السهر مخاطر وأضرار

السهر مخاطر وأضرار

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. أما بعد:

إن من عظمة ربنا -عز وجل- وكمال حكمته أن خلق كل شي بقدر وميزان، هذا في الجوانب الكونية الإرادية. وكذلك جاء دين الله الإسلام بأن أعطى كل شي قدره وحكمته وهدايته في جميع نواحيه، فلا يطغى جانب على جانب، وجاءت هذه الشريعة الربانية بالأولويات والاهتمام بالأهم وتقديمه على المهم. إلخ.

فعلى المسلم أن يكون وسطاً في كل شي من أموره الدينية والدنيوية، وفي هذا الموضوع (السهر: مخاطر وأضرار) سوف نتناول العناصر والأمور الآتية:

1-             الهدي النبوي في النوم.

2-             حكم السهر في الإسلام.

3-             مضار ومخاطر السهر.

4-             العلاج والوقاية منه.

أولاً: الهدي النبوي في النوم:

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: (فصل في تدبيره لأمر النوم واليقظة: من تدبر نومه ويقظته -صلى الله عليه وسلم- وجده أعدل نوم، وأنفعه للبدن والأعضاء والقوى، فإنه كان ينام أول الليل ويستيقظ في أول النصف الثاني، فيقوم ويستاك ويتوضأ ويصلي ما كتب الله له، فيأخذ البدن والأعضاء والقوى حظها من النوم والراحة، وحظها من الرياضة مع وفور الأجر، وهذا غاية صلاح القلب والبدن، والدنيا والآخرة.

ولم يكن يأخذ من النوم فوق القدر المحتاج إليه، ولا يمنع نفسه من القدر المحتاج إليه منه، وكان يفعله على أكمل الوجوه).1

ثانياً: حكم السهر في الإسلام:

أ- قال -تعالى- عن المشركين: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} (67) سورة المؤمنون، قال ابن جرير -رحمه الله- في تفسيره:

قوله: (مستكبرين به) يقول: مستكبرين بِحَرم الله، يقولون: لا يظهر علينا فيه أحد؛ لأننا أهل الحرم.

قوله: (سامراً) يقول: تسمرون بالليل، ووحد قوله: (سامراً) وهو بمعنى السمـّار لأنه موضع الوقت.

قوله: (تهجرون) وجهان من المعنى:

أحدهما: أن يكون عني أنه وصفهم بالإعراض عن القرآن أو البيت أو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورفضه، والآخر: أن يكون عني أنهم يقولون شيئاً من القول، كما يهجر الرجل في منامه، وذلك إذا هذي، فكأنه وصفهم بأنهم يقولون في القرآن ما لا معنى من القول، وذلك أن يقولون فيه باطلاً من القول الذي لا يضره).2 أ.هـ

ب- عن أبي برزة -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها).3

قال ابن رجب -رحمه الله-: (باب ما يكره من السمر بعد العشاء: روى الأعمش ومنصور وأبو حصين عن أبي وائل عن سليمان ابن ربيعة قال: جدب لنا عمر السمر) ومعنى جدب: عابه وذمه، قاله أبو عبيدة وغيره.

وذكر مسلم نحوه في كتاب(التمييز) وزاد: أن المغيرة رواه عن أبي وائل عن حذيفة من قوله: وقد رويت كراهة السمر بعد العشاء عن عمر وحذيفة وعائشة وغيرهم، منهم من علل خشية الامتناع عن قيام الليل، روي ذلك عن عمر، ومنهم من علل بأن الصلاة ينبغي أن تكون خاتمة الأعمال، فيستحب النوم عقبها حتى ينام على ذكر ولا ينام على لغو. ومتى كان السمر بلغو ورفث وهجاء، فإنه مكروه بغير شك).4 وقال ابن رجب أيضاً:

قال البخاري: (باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء)، وذكر حديثين.. قال: ومقصود البخاري بهذين الحديثين: الاستدلال على جواز الموعظة وذكر العلم بعد العشاء، وأنه ليس من السمر المنهي عنه، ونص الإمام أحمد على أنه لا يكره السمر في العلم.

وخرّج الإمام أحمد والنسائي والترمذي وابن خزيمة وصححه من حديث علقمة عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين وأنا معهما). قال الترمذي: حسن.

