صلاة الوتر

صلاة الوتر

 

الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد بن عبد الله الصادق الأمين،وعلى آله الطيبين الطاهرين،وصحابته الغر الميامين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 أمَّا بعدُ:

فقد اتفق المسلمون على مشروعية الوتر، فلا ينبغي تركه، ومن أصر على تركه، فإنه تُردُّ شهادته، قال الإمام أحمد:(من ترك الوتر عمداً، فهو رجلٌ سُوءٍ، لا ينبغي أن تقبل شهادتُهُ)(1)، وروى أحمد وأبو داود مرفوعاً: (من لم يوتر فليس منا)(2).

تعريف الوتر:

الوتر: اسم للركعة المنفصلة عما قبلها، وللثلاث الركعات وللخمس والسبع والتسع والإحدى عشرة إذا كانت هذه الركعات متصلة بسلام واحد، فإذا كانت هذه الركعات بسلامين فأكثر، فالوتر اسم للركعة المنفصلة وحدها(3).

فضل صلاة الوتر:

إن صلاة الوتر فضلها عظيم، ومن أعظم ما يدل على ذلك محافظته-صلى الله عليه وسلم- عليها فإنه لم يكن يدعها في حضر ولا سفر، وهذا دليل واضح على أهميتها، وقد حَثَّ عليها النبي-صلى الله عليه وسلم-،فعن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنه قال: (يا أهل القرآن، أوتروا؛ فإن الله وترٌ يُحِبُّ الوتر)(4).

حكم صلاة الوتر:

الوتر سنة مؤكدة، وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوبه، وما اختُلف في وجوبه، فهو آكد من غيره مما لم يُختلفْ في عدمِ وجوبِهِ(5)، عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: (إن الوتر ليس بحتم،ولا كصلاتكم المكتوبة،ولكن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أوتر، ثم قال: (يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر)(6).

وقت صلاة الوتر:

أجمع العلماء على أن وقت الوتر لا يدخل إلا بعد العشاء، وأنه يمتدُّ إلى الفجر(7).

وعن أبي بصرة-رضي الله عنه-: أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-،قال:(إن الله زادكم صلاة،فصلوها فيما بين صلاة العشاء وصلاة الصبح الوتر الوتر) رواه أحمد(8).

وعن عائشة-رضي الله عنها-،قالت:(من كلِّ الليل أوتر رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم-؛ من أول الليل،وأوسطه،وآخره،فانتهى وتره إلى السحر)(9).

أفضل وقت لصلاة الوتر:

الأفضل تأخير الوتر إلى آخر الليل،وذلك لمن وثق باستيقاظِهِ لحديث جابر-رضي الله عنه- قال:قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:(من خاف أن لا يقوم آخر الليل، فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل)، وفي رواية أخرى: (فإن صلاة آخر الليل محضورة(10))(11).

عدد ركعات الوتر:

أقل الوتر ركعة واحدة؛لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الوتر ركعة من آخر الليل)(12)، ولقوله-صلى الله عليه وسلم-:(ومن أحب أن يوتر بواحدة، فليفعل)(13).

وأفضل الوتر إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، يصليها مثنى مثنى ويوتر بواحدة

لقول عائشة -رضي الله عنها-: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة) وفي لفظ: (يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة)(14).

ويصح أكثر من ثلاث عشرة ركعة، ولكن يختمهن بوتر، كما في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً سأل الرسول-صلى الله عليه وسلم-عن صلاة الليل فقال: (صلاة الليل مثنى مثنى،فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)(15).

وإذا صلى إحدى عشرة ركعة فله أن يسردها، ثم يجلس بعد العاشرة، ويتشهَّدَ ولا يُسلِّم، ثم يقوم ويأتي بالحادية عشرة، ويتشهَّد ويسلم، وله أنْ يسردها، ولا يجلس إلا بعد الحادية عشرة، ويتشهَّد ويُسلِّم، والصفة الأولى أفضل.

وله أن يوتر بتسع ركعات، يسرد ثمانياً، ثم يجلس عقب الركعة الثامنة، ويتشهد التشهد الأول ولا يسلم، ثم يقوم فيأتي بالركعة التاسعة، ويتشهد التشهد الأخير ويسلم.

وله أن يوتر بسبع ركعات أو بخمس ركعات، لا يجلس إلا في آخرها، ويتشهد ويسلم، لقول أم سلمة -رضي الله عنها-: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام)(16).

وله أن يوتر بثلاث ركعات، يصلي ركعتين ويسلم، ثم يصلي الركعة الثالثة وحدها(17).

القراءة في الوتر:

يستحب للمصلي أن يقرأ في الركعة الأولى من الوتر بـ ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى))الأعلى: 1، وفي الركعة الثانية بـ ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ))الكافرون: 1، وفي الثالثة بـ ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) الإخلاص: 1.

لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الركعة الأولى بـ ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى))الأعلى: 1، وفي الثانية بـ ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ))الكافرون: 1، وفي الثالثة بـ ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) الإخلاص: 1 والمعوذتين)(18).

