أو تزني الحرة؟!

أو تزني الحرة

أو تزني الحرة؟!

الحمد الله الذي حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وفطر الناس على الفطرة السليمة من الأقذار والعفن، وصلى الله وسلم على رسوله محمد الداعي إلى أقوم سنن، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن آمن.

أما بعد:

فقد ذكر المفسرون عند تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ …} سورة الممتحنة(12).

في صفة مبايعة النبي -صلى الله عليه وسلم- للنساء فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال: (على ألا يشركن بالله شيئاً) قالت هند بنت عتبة -وهي منتقبة خوفا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لما صنعته بحمزة يوم أحد-: والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأتك أخذته على الرجال -كان بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ولا يسرقن) فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح، وإني أصيب من ماله قولتنا، فقال أبو سفيان: هو لك حلال، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- وعرفها، وقال: (أنت هند؟) فقالت: عفا الله عما سلف، ثم قال: (ولا يزنين) فقالت هند: أو تزني الحرة؟! ثم قال: (ولا يقتلن أولادهن، ولا يسقطن الأجنة)، فقالت هند: ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً يوم بدر، فأنتم وهم أبصر.

فسؤالها يدل على أنفة وعفة وطهارة، وتلك هي الفطرة السوية التي فطرهن الله عليها تعرف الحق، وتتجه للخير، والفطرة حين تسلم من العوارض المشوشة عليها، والتأثيرات المخدرة لها وتسقط عنها الحوائل، فإنها عندئذ تستقيم لربها وتعرف الحق، وتدعو إلى كل خلق جميل..

ولكن لو كانت هند في عصرنا هذا فماذا ستقول! وهي ترى بعض من الحرائر اليوم على شاشات التلفاز وفي الأسواق متعطرات متكسرات في مشيتهن، لا يغرن على أنفسهن متنازلات عن الشرف وقاتلات للحياء!.

يا مسلمون:

إن الزنا له مفاسد عظيمة في الدنيا والآخرة؛ يقول ابن القيم -رحمه الله-: “ومفسدة الزنا مناقضة لصلاح العالم؛ فإنّ المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقاربها، ونكست رؤوسهم بين الناس، وإن حملت من الزنا فإن قتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل، وإن حملته الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبياً ليس منهم فورثهم وليس منهم، ورآهم وخلا بهم، وانتسب إليهم وليس منهم، إلى غير ذلك من مفاسد زناها، وأما زنا الرجل فإنه يوجد اختلاط الأنساب أيضاً، وإفساد المرأة المصونة، وتعريضها للتلف والفساد، ففي هذه الكبيرة خراب الدنيا والدين، وإن عمرت القبور في البرزخ والنار في الآخرة، فكم في الزنا من استحلال محرمات، وفوات حقوق، ووقوع مظالم!” إلى أن قال: “فليس بعد مفسدة القتل أعظم من مفسدته، ولهذا شرع فيه القتل على أشنع الوجوه وأفحشها وأصعبها، ولو بلغ العبد أن امرأته أو حرمته قتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت، وقال سعد بن عبادة -رضي الله عنه-: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله، فقال: (تعجبون من غيرة سعد! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) متفق عليه”1.

فأهل العفاف والطهر يأنفون من ممارسة الأخلاق الرذيلة والأعمال السيئة، ويصونون أعراضهم عن الحرام، خوفاً من الله تعالى شديد العذاب..

نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..


 


1 الجواب الكافي (113- 114) لابن القيم.