منكرات في حيِّنا

منكرات في حيِّنا

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. أما بعد:

إن وجود المنكر في المجتمع أمر طبيعي، لا يخلو منه مجتمع في أي حقبة من حقب الحياة، ولكن الذي ليس من الطبيعي أن يرى أبناء المجتمع المنكر،فلا يسعون إلى تغييره، وفي التغيير بقاءُ الحياة على النحو الذي يحبه الله عز وعلا. وفي الحقيقة أن المجتمع الذي لا يغير المنكر قد أشبه المجتمعات اليهودية؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عنهم.

عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل فيهم يرى أخاه على الذنب فينهاه عنه لم يمنعه ما رأى فيه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ونزل فيهم القرآن فقال:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}(1) حتى بلغ:{وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}(2) قال: وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس فقال: لا، حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق أطراً)(3) .

 إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه انتشرت المنكرات وزادت وكثرت واستحق أصحاب ذلك المجتمع العقاب الشديد من الله تعالى.

أيها الأحبة:  إن البعض يقول: أهم شيء أن تكون صالحاً في نفسك وأن تصلح أهلك وأسرتك ولا شأن لك بالناس!! فأقول لهذا وأمثاله ألم تسمع لقول النبي صلى الله عليه وسلم:( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)(4).وقد سمع الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه أناساً يتركون إنكار المنكر ويحتجون بقوله تعالى:{عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} فقال:" أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}.(5) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)(6) فإنكار المكر صمام أمان للمجتمع، به يرفع الله تعالى العذاب، وبه تزول المنكرات وتختفي. ويحل محلها المعروف الذي أمر الله تعالى به. ولاغرو فقد جعله الله تعالى من خصائص وصفات المؤمنين قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(7) .

أيها الأحبة: لو أن رجلاً في حينا يمارس منكراً من المنكرات فجاء الأول ونهاه، ثم الثاني، ثم الثالث والرابع الخامس …… فلا شك أنه سيتأثر ويكف عن ذلك المنكر، أما إذا ترك الجميع الإنكار عليه فإنه سيزداد في غيه ومنكره ويحدث ما لا يحمد عقباه.

اللهم طهر مجتمعات المسلمين من المنكرات يا رب العالمين، اللهم وفق الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.


1 سورة المائدة آية 78.

2 سورة المائدة آية 81.

3 – أخرجه الترمذي كتاب تفسير القرآن عن رسول الله باب ومن سورة المائدة برقم (2974).

4-أخرجه مسلم كتاب   باب  برقم ().

5 سورة المائدة آية 105.

6–  أخرجه الترمذي كتاب الفتن عن رسول الله باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر برقم (2094).

7 سورة التوبة آية 71.