القنوت في الوتر:

القنوت في الوتر مستحب وليس بواجب، والدليل على مشروعيته: ما روي عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- أنه قال: (علمني رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت)(19).

محل القنوت:

يكون القنوت في الركعة الأخيرة من الوتر، ويجوز أن يكون قبل الركوع بعد الفراغ من القراءة، ويجوز كذلك بعد الرفع من الركوع(20)، فعن حميد قال: سألت أنساً عن القنوت قبل الركوع أو بعد الركوع؟ فقال: كنا نفعل قبل وبعد(21).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (ومجموع ما جاء عن أنس من ذلك أن القنوت للحاجة بعد الركوع لا خلاف عنه في ذلك، وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه أنه قبل الركوع، وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك، والظاهر أنه من الاختلاف المباح)(22).

قضاء من فاته الوتر:

ذهب جمهور العلماء إلى مشروعية قضاء الوتر، لما رواه البيهقي والحاكم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر)(23)، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره) أخرجه أبو داود(24).

وعند أحمد والطبراني في الأوسط من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- كان يصبح فيوتر(25).

واختلفوا في الوقت الذي يُقضى فيه: فعند الحنفية: يُقضى في غير أوقات النهي، وعند الشافعية: يُقضى في أي وقت من الليل أو من النهار، وعند مالك وأحمد: يقضى بعد الفجر ما لم تصلّ الصبح(26).

وقد قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: من نام ولم يوتر قاصداً القيام آخر الليل وغلبه النوم فإنه يشرع له قضاء الوتر في وقت الضحى ويشفع بركعة، لحديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا منعه من قيام الليل نوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) رواه مسلم(27). وعلى هذا فإذا كانت عادة المؤمن في الليل خمس ركعات فنام عنها أو شغل عنها بشيء شرع له أن يصلي من النهار ست ركعات يسلم من كل ثنتين، وهكذا إذا كانت عادته ثلاثاً صلى أربعاً بتسليمتين، وإذا كانت عادته سبعاً صلى ثماناً يسلم من كل اثنتين(28).

لا وتران في ليلة:

ومن صلى الوتر ثم بدا له أن يصلي؛ جاز، ولكن لا يعيد الوتر؛ لما رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسَّنه عن علي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا وتران في ليلة)(29).

وعن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسلم تسليماً يسمعنا، ثمَّ يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد. رواه مسلم.

وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في ردها على سؤال ورد إليها ونصه: إذا صليت العشاء ثم أوترت وقمت آخر الليل وصليت ركعتين هل أوتر؟

فأجابت: السنة لمن أوتر في أول الليل وقام من آخره أن يصلي ما تيسر له شفعاً دون وتر، لما ثبت عن النبي-صلى الله عليه وسلم- عند مسلم أنه صلى ركعتين بعد الوتر، ولما روى الإمام أحمد وأهل السنن إلا ابن ماجه عن طلق بن علي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا وتران في ليلة)(30).

نسأل الله أن يعيننا على طاعته، ويوفقنا لكل ما يحبه ويرضاه، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


1 – انظر: فتاوى شيخ الإسلام (23/127، 253)

2 – أحمد، وأبو داود، حسنه الشيخ مقبل، انظر الجامع الصحيح (2/159).

3 – الملخص الفقهي (1/163).

4 – رواه أحمد وأصحاب السنن، وحسنه الترمذي ورواه الحاكم وصححه، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (1256).

5 – الملخص الفقهي (1/163).

6 – رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه رقم (959).

7 – راجع: الإجماع لابن المنذر (صـ 45).

8 – صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم (596)، في لفظ آخر لأحمد: (إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر، فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر)، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (108).

9 – متفق عليه.

10 – محضورة: أي تحضرها الملائكة.

11 – أخرجه مسلم.

12 – رواه مسلم.

13 – أخرجه أبو داود، وصححه الألباني، انظر صحيح أبي داود رقم (1260).

14 – أخرجه مسلم.

15 – متفق عليه.

16 – رواه النسائي، وابن ماجه، وصححه ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/313).

17 – الملخص الفقهي (1/165).

18 – رواه أحمد، والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وصححه الألباني، انظر صحيح سنن ابن ماجه رقم (963).

19 – رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وصححه الألباني، انظر صحيح سنن أبي داود رقم (1263).

20 – راجع: فقه السنة (1/185).

21 – رواه ابن ماجه، وقال الحافظ ابن حجر: "إسناده قوي". فتح الباري (2/491).

22 – فتح الباري (2/491).

23 – ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (2333).

24 – وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (1268) وصحيح الجامع رقم (6562).

25 – السند (6/242)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/246): "إسناده حسن" ، وكذا الشوكاني في نيل الأوطار (3/58).

26 – راجع: فقه السنة (1/186).

27 – فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/191) رقم الفتوى (11271).

28 – راجع: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/172) رقم الفتوى (6755).

29 – وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (7567) وصحيح أبي داود رقم (1267)، وصحيح سنن الترمذي رقم (391).

30 – فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/178) رقم الفتوى (1835).