ابتدأ الصلاة قائماً ثم عجز بحديث عائشة السابق وفيه: ((أنه – صلى الله عليه وسلم – خرج وأبو بكر يؤم الناس …)).

والراجح – والله أعلم – هو القول الثالث جمعاً بين الأدلة، والجمع أولى من الترجيح.

الحالة الثانية: أن يكون العجز عن الركوع والسجود لا عن القيام، وقد اختلف فيه هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أن الصلاة خلفه لا تصح، وهو قول الحنفية9 والمالكية10 والحنابلة11، واستدلوا بتعليلات: منها أن صلاة العاجز عن الركوع والسجود ناقصة، وصلاة من خلفه كاملة، ولا يصح بناء الكامل على الناقص، وعللوا عدم الصحة أيضاً بأن العاجز أخل بركن لا يسقط في النافلة فلا يجوز الائتمام به للقادر قياساً على ائتمام القاري بالأمي إذ لا تصح.

القول الثاني: أن الصلاة خلفه صحيحة وهو قول الشافعي12، وهو اختيار العلامة السعدي13، والشيخ محمد العثيمين رحمهم الله14، ودليلهم القياس على العاجز عن القيام، إذا كل منهما عجز فعلي في الصلاة.

والراجح والله أعلم القول الثاني وذلك لما يلي: تعليل أصحاب القول الأول لا يسلم أن صلاة العاجز ناقصة بل أدى ما أمر به حسب الاستطاعة، وأما تعليلهم الثاني فهو قياس مع الفارق، فالأمي عاجز عن ركن قولي، بخلاف العاجز عن الركوع والسجود فعجزه عن ركن فعلي فهو كالعجز عن القيام الذي ورد به الإذن.

والله أعلم.


1– البحر الرائق (1/382).

2– المجموع للنووي (4/145).

3– صحيح البخاري (1/236)، وصحيح مسلم (1/311).

4– حاشية الخرشي على خليل (2/24).

5– سنن البيهقي الكبرى (3/80)، برقم (4854)، وقال علي بن عمر: لم يروه غير جابر الجعفي، وهو متروك، والحديث مرسل لا تقوم به حجة.

6– هذا إذا كان إمام الحي، الإنصاف (2/260).

7– الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/320).

8– صحيح البخاري (1/149)، برقم: (371)، صحيح مسلم (1/308).

9– البحر الرائق (1/382).

10– حاشية الخرشي على خليل (2/24).

11– الروض المربع (1/250)؛ الشرح الكبير (2/40).

12المجموع للنووي (4 /145).

13– المختارات الجلية (49).

14الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/320).