فن الإلقاء

 

 

فــن الإلقـاء

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحابته الأطهار.. أما بعد:

لقد حث الإسلام على فن الإلقاء، وسما به من خلال جعْله أسلوباً من أساليب الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، بل وكان من أكبر الوسائل لتوصيل الأفكار للناس، وتأصَّل هذا الموضوع، ودخل في شكل العبادة عندما فرضت صلاة الجمعة وخطبتها، فأصبح للمسلمين لقاء أسبوعي لهذا الشكل من أشكال الفن.

ونعني بـ(فن الإلقاء): الحديث الإقناعي وفن مخاطبة الجماهير، من خلال خطبة الجمعة والمحاضرة والمدارسة والدورة والخاطرة وغير ذلك من أشكال الإلقاء.

والهدف الأساسي من هذه العملية هو: توصيل المعلومة للمستمعين عن طريق المشافهة.

وإليكم بعض عناصر الموضوع:

أولاً: كيف نبدأ الإلقاء؟

(لا يكفي أن يعرف المرء ما ينبغي أن يقال، ولكن يجب أن يقوله كما ينبغي).1 وينبغي أن يراعى الآتي:

1- اختيار الموضوع: ويشمل:

أ- المقدمة: وتشمل:

-ربط الموضوع باحتياجات المستمعين.

-ذِكْر الفكرة المركزية، وتلخيص النقاط الرئيسية للموضوع.

-جَذْبُ الانتباه من قِبَلِ المستمعين.

ب- أهمية الموضوع.

ب- جدة الموضوع وحداثته.

ج-  القدرة على معالجة الموضوع.

2- القواعد العامة لفن الإلقاء: أهمها:

* السير من المعلوم إلى المجهول.

* التدرج من البسيط إلى المركب.

* التدرج من المحسوس إلى المعقول.

3- الخاتمة: ويراعى فيها الآتي:

أ- جذب الانتباه مرة أخرى.

ب- أعد التذكير بالفكرة المركزية.

ج-اختم بالحمد لله -تعالى- والاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ثانياً: مراعاة مبادىء فن الإلقاء: ومنها:

1-وضوح الهدف: أي تحديده، مع مراعاة جودة الأساليب، والقدرة على تنفيذها.

2-تقوية الدافع إلى التعلم: أي التعلم بالترغيب والترهيب، وبالقصص، وضرب الأمثال، وذِكْرِ الإحصائيات.

3-التكرار: أي تكرار الحديث حيث يحسن ذلك منه، نظراً لحاجة المستمعين إلى ذلك؛تجنباً للملل والرتابة.

4-الانتباه في عمليات استيعاب المعلومات والأحداث الهامة.

5-الرفق بالمستمعين على اختلاف ثقافاتهم.2

ثالثاً: مقومات فن الإلقاء: منها:

1- النبوغ: وهو نوعان:

أ- الفطري.     ب- التعلمي الصناعي.

أ- النبوغ الفطري: أي الموهبة الغريزية التي تمهد للمهارة في فن الإلقاء، فتتجلى في كثير من النواحي والصفات، ومن ذلك: القوة المعنوية في شخصية الملقي، والصوت الواضح،وطريقة الأداء، وغير ذلك.

ب-النبوغ التعلمي المكتسب الصناعي: فهذا يتطلب إعداد المادة العلمية، والإلمام بها، والتحضير والحفظ والفهم وغير ذلك، وأن يحرص على تجنب الارتجالية في الإلقاء إن كان لا يجيد المادة الملقاة.

2-عدم البدء في الإلقاء إلا بعد أن يسود النظام والهدوء في مكان الملقى فيه.

3-التزام المعاملة الحسنة.3

رابعاً: اتخاذ الأسلوب الأنسب في الإلقاء:

عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- أن رجلاً خطب عند النبي   فقال: (من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى). فقال رسول الله  : (بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله).4

وعلق الإمام النووي -رحمه الله- على هذا الحديث فقال: (..وسبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح، واجتناب الإشارات والرموز).5

وينبغي مراعاة  -على أقل تقدير- الآتي:

أ- الصوت: ويستخدم على حسب الكلام ومواقعه، فعلى سبيل المثال: الصوت في خطبة الجمعة يكون مرتفعاً، فعن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته،واشتدّ غضبه، حتى كأنه منذر جيش..).6

 قال النووي -رحمه الله-: (قوله: (إذا خطب احمرت عيناه) يستدل بها على أنه يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة، ويرفع صوته، ويجزل كلامه، ويكون مطابقاً للفصل الذي يتكلم فيه من ترغيب أو ترهيب، ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمراً عظيماً..).7

ب- الحركة: كحركة اليدين -مثلاً-، فقد استخدم النبي   الإشارة كما في قوله  : (التقوى هاهنا، التقوى هاهنا) ويشير إلى صدره).8

وقد استخدمت مريم -عليها السلام- الإشارة مع قومها: (فأشارت إليه) (مريم/29). فكان ردهم: (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً).(مريم/29).

وينبغي في الأسلوب مراعاة الجمع بين الأمور الآتية:

1- بين العامية والفصحى.

2- مع النحو والصرف.

3- بين البلاغة والوضوح.

4- مع الالتزام والابتكار.

والمتحدِّث الجيد: يستخدم حقيقة، أو اقتباسا، أو مثالاً واحداً على الأقل، كل دقيقتين أثناء حديثه.9

خامساً: ضوابط مهمة في عملية الوعظ:

من أهم أشكال فن الإلقاء: الوعظ. وهذا الأسلوب له ضوابطه، منها:

أ- الاعتماد على الكتاب والسنّة.

ب- في الصحيح غنية عن الضعيف.

ج- تعاهد الناس بالموعظة.

د- الحذر من المبالغة والتهويل وتقنيط الناس.

و- البلاغة بلا تكلف.

ز- استغلال المناسبات والأحداث.

ل- الهيمنة بالتأثير الوعظي على المخاطبين.10

الخلاصة:

فن الإلقاء من الأمور المهمة في الدعوة إلى الله -عزوجلّ-، فلابد من إتقانه حتى يسهم في رفع المستوى الدعوي، واستقطاب الكثير من الناس،وإقناعهم بالحق، بطريقة متميزة وأسلوب مؤثّر وجذّاب، وكل ذلك موجود في الشرع الحنيف، وفي كلام سلفنا الصالح، وتراثنا الأصيل.11

وفي الختام: نسأل الله أن يبصّرنا بعيوبنا، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ونستغفر الله العظيم.


1– لقاء الجماهير د.أكرم رضا. ص254- 250).

2– علم النفس التربوي. د.أحمد زكي صالح.ص478).بتصرف.

3– الموجه الفني. عبد العليم إبراهيم.ص 23- 24). بتصرف.

4– رواه مسلم. ح(870).

5– شرح مسلم.ح(870).بتصرف.

6– رواه البخاري الفتح(2/405).ومسلم واللفظ له ح(867)

7– شرح مسلم (6/153) ح(867).

8– رواه البخاري(5143).ومسلم واللفظ له (4/1986).

9– لقاء الجماهير.د.أكرم رضا.(ص255- 260).

10– إرشاد اللبيب فيما يحتاجه الإمام والخطيب. تركي حسين عزي (ص27).

11– للمزيد أنظر (المدارس والكتاتيب القرآنية). المنتدى ص22).