حلقة قرآن للكبار

 

 

حلقة قرآن للكبار

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسوله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد كان رسول الله   يعلِّم أصحابه القرآن الكريم ويقرأه عليهم، ويسمع منهم ما حفظوه، ويوقفهم عند ألفاظه ومعانيه، وكان من صحابته    منهم كبار السن قد فاتهم سن التعليم – على رأي كثيرٍ اليوم – ومع ذلك فقد كانوا يجلسون إلى النبي   ليستمعوا القرآن الكريم منه مشافهة، ويتلقونه منه دونما شعور بعجز أو خور أو فوات وقت الشباب؛ لذلك ينبغي أن يكون دأبنا وعملنا هو أخذ القدوة من مظانها من رسول الله   وصحابته الكرام – رضي الله عنهم – .

إن أي إمام مسجد في أي حي من الأحياء قادر على إقامة حلقة قرآن لمن بلغ من العمر ما يجعله يائسا من التعلم، مقتنعاً بالموت على الجهل، والأمر يسير، وكل ما في الأمر هو إيجاد الباعث الحثيث في أنفسهم والحرص الدائب على أخذ العلم، وتلاوة كتاب الله العزيز، وتجويده كما أنزل، وتلقيه من أفواه المقرئين المتقنين، حينها: يمكن القيام بحلقة قرآن لأي طبقة أيًّا كانت، ما دام الحرص موجوداً والتوكل على الله والأخذ بالأسباب موجوداً في أفراد الحي.

تقوم الحلقة على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: تلقين الدرجة الدنيا من الجميع، والارتقاء بهم واستقطاب المتميزين.

المرحلة الثانية: إفراد المجموعة المتميزة والتي استطاعت تجاوز المرحلة الأولى،وهؤلاء يمكن أن تفتح معهم دروس في التجويد؛ لإمكان تقبلهم وفهمهم. والمجموعة الأخرى تبقى على ما هي عليه حتى ترتقي، ويمكن الارتقاء بهم تدريجياً وهكذا.

المرحلة الثالثة: الأخذ بأيدي الحلقة الأولى إلى دروس أعمق تلقيناً وتجويداً،وتليها المجموعة الثانية، وكل فرد يظهر تحسنه يمكن أن ينتقل إلى المجموعة المتقدمة وهكذا.

ولكن ينبغي على القائم بهذه الحلقة أن يراعي بعض الأمور:

1- هذه الحلقة مكونة من كبار فلا تُعامَل إطلاقاً تعامل الصغار في طريقة التسميع والحفظ وغيرها، فهي مرحلة أشد من مرحلة الصغار، وينبغي أن تجرى معهم عدة طرق تتواءم مع مستوياتهم، والسبب في ذلك أنهم لم ينشؤوا على الحفظ ومشاقه منذ الصغر.

2- أي إشعار بفشل أحدهم سيجعله مقتنعاً أنه لم يعد قادراً على التعلم، فينبغي استمرار الحوافز والدوافع، وبث النصح والتيسير والتبشير.

3- قدراتهم قد تتفاوت بتفاوت غير معتاد عند الصغار، فمثلاً قد يوجد الرجل الذي يستطيع أن يقرأ جيداً وبسهوله يستطيع أن يلم بقواعد التجويد، وقد يوجد شخص آخر أشد صعوبة من الصغير، لأن لسانه تعودت أكثر قدرًا من الصغير على الخطأ.

4- لا بد من التعامل معهم معاملة الكبار، من حيث تجنب التثبيط والسخرية من الأخطاءالتي يقعون فيها، واحترام سنهم وكبرهم، وأن يُرشدون إلى تصحيح الأخطاء بأسلوب لين، والأصل في التعامل مع جميع الناس بالرفق واللين، ولا تستخدم الشدة إلا مع من يستحقها بالضوابط الشرعية المعلومة.

ومع هذا كله فلا إشكال ولا عقبة أمام التعلم والدراسة إلى أن يأتي الإنسان الموت،وقد كان السلف رحمهم الله يطلبون العلم على كبر، حتى ذكر عن بعضهم أنه أصبح عالماً بعد سن كبير، ويقال في الحكمة المشهورة: “طلب العلم من المهد إلى اللحد”.

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا علماً ينفعنا وصلى على محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.