بَدْءُ الأذان

بَدْءُ الأذان

 

الحمدُ للهِ الملكِ الدَّيَّان،رفع قدرَ أهلِ العلمِ والإحسانِ،وجَعَلَ من الإيمان الصَّدحَ بكلماتِ الأذانِ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله عظيم الشأن،وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله،المبعوث إلى الإنس والجان، فصلى اللهُ عليه،وعلى آله وأصحابه الذين أجابُوا مُنادي الرَّحمنِ .

أمَّا بعدُ:

فإنَّ من خصائص هذه الأمَّةِ الأذان للصلوات الخمس،فالأذانُ من أظهر الشعائر الإسلاميَّة لهذه الأمة، وهو العَلَامة الدَّالَّة المفرِّقة بين دار الإسلام ودار الكفر،وشعار للإسلام وأهله،حيث يُنادى به كل يوم وليلة خمس مرات،فهو مرتبط بأعظم أركان الإسلام والإيمان-بعد الشهادتين-،وأجلّ قواعد الإيمان الصلاة التي ميَّزت أهل الإسلام والإيمان،من أهل الكفر والطُّغيان.

تعريف الأذان:

الأذان في اللغة:اسم يقوم مقام الإيذان،وهو المصدر الحقيقي،والأذان اسم التأذين، كالعذاب اسم التعذيب.

والأذان والتأذين: النداء إلى الصلاة،وهو الإعلام بها وبوقتها.

أما تعريفه في الاصطلاح، فقد جاء تعريفه في كتب الفقه في جميع المذاهب وهي متقاربة، ويمكن أن نخلص بهذا التعريف :الأذان: هو إعلام بوقت الصلاة المفروضة، بألفاظ مخصوصة(1).

بدء الأذان:

 اختلف العلماء في تحديد سنة بدء الأذان،حيث ذكر العلماء أن الأذان والإقامة شُرِعَا بالمدينة في السنة الأولى من الهجرة(2)،وقيل إنهما شرعا في مكة قبل الهجرة(3)،وقيل إنهما شرعا في السنة الثانية من الهجرة(4).

الأدلة الواردة في بدء مشروعية الأذان:

إن ذكر أدلة الخلاف في بدء مشروعية الأذان ومناقشتها يطول، وإننا قد اقتصرنا هنا على الصحيح من القول مع الأدلة، ولم نأتِ بدليل لقول من الأقوال غير الصحيحة؛ لأنه ليس مكاناً لبسطه هنا، فمن أراد أن يطلع عليها فليراجع كتاب "أحكام الأذان والنداء والإقامة".دراسة فقهية مقارنة: رسالة ماجستير، تأليف سامي بن فرج الحازمي.

 حديث عبد الله بن عمر-رضي الله عنه-قال:"كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيَّنون(5)الصلاة لينادى لها،فتكلموا يوماً في ذلك،فقال بعضهم: اتخذوا ناقُوساً مثلَ ناقوسِ النَّصَارَى،وقال بعضُهم: بل بوقاً مثلَ قَرْنِ اليهودِ،فَقَالَ عُمَرُ: أو لا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:(يا بلال،قُمْ فنادِ بالصَّلاةِ)(6).

ترجم البخاري-رحمه الله-لهذا الحديث باب بدء الأذان،وقوله-عز وجل-:{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}(المائدة:58)، وقوله-تعالى-:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}الجمعة: من الآية9)، فكأن البخاري-رحمه الله-يشير بهذه الآيات المدنية إلى أن ابتداء مشروعية الأذان كان بالمدينة وحديث ابن عمر صريح في ذلك.

ويتبين لنا من حديث ابن عمر هذا فائدتان:

أولاً: أن النداء للصلاة لم يُشرع إلا بالمدينة بعد مقدم رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إليها،فكل ما روي من أن الأذان شُرع بمكة أو ليلة الإسراء نبَّه الحافظُ ابن حجر في الفتح(ج2/ص79). على عدم صحة شيء من هذه الروايات.

