ذروة سنام الإسلام

ذروة سنام الإسلام

ذروة سنام الإسلام

الحمد لله الذي جعل الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وبه عزه ونصره، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين، وحبيب رب العالمين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، بل هو أفضل ما تقرّب به المتقربون، وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، بل عده بعض العلماء سادس ركن من أركان الإسلام. وهو ذروة سنام الإسلام كما جاء في حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟). قلت: بلى يا رسول الله، قال: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد)1..

وقد بينت نصوص الكتاب والسنة فضل الجهاد في سبيل الله؛ فقد بين الله في كتابه أنّ الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، كما يقول الله -تعالى-: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} سورة البقرة(154). فأرواحهم في أجواف طير خضر معلقة تسرح في أنهار الجنة؛ فعن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلق من ثمر الجنة أو شجر الجنة)2..

وفي الجنة باب لا يدخل منه إلا المجاهدون في سبيل الله، فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خيرٌ، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة). فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلها؟ قال: (نعم، وأرجوا أن تكون منهم)3.

وفي الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله, ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض…)4.

وعن المقدام بن مَعْدِ يكرب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (للشهيد عند الله ستُّ خصال: يغفرُ له في أول دُفعة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُحلَّى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويُشفَّع في سبعين إنسانًا من أقاربه)5.

بل الجهاد في سبيل الله لا يعدله أي عمل من الأعمال؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه– قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: (لا أجده). قال: (هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر؟) قال: ومن يستطيع ذلك؟6.

ولذلك لما علم الرعيل الأول بهذه الفضائل، وأيقنوا بها نجدهم بذلوا أنفسهم في سبيل الله لإعلاء كلمة الله؛ وإليك شاهد فقط على ذلك؛ فعن أنس مالك -رضي الله عنه- قال: انطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه). فدنا المشركون، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض). قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري -رضي الله عنه-: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: (نعم) قال: بخ بخ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (ما يحملك على قولك بخ بخ؟). قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: (فإنك من أهلها). فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل7.

اللهم انصر دينك كتابك وعبادك المؤمنين . وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



1 الحديث رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

2 رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح..

3 رواه البخاري ومسلم.

4 رواه البخاري.

5 رواه ابن ماجه، والترمذي،، وقال: "حسن صحيح"، وصححه الألباني في صحيح (). وفي مشكل المصابيح، برقم 2834.

6 متفق عليه.

7 رواه مسلم.