الشعر والشعراء

 

 

الشعر والشعراء

الشعر مهارة من المهارات الكريمة إذا سخر في الدعوة إلى معالي الأمور، والتنزه عن دنيئها، وقد ورد في الشرع المطهر ذم الشعر والشعراء من جهة ومدحهم من جهة أخرى، فذم الله -تعالى- في كتابه الكريم الشعر المسخر في الشر والكذب، والقول بلا عمل بأن يكون كلاماً فارغاً وأبياتاً خاوية من العمل والحقيقة! ويدخل في هذا هجاء المسلمين الذي يؤدي إلى الفرقة والإضرار بالآخرين، ومنه المدح الكاذب أو المدح في الوجوه المنهي عنه، ومنه التفاخر بغير الإسلام، كالفخر بالأحساب والطعن في الأنساب، لهذاقال -تعالى-: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ) (الشعراء:224-226). ثم عقَّب بعد ذلك بمدح الشعراء المؤمنين الصالحين؛ لأن شعرهم حسن،فهو يصبُّ في صالح الدين من الدفاع عن المسلمين،وهجاء الكافرين، والانتصار به على العدو في المعارك الكلامية،ولهذا قال-تعالى-:(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواوَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(الشعراء:227).

وقد كان للرسول شعراء يذودون عن حمى الدين،ويدافعون به عن حرمات المسلمين،فهذا حسان بن ثابت-رضي الله عنه-يستأذن النبي في هجاء مشركي قريش وذمهم،فقال له رسول الله : (فكيف بنسبي) فقال حسَّان: لأسلنك منهم كما تُسلُّ الشعرةُ من العجينِ) رواه البخاريُّ ومسلم،ولما هجا أبو سفيان المسلمين قبل أن يسلم،طلب رسول الله  من الشعراء أنْ يردُّوا عليه، فقال عبد الله بن رواحة شعراً فلم يُعجب النبي  ، ثم دعا كعب بن مالك فهجاهم فلم يُرضِ ذلك رسول الله، ثم دعا حسان بن ثابت -رضي الله عنه- وأخرج حسان لسانه وجعل يحركها ورسول الله   يقول: (إن روح القدس يؤيدك ما نافحت عن الله وعن رسوله)، وقد هجا حسان المشركين بقصيدته الجميلة، والتي منها:

هجوتَ محمداًَ فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
هجوتَ محمَّداً براً حَنِيفاً   رسول الله شيمتُهُ الوفاء

إلى أن قال:

فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصــره سواء
وجبريل رســول الله فينا وروح القدس ليس له كِفاء

فقال رسول الله  : (هجاهم حسان فشفى واشتفى) رواه مسلم.

فهذا موقف من المواقف التشجيعية على الشعر الحسن الذي ينزل على المشركين وأهل الفسق كالصواعق القاتلة.. وينبغي للمسلم أن يترفع عن ابتداء المشركين والفسقة بالهجاء إلا إذا بدؤوا بالذم، فإن الرد عليهم يكون حسناً؛ لفعل النبي  .

وهذا المقام ليس مقام بسط القصائد الشعرية فهي كثيرة جداً، ولكن المقصود بيان أهمية الشعر، والتفريق بين الشعر الحسن والشعر القبيح، وما ورد من النصوص النبوية في ذم الشعر فإنما يُحمل ذلك على الشعر القبيح، كما تقدم.

وهذه المهارة عزيزة في زماننا؛ نظراً لانتشار العامية بين الناس، وضياع العربية الفصحى في واقع الناس، حتى لو وجد شعر فكثير منه باللهجات العامية، التي تحمل الغث من المصطلحات والألفاظ الركيكة، وإن كان طلاب العلم والدعاة وكثير من المثقفين قدنحو نحواً جيداً في الاهتمام بالشعر الفصيح، فهو مبشر خير لعودة اللغة الفصحى إلى واقع الناس.

وهذه المهارة إذا وجدت عند بعضِ الشباب فينبغي على كُلِّ المشرفين ومُدراء المساجد وغيرهم أن يُشجِّعوهم عليها، ويُحفِّزوهم بأنواع المحفِّزاتِ المادية والمعنوية، وأنْ يعملوا جاهدين للرفع من شأن الشاب الجيد الذي يتقن مهارة الشعر.. فما أحوجنا اليوم إلى الداعية الذكي الذي يألفه الناس، ويؤثر في قلوبهم بمختلف الوسائل! ومنها البيان الذي هو نوع من أنواع السحر الذي يأخذ بالألباب، ومن البيان والبلاغة الشعر الحسن.

فهذه نصيحة عامة أردت بها التنبيه إلى أهمية الشعر في الصراع القائم بين الحق والباطل على مدى التاريخ، وفي التأثير في قلوب الناس، وهي أيضاً تنبيه لإخواني ليفرقوا بين الشعر الحسن وبين الشعر السيئ؛ لأن بعض الناس يقرأ النصوص التي وردت في ذم الشعر فيظن أن الشعر مذموم بإطلاقه، مردداً الآية السابقة التي ذكرناها أو بعض الأحاديث، ولا ينظر في بقية النصوص التي تشجع على الشعر وتحث عليه إذا كان في خدمة الدين.

نسأل الله أن يستخدمنا في خدمة دينه، وإبلاغ رسالاته، ونصح العباد.. إنه هو الولي الحميد.