صلاة العيد

 

 

صلاة العيد

إن الله – تبارك وتعالى – يتبع عقب كل عبادة عبادة أخرى، فعند أن يستيقظ الإنسان يقوم بأداء صلاة الفجر، وبعدها صلاة الظهر، وبعدها صلاة العصر، ثم المغرب والعشاء، هذا في اليوم الواحد، ثم يستحب للإنسان أن يصوم يومي الاثنين والخميس، ثم الأيام البيض، ثم شرع الله تبارك وتعالى صيام شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الذي كل مسلم متلهف لقدومه داعياً ربه تبارك وتعالى أن يبلغه إياه، فإذا حل به صام أيامه، وقام ليله راكعاً ساجداً باكياً، تالياً لكتاب ربه جل جلاله، فإذا أزف رحيله تراه حزيناً لفراقه داعياً ربه – تبارك وتعالى – تقبل صيامه وقيامه والعتق من نيرانه، وتشرع للمسلم أن يقدم فيه صدقة الفطر وآخر وقتها قبل صلاة العيد، وهي صاعاً من برٍ أو تمرٍ أو أقط، أو غيرها من قوت البلد، ثم يأتي عيد الفطر بعد صيام شهر رمضان المبارك، ليفرح المسلم ويشكر ربّه – تبارك وتعالى – على نعمة الصيام والقيام ولصائم فرحتان كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – يقول: قال رسول الله  : ((قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه))1،

والفرح غاية مهمة ينشدها الإنسان ليحقق سعادته، فيجهد لتوفير أسبابها وتهيئة أجوائها، وقد يصنع الإنسان في سبيل ذلك ما يضر بنفسه، أو يفرح بما لا يحقق لها سعادة أو سروراً، أما الفرح الذي يهيئه الله تعالى للمسلمين ويشرعه لهم فهو الفرح الكامل والسرور التام، فأتم الفرح وأحسن السرور أن يفرح العبد بما شرع له ربه تبارك وتعالى من عبادات، وأمره به من طاعات، ورتب على ذلك من ثواب وحسنات، قال الله – تبارك وتعالى -: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}2،

فيجتمع الناس في صبيحة أول يوم من شوال فيؤدون صلاة العيد، وهي واجبة في أصح قوليالعلماء وذلك لأن الجمعة تسقط بها إذا اجتمعتا في يوم واحد، وهي ركعتان، ووقتها من  طلوع الشمس إلى الزوال، ولكن الأحسن تأخيرها إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح، وتسن الجماعة فيها، وتصح لو صلاها الشخص منفردًا ركعتين كركعتي سنة الفجر، ويسن في أول الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام سبع تكبيرات، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات بعد تكبيرة القيام، ويسن أن يخطب الإمام خطبتين بعد الصلاة لحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: ” إن النبي   خرج يوم الفطر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة”3، ويسن التبكير بالخروج لصلاة العيد من بعد صلاة الصبح، إلا الخطيب فيتأخر إلى وقت الصلاة، والمشي أفضل من الركوب، ومن كان له عذر فلا بأس بركوبه، ويسن الاغتسال،والتزيّن بلبس الثياب الجميلة، والتطيب وهذا للرجال، أما النساء فلا يجوز لهن الخروج متطيبات ومتزينات.

ويستحب زيارة الأقارب وصلة الأرحام، وعلى الإنسان أن يحاسب نفسه في كل عمل هل أداه كما ينبغي ويجتهد فيه قال ابن رجب – رحمه الله -: ” كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل و إكماله و إتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله و يخافون من رده و هؤلاء الذين: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}4، روي عن علي – رضي الله عنه – قال: كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل ألم تسمعوا الله عز و جل يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}5،

وعن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا و ما فيها لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} قال ابن دينار: الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل و قال عطاء السلمي: الحذر الاتقاء على العمل أن لا يكون لله و قال عبد العزيز بن أبي رواد: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا قال بعض السلف: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم خرج عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – في يوم عيد فطر فقال في خطبته: أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوما و قمتم ثلاثين ليلة و خرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم كان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر فيقال له: إنه يوم فرح و سرور فيقول: صدقتم و لكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملا فلا أدري أيقبله مني أم لا؟ رأى وهب بن الورد قوما يضحكون في يوم عيد فقال : إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين وعن الحسن قال: إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا و تخلف آخرون فخابوا فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون و يخسر فيه المبطلون.

لعلك غضبان و قلبي غافل سلام على الدارين إن كنت راضياً

 روي عن علي – رضي الله عنه – أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه و من هذا المحروم فنعزيه و عن ابن مسعود أنه كان يقول: من هذا المقبول منا فنهنيه ومن هذا المحروم منا فنعزيه أيها المقبول هنيئا لك أيها المردود جبر الله مصيبتك

 

ليت شعري من فيه يقبل منا فيهنا يا خيبة المردود
من تولى عنه بغير قبول

 ماذا فات من فاته خير رمضان و أي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان كم بين من حظه فيه القبول و الغفران و من كان حظه فيه الخيبة و الخسران رب قائم حظه من قيامه السهر و صائم حظه من صيامه الجوع و العطش”6.

وعلى الإنسان أن يتذكر عند اجتماع المسلمين لأداء صلاة العيد يوم الجمع في عرصات القيامة، يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فيتخلص من كل داء ملازم له، يتخلص من المعاصي والمنكرات، يتخلص من الحقد والحسد والبغض لإخوانه المسلمين، وعليه أن يعلم أنه سيقف بين يدي ربه – تبارك وتعالى – فكيف يكون الجواب قال الشاعر:

غدا توفى النفوس ما كسبت ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم    وإن أسؤا فبئس ما صنعوا

نسأل الله تبارك وتعالى التوفيق والسداد، ونسأله أن يعيننا على طاعته ورضاه، وأن يتقبل منا، وأن يعفوا عنا ويجنبنا المعاصي والمنكرات، ونسأله الإخلاص في القول والعمل وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}7، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الأطهار وصحابته الكرام وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.


1 رواه البخاري برقم(1805)؛ ومسلم برقم(1151). 

2 سورة يونس(58).

3 رواه البخاري برقم(915).

 

4 سورة المؤمنون(60).

5 سورة المائدة(27). 

6 لطائف المعارف(232).

7 سورة الصافات(180-181).