أين وكيف تقضي إجازتك

أين وكيف تقضي إجازتك ؟

 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد :

أيها المسلمون: هناك سؤال مهم يفرض نفسه ما بين وقت وآخر .. كيف نستغل إجازتنا ؟! وهي(أي الإجازة) نوع من أنواع الفراغ الذي يمر بنا؟ ويتكرر كثيرا ً في حياتنا. اليومية، والأسبوعية، والشهرية، والسنوية. إن هذا الفراغ وهذا الوقت نعمة عظيمة من نعم الله-جل وعلا- ذكرها الله في كتابه الكريم، والمصطفى في سنته الصحيحة، تحتاج إلى شكر حقيقي، بالقلب، واللسان، والجوارح قال الله-تعالى-: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)(إبراهيم: من الآية7) ويكفي في أهمية نعمة الوقت والفراغ أن الله أقسم بالوقت، وبأجزاء منه في غير ما آية من كتابه، وقسم الله بالشيء دليل على عظمته وأهميته، فتارة ً يقسم بالوقت كله، والعصر، وتارة بجزء منه والضحى والليل إذا سجى، والنهار، والفجر إلى غير ذلك من الآيات .

أخي الكريم: إن هذه الأدلة توجب علينا أن نهتم بأوقاتنا، وأن نعمرها بطاعة الله، وأن نتقي الله في الإجازات والعطل، فلا نضيعها في السفر المحرم، أو اللهو واللعب، فتضيع فيما يضر ولا ينفع، وهنا يأتي السؤال المهم : أين وكيف تقضي الإجازة ؟؟.

أخي الكريم : إن قضاء الإجازة فيما ينفع من الخير والبر… لا يكون إلا في الالتحاق بالمراكز الصيفية التي تعلم الكتاب والسنة، وتهتم بتعليم الشباب الخير والصلاح، أو في الالتحاق بالمخيمات الخيرية، التي تقوم بأعمال خيرية من تعليم الفضيلة، ونشر الخير. فالأماكن التي أعدت برامج مفيدة، لاستغلال الإجازة الصيفية كثيرة وعديدة ومتنوعة، فخير ما يقضي الشباب إجازتهم وفراغهم وأوقاتهم بالالتحاق بهذه المراكز، والمدارس، والمخيمات والمعاهد فهذا هو الجواب عن جزء من السؤال، وهو أين؟ أما أن يقضي الشباب إجازتهم وفراغهم في السفر إلى الخارج فيقعون في ما حرم الله، أو يقضونها في بلادهم لكن ليس في أماكن الخير والبر، بل في المنتزهات الفاسدة، والسينمات الفاجرة، ومع القنوات الهابطة، والرفقة السيئة، فهذه الأماكن يجب الابتعاد منها، والتحذير من الدخول فيها، فهي أماكن فساد وضياع تهدف إلى إفساد الشباب، وضياعهم وطمس هويتهم، ومسخ عقيدتهم، وتشويه أفكارهم .

ثم اعلم عبد الله: أن هناك مميزات وخصائص للوقت، إذا عرفها الإنسان، زادت همته، وقويت عزيمته، وسعى في استغلال وقته، وعمره، وحياته، في الخير والصلاح، فإليك هذه الخصائص والمميزات:

أولا ً : اعلم أن الوقت هو أغلى وأنفس ما تملكه، بل هو حياتك كلها وعمرك كله قال ابن هبيرة :

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه           وأراه أسهل ما عليك يضيعُ

ثانيا ً : اعلم أن الوقت ما مضى منه لا يعود أبدا ً، وما فات منه فلا يعوض، قال الحسن البصري-رحمه الله-: "كل يوم جديد ينشق فجره ينادي منادي أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لا أعود أبدا" ويقول : "يا ابن ادم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك".

ثالثا ً: إنه -أي الوقت-سريع الانقضاء وخصوصاً في آخر الزمان الذي نزعت منه البركة في الوقت، فالأوقات تمر كأنها لا شيء، فإذا علم الإنسان أن وقته ينقضي بهذه السرعة فإنه لا شك سيعمل جاهداً على استغلاله فيما ينفعه في الدنيا والآخرة .

أما كيف تقضي إجازتك فإن هناك عدة أفكار واقتراحات في كيفية قضاء الإجازة .

1-     قراءة القرآن وحفظ ما يستطاع منه .. والعمل على تدبره، وفهمه، والعمل به، والدعوة إليه. فلو حفظ الشباب قبل كل صلاة صفحة واحدة يوميا ًلحفظ الواحد في اليوم ربع جزء، فيحفظ سبعة أجزاء في الشهر الواحد، وهذا خير كثير فإن خير الأوقات التي نقضيها مع كتاب الله-عزوجل-وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم-.