ثانياً: أن النداء الذي أمر به النبي-صلى الله عليه وسلم-بلالاً-بعد مشاورته أصحابه واختلافهم في كيفية الدعوة إلى الصلاة-لم يكن بألفاظ الأذان المشروع؛ لأن الأذان المشروع لم يؤذن به بلال إلا عقب رؤيا عبد الله ابن زيد، وهذا واضح لمن تدبر سياق الواقعتين (أي حديث ابن عمر، ورؤيا عبد الله بن زيد) فحديث ابن عمر فيه أن عمر كان موجوداً وقتما حصلت المشاورة، بل كان هو المشير بالنداء المذكور في الحديث حيث قال " أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة" وأما واقعة عبد الله بن زيد فكان عمر في بيته حين سمع النداء المشروع،فسارع إلى المسجد ليخبر النبي-صلى الله عليه وسلم-بأنه رأى في منامه مثل هذا الأذان. فتبين بهذا أنهما واقعتان في وقتين مختلفين.

ثم إنه من خلال هذا يكون النداء للصلاة قد مرَّ بمراحل ثلاث:

أولاً: أن الصلاة لم يكن يُنادى لها بالمرة،وكان هذا منذ فرضت بمكة حتى مقدم المدينة،فكان المسلمون في تلك الفترة يتحينون أوقات الصلوات فيجتمعون ويصلون.

ثانياً: نداء بلال بألفاظ مطلقة،وهذا على أثر مشاورة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أصحابه، في شأن جمع المسلمين لصلاتهم،فأشار عمر-رضي الله عنه-ببعث مَن يُنادي للصلاة في أول الوقتِ فاطمأنَّ النَّبيُّ-صلى الله عليه وسلم-لذلك بعد أنْ كان هم بصنع ناقوس مع كراهته له، فأمر بلالاً بما أشار به عمر من النداء للصلاة دون تحديد لألفاظ معينة يتعبد بها.

ثالثاً: النداء للصلاة بألفاظ الأذان المشروع،وهو الذي استقر عليه الأمر فيما بعد،وكان هذا بعد رؤيا عبد الله بن زيد.والرؤيا عن محمد بن عبد الله بن زيد،قال: حدثني أبي عبد الله بن زيد،قال:" لما أمر رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة،طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده،فقلت:يا عبد الله،أتبيعُ النَّاقوسَ؟ قال: وما تصنعُ به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة،قال: أفلا أدلك على ما هو خير لك من ذلك؟،فقلت له: بلى. قال: فقال: تقول الله أكبر الله أكبر،الله أكبر الله أكبر،أشهد أن لا إله إلا الله،أشهد أن لا إله إلا الله،أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله،حي على الصلاة،حي على الصلاة،حي على الفلاح،حي على الفلاح، الله أكبر،الله أكبر،لا إله إلا الله.فلما أصبحتُ،أتيتُ رسولَ اللهِ-صلى الله عليه وسلم- فأخبرتُهُ بما رأيتُ،فَقَالَ:(إنَّها لرؤيا حق إن شاء الله،فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به) قال فسمع ذلك عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-وهو في بيته فخرج يجر رداءه،ويقول: "والذي بعثك بالحق يا رسول الله،لقد رأيت مثل الذي رأى"(7).

وبهذا نخلص إلى أن الأذان بدأ في المدينة؛ لأن الأدلة على ذلك ظاهرة وصحيحة.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

والحمد لله رب العالمين،،،


1 – راجع: أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(25).

2 – السيرة النبوية لابن هشام(2/115).

3 – شرح فتح القدير لابن الهمام(1/241).

4 فتح الباري(2/94). ونيل الأوطار(2/32).

5 – أي يطلبون حينها، والحين الوقت(النهاية1/451).

6 – البخاري- الفتح،(1/205)(604)، كتاب الأذان، باب بدء الأذان، ومسلم (1/239)(377)،كتاب الصلاة،باب بدء الأذان.

7 – جامع الترمذي (1/122) . وقال: حديث حسن صحيح . وصححه الألباني في "صحيح أبي داود", رقم(469).