المدرس الفاعل

المدرس الفاعل

الحمد لله الذي هدانا للإيمان، وشرفنا بالانتساب إلى دوحة الإيمان، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا محمد سيد ولد عدنان، وعلى آله وصحبه وسلم.. أما بعد:

لا يخفى على أي مسلم ما للقرآن من منزلة عظيمة فهو كلام الله ​​​​​​​، رب هذا الكون ومدبره، وهو المنهاج الذي جعله الله ليحكم حياة المسلمين، وبه يهتدي الضالون، ويسترشد المخطئون، ويزداد به المؤمنون إيماناً وبصيرة.

منه يلتمس الناس الهداية والنور، فهو نور كما وصفه الله، وهو روح وغذاء للروح قال – تعالى -: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52) سورة الشورى.

إن سر قوة الأمة الإسلامية، ومعيار رقيها وازدهارها يكمن في تمسكها بكتاب ربها، وسنة نبيها – عليه الصلاة والسلام -، وما ضعفت الأمة اليوم ووصلت إلى ما وصلت إليه من ذل وتخلف، وتبعية وتحكم لأعدائها بها، وانتهاك لأعراضها، وتدنيس لمقدساتها؛ إلا بسبب بعدها عن كتاب ربها، وسنة نبيها.

فلذلك كان لزاماً على كل من أراد الخير لأمته أن يسعى بكل ما يستطيع في إرجاع الأمة إلى كتاب الله تعلماً وتعليماً، وتلاوة وحفظاً، وتدبراً وعملاً بهذا الكتاب العزيز بكل الوسائل.

ولعل من أبرز هذه الوسائل هي مدارس تحفيظ القرآن الكريم، والكتاتيب القرآنية المنتشرة بفضل الله في شتى أنحاء العالم الإسلامي، وإسهاماً منا في خدمة كتاب الله ​​​​​​​ أحببنا أن نكتب في فن إدارة هذه المدارس والكتاتيب وبعض النصائح والتوجيهات للقائمين على هذه المدارس من مدراء ومدرسين وعاملين، ونسأل الله أن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يوفق القائمين على هذه المدارس لكل خير، وأن يجزيهم خير الجزاء، وأن يجعلهم خير الناس مصداقاً لقول المصطفى  : خيركم من تعلم القرآن وعلمه.

مقومات شخصية المدرس الفاعل:

لشخصية المدرس الدور الرئيس في نجاح الحلقة، ونجاح التحفيظ، وتحقيق أهدافه العلمية والتربوية، وسنذكر أهم مقومات شخصية المدرس ليتعرف عليها، ويسعى مجتهداً إلى الاتصاف بما لم يكن متصفاً به حتى يكون مدرساً مؤثراً فاعلاً .. ومن تلك المقومات:

أولاً: المقومات العقدية والأخلاقية والسلوكية:

1. من المقومات الأساسية أن يكون المدرس ذا عقيدة إسلامية سليمة من الشركيات والبدع، والضلالات والخرافات.

2. أن يكون ملتزماً بالفرائض والواجبات، محافظاً على المندوبات بحسب الاستطاعة، مجتنباً للمحرمات، مبتعداً عن المكروهات ببذل الطاقة.

3. أن يكون مراقباً لربه في سره وعلانيته، راجياً لثوابه، خائفاً من عقابه، متأملاً في تصرفاته، محاسباً لنفسه على هفواته وزلاته.

4. أن يحرص على التفقه في الدين، وعدم الاقتصار على حفظ القرآن الكريم وتدريسه.

5. أن يتعرف على حقيقة نفسه، فلا ينخدع بثناء الناس عليه، ولا يداخله العجب والغرور بما يرى من أعداد طلبته الغفيرة، وكثرة من أتم حفظ القرآن عليه.

6. أن تكون دوافعه للتدريس:

العمل لوجه الله – تعالى – وحده لا شريك له.

نشر القرآن الكريم وتعليمه والسعي إلى تحصيل الأجور العظيمة المترتبة على ذلك.

التأسي والاقتداء بالرسول  وصحابته ، ومن جاء بعدهم من سلف الأمة وأئمتها.

7. أن يكون متصفاً بالأخلاق الفاضلة، ملتزماً بالسلوكيات الحميدة، مجتنباً لما يناقض ذلك داخل الحلقة أو خارجها، فمن الأخلاق والسلوكيات التي ينبغي أن يتصف بها خارج الحلقة:

الزهد في الدنيا، وعدم التعلق بمتاعها ولذاتها.

المحافظة على الوقت، والحرص على أن لا تمضي ساعاته إلا بنفع أخروي أو دنيوي.

خدمة الناس ومساعدتهم بما يمكن بلين وتواضع، على أن لا يطغى ذلك على مهمته الأساس وهي: التربية والتعليم.

التنزه عن دنيء المكاسب، ورذيلها طبعاً وعرفاً، وعن مكروهها عادة وشرعاً.

أن يكون المدرس عزيز النفس متحاشياً طلب مساعدة الآخرين في الأمور الشخصية؛! إذ أن  في ذلك ذلة وانكسار.

ومن الأخلاق والسلوكيات التي ينبغي أن يتصف بها داخل الحلقة:

أن يلجأ إلى الله – تعالى -، ويسأله التوفيق والتسديد للقيام بمهمته، ولا يركن إلى جهده وطاقته الشخصية بحال.

أن يكون في الحلقة حسن الأخلاق، طيب المزاج، متحاشياً الوقوع في الغضب وأسبابه، متحكماً في نفسه حال وقوعه.