وفي (باب السمر مع الأهل والضيف) ذكر الإمام البخاري الأحاديث، ثم قال ابن رجب في شرحه: (ومقصود البخاري من هذا الحديث: جواز السمر عند الأهل والضيف، فإن أبا بكر سمر عنده أهله وضيفه لما رجع من عند النبي-صلى الله عليه وسلم- بعد أن ذهب من الليل ما ذهب منه. والظاهر أيضاً أنه سمر عند النبي -صلى الله عليه وسلم-. وفي السمر عند الأهل حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى العشاء، ثم دخل بيته فتحدث مع أهله ساعة. خرجه البخاري في موضع آخر.5، وروى الرخصة في السمر للمصلي والمسافر خاصة. خرجه الإمام أحمد، من رواية خيثمة عن رجل من قومه من قريش عن عبدالله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا سمر بعد العشاء). يعني العشاء الآخرة (إلا لمصلٍّ أو مسافر).6

قال الأثرم: هو حديث غير قوي لأن في إسناده رجلاً لم يسمَّ، وقد أخذ به الإمام أحمد فكره السمر في حديث الدنيا ورخص فيه للمسافر.

وروى من وجه آخر بزيادة من رواية ابن وهب عن معاوية عن أبي عبدالله الأنصاري عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا سمر إلا لثلاثة: مصلٍّ، أو مسافر، أو عروس).7 خرجه سمويه الأصبهاني الحافظ..ا.هـ 8

قال ابن العربي المالكي رحمه الله في تفسيره بعدما ذكر أقوال العلماء في الآية السابقة من سورة (المؤمنون):

(قال الفقيه القاضي أبو بكر -رضي الله عنه-: هذا يدلك على أن النهي عن السمر إنما هو لأجل هجر القول أو لغوه، أو لأجل فوات قيام الليل، فإذا كان على خلاف هذا أو تعلقت به حاجة أو غرض شرعي فلا حرج فيه، وليس هو من منزع الآية، وإنما هو مأخذ آخر على ما بيناه، والله أعلم) ا.ه9

قال الإمام النووي -رحمه الله- في باب كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة: (والمراد به الحديث الذي يكون مباحاً من غير هذا الوقت، وفعله وتركه سواء، فأما الحديث المحرم أو المكروه في غير هذا الوقت فهو في هذا الوقت أشد تحريماً وكراهة. وأما الحديث في الخير كمذاكرة العلم وحكايات الصالحين ومكارم الأخلاق والحديث مع الضيف ومع طالب حاجة ونحو ذلك فلا كراهة فيه، بل هو مستحب، وكذا الحديث لعذر عارض لا كراهة فيه، وقد تظافرت الأحاديث الصحيحة على كل ما ذكرته).. ذكر حديثي أبي برزة وابن عمر…10

قال ابن عثيمين في شرحه: (ذكر -رحمه الله- أن الحديث ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم مكروه محرم، وقسم مندوب إليه، وقسم مباح.

فأما المكروه والمحرم: فإنه يزداد كراهةً وتحريماً إذا كان بعد صلاة العشاء، وأما المباح فهو الذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكرهه بعد العشاء.

وأما المندوب: فإنه مندوب ولا يضر، ولو كان بعد صلاة العشاء. فأما الأول: فمثل الحديث في الغيبة والنميمة وقول الزور والاستماع إلى الغناء واللهو، ومشاهدة ما لا يحل مشاهدته، فهذا حرام في كل وقت وحين، ويزداد إثماً إذا كان بعد العشاء الآخرة؛ لأنه وقت يكره فيه الكلام المباح، فكيف بالمحرم والمكروه.

والقسم الثاني: الكلام اللغو الذي ليس حراماً ولا مكروهاً ولا مندوباً وهو أكثر كلام الناس، فهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكرهه بعد صلاة العشاء؛ وذلك لأنه إذا تحدث الإنسان بعد صلاة العشاء يطول به المجلس، ثم يتأخر نومه، فيكسل عن قيام الليل وعن صلاة الفجر، وما أدى إلى تهاون في الأمر المشروع فإنه يكون مكروهاً.

