الصبيان والمسجد

الصبيان والمسجد

 

الصبي العاقل المميز الذي لا يثير ضجة في المسجد لا ينبغي إخراجه من المسجد استدلالاً بأحاديث ضعيفة أو موضوعة كما يروي الناس: ( جنبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم)، بل إن كثيراً من الأطفال والصبيان أفضل وأهدأ من كثير من الكبار الذين يقلبون المساجد إلى أماكن للكلام الفارغ والغيبة والنميمة، لكن إذا كان الصبي مؤذياً في المسجد فيجب على ولي أمره تأديبه أو منعه من المسجد.

 فمنع الصبيان من دخول المسجد مطلقاً لا يجوز أبداً؛ لأنه قد ثبت في السنة الصحيحة جواز دخولهم، فعن أبي قتادة الأنصاري  – رضي الله عنه-: ( أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  ولأبي العاص بن ربيعة بن شمس بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها) رواه البخاري ومسلم.

وقد جاء التصريح بأن ذلك كان في المسجد؛ كما عند مسلم: " بينما نحن في المسجد جلوس خرج علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الحديث".

بل كان حمله لها في صلاة الجماعة كما في صحيح مسلم عن أبي قتادة قال: " رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – يؤم الناس وأمامة على عاتقه".

ومن المعلوم أنه لا تشرع الجماعة إلا في الفريضة دون النافلة، وقد استدل ابن حجر بحديث أمامة على جواز إحضار الصبيان إلى المسجد، حيث قال – وهو يعدد فوائد الحديث-: جواز إدخال الصبيان للمساجد1.

وقال الشوكاني – رحمه الله – ومن فوائد الحديث: جواز إدخال الصبيان المساجد2.

ومما يدل على جواز دخول الصبيان إلى المسجد ما رواه البخاري عن أبي قتادة  – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:" إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه".

وعن أنس – رضي الله عنه – قال: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي – صلى الله عليه وسلم – وإنه كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن يفتن أمه"رواه البخاري.

فدلّ على أن النساء كن يحضرن الصبيان إلى المساجد، ولا أحد ينكر ذلك.

 وعن أبي بردة  – رضي الله عنه – قال: خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر، ثم قال:" صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة، رأيت هذين فلم أصبر" رواه أحمد وأبو داود واللفظ له.

ففي هذا الحديث إقرار من النبي – صلى الله عليه وسلم- لدخول الصبيان المسجد، وأنهما كانا صغيرين جداً في ذلك الوقت لقوله: "يعثران ويقومان".

وقد يستدل بعض عوام الناس على منع الصبيان من المسجد بما روي" جنبوا مساجدكم صبيانكم" وهو حديث ضعيف جداً، كما قال الألباني في ضعيف الجامع الصغير رقم (2635).

وليس المقصود من جواز دخلهم أن يفتح لهم الباب على مصراعيه، بل ينبغي تعليمهم وتأديبهم من قبل الآباء وأئمة المساجد، وبيان أن اللعب في المسجد لا يجوز، أما إن يمنعوا من دخول السجد مطلقاً فلا.

بل ينبغي الذهاب بالصبيان إلى المساجد، وتأديبهم وتعليمهم آداب المسجد إن كانوا مميزين، وإن كانوا غير مميزين فتنظيفهم وتهيئتهم قبل الذهاب إلى المسجد، وتقصير الصلاة عند سماع بكائهم.

وفق الله الجميع لاتباع سنة نبيه، والحمد الله رب العالمين.


1 – الفتح 1/592.

2 – نيل الأوطار2/137.