أن يحافظ على صلاة تحية المسجد، والسلام على الطلبة، والتطلف معهم.

أن يجلس بوقار وسكينة، وخشوع وتواضع، مجتنباً ما يُكره من الجلسات.

أن يكون قدوة لطلابه في جميع أقواله، وأفعاله، وتصرفاته.

ثانياً: المقومات الجسدية والمظهرية:

لا بد أن تتوفر في المدرس الصفات الأساسية من ناحية الصحة والهيئة، ومن أبرز ذلك:

1. سلامته من الأمراض والإعاقات المؤثرة، وعيوب السمع والنطق.

2. أن يكون المدرس حسن المظهر، متوسطاً في ذلك بين الإسراف والتقتير، وذلك من خلال: المحافظة على خصال الفطرة، مثل: تقليم الأظافر، وحف الشارب، وإعفاء اللحية، وإكرامها، وصبغها بغير السواد – إذا ظهر الشيب -، والالتزام بشروط اللباس الشرعي، وترجيل الرأس وتسكين شعثه، ويستحسن لبس العمامة، وتنظيف البدن والثياب، واستخدام السواك، ومسه للطيب إن أمكن.

ثالثاً: المقومات المهنية:

ينبغي أن تتوفر في المدرس مجموعة من الصفات والمهارات التي تتطلبها مهنة التدريس ومن ذلك:-

1. إجادة تلاوة القرآن الكريم، وحفظه كاملاً أو على الأقل حفظ جزء كبير منه، بشرط أن يكون المدرس متجاوزاً في حفظه للمقدار الذي يحفظه أبرز طلابه.

2. أن تكون لدى المدرس رغبة ذاتية في مهنة التدريس، بحيث لا يقوم بها وهو لا يرغبها.

3. أن يكون لدى المدرس استعداد فطري لمزاولة مهمة التدريس مثل: سلامة الفكر، وحضور الذهن، وبعد النظر، وسرعة البديهة، والقدرة على ضبط النفس وامتلاكها عند الغضب، ولا يعني ذلك أن من لا يملك بعض جوانب الاستعداد الفطري ليس لديه استطاعة لمزاولة مهمة التدريس، ولكن لا بد له كي ينجح في أداء المهمة من إرادة قوية، وعزيمة، ومثابرة تمضي به نحو النجاح، بحيث يعني من هذا حاله بالتحضير للدرس تحضيراً جيداً، بمراجعة الحفظ، والتحضير التحريري للمواد الرديفة، والقيام بالتفكير في الأمور المتوقع إشكالها على الطلاب، أو التي يمكن أن يثيروها ويستفسروا عنها لتحضير إجاباتها.

4. أن يتعرف المدرس على بيئة الحلقة، لكي يتمكن من اختيار الألفاظ المناسبة أثناء التخاطب مع التلاميذ، وليتحاشى القيام بسلوكيات يراها مجتمع الحلقة سيئة، وليتمكن من تقريب المعاني للطلبة في المواد الرديفة عن طريق أمثلة قريبة من البيئة.

5. أن يتعرف المدرس على تلاميذه من ناحية القدرة على الحفظ والتعلم، وأن يتعرف على مصادر التلقي المقبولة لديهم، والمؤثرة في تكوين شخصياتهم، حتى يتمكن من تحديد المقدار المناسب للحفظ، واختيار المعلومة المناسبة، والطريقة المثلى لعرضها وتقديمها، واختيار الأسلوب الأفضل للتعامل مع التلاميذ، والقيام بعملية التربية والإصلاح.

6. أن يكون المدرس قادراً على إدارة الحلقة، وحفظ نظامها، وتوجيه الطلبة عن طريق قوة الشخصية، وامتلاك قلوبهم، وجذب انتباههم، والاستمرار في متابعتهم.

7. أن يكون المدرس ملماً بطرق التدريس ووسائل الإيضاح المعينة، مطلعاً بقدر الإمكان على الكتب المناسبة في ذلك؛ لكي يتمكن من إيصال المعلومة بأفضل طريقة.

8. أن يلتزم المدرس بشروط الإلقاء الجيد سواء في حال التوجيه، أم في حال طرح الموضوع على الطلبة.

9. أن يكون منتظماً في مواعيد الحلقة؛ لكي يتم تلافي السلبيات التي تحدث في حال غيابه أو تأخره، أو خروجه المبكر، ومنها:

تلاعب الطلاب في مكان الدراسة.

تعود الطلبة على إخلاف الوعد والتساهل في الحضور إلى الحلقة.

عدم تقبل كلام المدرس في الانتظام في الحلقة.

10. أن يستعد المدرس للحلقة قبل أن يأتيها نفسياً؛ بأن لا يأتيها وهو مهموم، أو مغضب، أو قلق. وجسدياً؛  بأن لا يأتيها وهو نعسان، أو جائع، وزمنياً؛ بأن ينهي كافة ارتباطاته قبل المجيء إلى الحلقة، وعلمياً؛ بأن يحضر للمادة قبل زمن الحلقة.

11. أن يكون لدى المدرس الاستعداد للالتزام والتفاعل مع التوجيهات الصادرة من الجهة المشرفة على الحلقة.

أخيراً: المدرس هو العمود الفقري للحلقة، وبدونه لا تقوم الحلقة، فليتق الله في ما أوكل إليه من مسؤولية، وما تحمله من أمانة، وليقم بها خير قيام .. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

نقلاً عن كتاب المنتدى: (نحو أداء متميز لحلقات تحفيظ القرآن الكريم) بنوع من التصرف