وأما المندوب: فهو الشاغل بالعلم مطالعة أو حفظاً أو مذاكرةً والحديث مع الضيف، وكذلك الحديث العارض الذي ليس دائماً، كل هذا لا يضره بل إنه مستحب إذا كان المقصود به حصول خير…).11

ثالثاً: أسباب السهر:

الأسباب والبواعث التي توقع في السهر المذموم من أهمها:

1-             الأسرة التي لا ترعى حرمة الوقت.

2-             الصحبة السيئة.

3-             عدم تقدير قيمة الوقت.

4-             الركون إلى النعمة مع أمن مكر الله، والعياذ بالله.

5-             المعصية وإهمال النفس من التزكية.

6-             الغفلة عن عواقب السهر المذموم.

7-             الانبهار بالآلات الحديثة لإشباع الشهوات الجنسية في المحرمات.

رابعاً- مخاطر ومضار السهر المذموم:

للسهر المذموم المحرم آثار مهلكة، وعواقب خطيرة، من أخطرها:

1-   ضياع العمر بغير فائدة أو بفائدة لا تذكر..

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) متفق عليه.

2-  القلق والاضطراب النفسي: لأن الغالب في السهر المذموم: الوقوع في المعاصي والسيئات، كما يشهد بذلك الواقع، وأشار إلى هذا المعنى بعض الحكماء إذ قال: (من الفراغ تكون الصبوة).12 وتكون النتيجة موت القلب وغفلته.

3-  الذل والهوان في الدنيا: وذلك أن الذي يسهر سهراً مذموماً في ما لا ينفعه في الدنيا ولا في الآخرة إنما هو واقف في محله، أو يتحرك حركةً بطيئةً، لا تسمن ولا تغني من جوع، في الوقت الذي لا يكف فيه الباطل، ولا يفتر عن العمل لحظة واحدة، ومثل هذا في الغالب لا ينجح لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأن الشهوة مركبة والهواء قائده، والعياذ بالله.

4-  الحسرة والندامة يوم القيامة:

قال -تعالى-: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} (56) سورة الزمر. وقال -تعالى- عن هؤلاء وأمثالهم: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} (24) سورة الفجر.

5- ضياع الأجور العظيمة: وذلك أن الشريعة رتبت على النوم مبكراً -إلا لسبب معتبر- فضائل كثيرة منها: الوضوء قبل النوم، أذكار النوم، صفة النوم على الشق الأيمن، التهيؤ لقيام الليل، صلاة الفجر جماعة، قراءة الورد من القرآن والأذكار بعد صلاة الفجر، والذي يسهر في الباطل في الغالب يضيع هذه الأجور.

خامساً: العلاج والوقـاية منه:

طرق العلاج يمكن تلخيصها فيما يلي:

1- اليقين باتباع خير النبيين -صلى الله عليه وسلم- ومنها اتباعه في هديه في نومه.

2- اليقين بأن الوقت هو رأس المال على ظهر الأرض فليحافظ عليه.

3- القيام بواجب المسئولية: كما في الحديث: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيما أفناه، وعن عمره فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به).13

4- الزهد في الدنيا مع الرغبة في الآخرة.

5- التخلص من الصحبة السيئة، ومرافقة الأصدقاء الصالحين.

6- الاحتراز من المعاصي، مع الإكثار من الطاعات.

7- تنظيم الأسرة للوقت مع شغله بالنافع المفيد.14

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، ونستغفر الله العظيم من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.


1– زاد المعاد  (4/239).

2 -تفسير الطبري 10/53-54.

3 – متفق عليه، البخاري رقم 541 ومسلم 647.

4 -فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب الحنبلي 5/157.

5– (في كتاب التفسير من صحيحه رقم 4569 نحوه).

6– هذا الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعاً بلفظ: (لا سمر إلا لمصل أو مسافر)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7499).

7– الحديث حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة عند ذكره الحديث السابق برقم (2435).

8– فتح الباري لابن رجب الحنبلي.

9–  أحكام القرآن (3 /132).

10 -رياض الصالحين  4/246 – 247 – 334.

11– (شرح رياض الصالحين) (4/267) بتصرف.

12– انظر (فيض القدير) للمناوي 6/288.

13– أخرجه الطبراني في المسند الكبير والأوسط، وهو حديث صحيح، انظر صحيح الجامع للألباني (7300).

14– (آفات على الطريق ج3 ص 81 – 100 للسيد محمد نوح، آفة: فوضى الوقت). بتصرف