2-     طلب العلم : وذلك إما بحضور حلقات العلماء وملازمتهم، أو بالمدارسة مع إخوانك طلبة العلم، فتحفظ الأربعين النووية، وعمدة الأحكام، وتدرس التفسير، والفقه، والحديث، والعقيدة، وغيرها من كتب العلم وفنونه، وفي هذا ينبغي أن نتذكر همة السلف الصالح في طلب العلم، وسفرهم إلى العلماء في بلدانهم لأخذ حديث واحد ، كما سافر موسى-عليه السلام-للطلب العلم على يد الخضر، وسافر جابر بن عبد الله بن أنيس شهرا ً كاملا ً لأخذ حديث واحد.

3-     الذهاب إلى بيت الله الحرام، لأداء العمرة والصلاة في المسجد الحرام، وحضور مجالس العلم هناك، والذهاب إلى المدينة المنورة، وغيرها من الأماكن التي  تدرس فيه العلوم الشرعية، فيكون قد مضى وقتا ً في طلب العلم، فاستغل إجازته في طاعة الله، واستفاد شيئا ً من العلوم النافعة.

4- زيارة الصالحين من العلماء، والدعاء، وطلبة العلم، والخيرين سواءً في بلدك أو السفر إليهم، ومجالستهم والاستفادة من علمهم، وأخلاقهم، وتعاملهم فيكون قد حصل من هذه الزيارة على خير كثير، وأجر كبير فقد جاء في الحديث الصحيح: "أن رجلاً زار أخا ً له في قرية فأرسل الله له ملكا فقال له: أين تريد؟ قال : أزور أخا ً لي في هذه القرية ، قال : هل له عليه من نعمة تربَّها . قال لا إلا أني أحببته في الله . قال الملك : فإني رسول الله إليك إن الله قد أحبك كما أحببته .."(1) .

5- زيارة الأرحام والأقارب وصلتهم بذلك .. فتدعوا المخطئ منهم أو المقصر بالحكمة والموعظة الحسنة فتكون صلة ودعوة في آن ٍواحد.

6- زيارة المستشفيات والمقابر، ففي زياراتها ذكرى وعظة وعبرة وأجر عظيم، ومواساة للمريض، ودعاء لأهل القبور، وتطبيق للسنة، وصدق-صلى الله عليه وسلم-حين قال : "زوروها فإنها تذكركم بالآخرة"(2).

7- السفر إلى بلاد المسلمين الفقيرة والمريضة والغير متعلمة، فتساعد المحتاجين، والفقراء والمهاجرين، والأيتام والأرامل وتعلم الجاهل، وتدعو إلى الله، فتحصل على الأجل الكبير والفضل العظيم .

فاستغل وقتك أيها الشاب المستطيع بزيارة البلاد الفقيرة، والمحتاجة، والمنكوبة لتعالج مريض، أو تعلم جاهل، أو تدعو ضال، أو تبني مسجدا ً، أو مدرسة، أو تعمل لهم مشروعاً خيري، أو تسمح رأس يتيم، أو تدخل السرور على الأرملة والمحتاجة، فالمسلمون في جميع البلاد محتاجون إليك والمؤمنون كالجسد الواحد.

8- الخروج إلى القرى والبوادي لتدعوهم إلى الله، وتعلمهم التوحيد الصحيح، والعبادة الصحيحة، فكم من أناس في القرى والبوادي لا يحسنون قراءة الفاتحة، ولا الصلاة الحقيقية، فما أشد حاجتهم إلى علمك ودعوتك، بل ما أشد حاجتك إلى الأجر العظيم، فقد جاء في الحديث الصحيح: ( لئن يهدي الله بك رجلا ً واحدا ً خير لك من حمر النعم )(3).

9- العمل على المشاركة في الأنشطة المفيدة كالمراكز الصيفية، والمكتبات الخيرية، والمخيمات التربوية والمعاهد العلمية، فتشغل الوقت فيها بحفظ القرآن، وطلب العلم، ومجالسة الدعاة والعلماء وشغل الوقت بما ينفع ويفيد.

10- المشاركة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع رجال الحسبة وفاعلي الخير، فتوزع رسائل وكتيبات وأشرطة، ومظاريف خيرية في الأسواق والمراكز العامة وغيرها بالأسلوب الحسن والمناسب4.. اللهم وفقنا لقضى إجازتنا في ما يرضيك وفيما ينفعنا إنك سميع الدعــاء.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

والحمد لله رب العالمين،،،


1 رواه مسلم.

2 – مسند أحمد(1-145).

3 رواه البخاري.

4 راجع: مقال لرياض بن عبد الرحمن الحقيل عضو مركز الدعوة والإرشاد بالدمام.