سارعوا إلى مغفرة وجنة

 سارعوا إلى مغفرة وجنة

الحمد لله مسبب الأسباب، ومنزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، يعلم ما ظهر وما غاب، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، والهادي إلى دين رب العالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين.. أما بعد:

أيها المسلمون: اعلموا أن الطريق الموصل إلى جنة الله رب العالمين لا ينال شرفه إلا من اتبع شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد جعل الله ورسوله أسباباً لدخول الجنة، فما على الإنسان إلا أن يعمل بها كي يفوز برضا الله وجنة عرضها السماوات والأرض.. فمن تلك الطرق:

1-   معرفة الأسباب المؤدية إلى النار والابتعاد عنها، ولذلك قيل:

عرفت الشر لا للشر       ولكن لتـوقيـه

 ومن لا يعرف الخير        من الشر يقع فيه

2- التوحيد، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان فان حقاً على الله أن يدخله الجنة هاجر في سبيل الله أو جلس في الأرض التي ولد فيها "  أخرجه أحمد والبخاري.

3- صلة الرحم، فعن أَبي أيوب الْأَنصاري -رضي الله عنه- أَن رجلا قال: يا رسول اللَّه! أَخبرني بعمل يُدخلُني الجنَّة؟ فقال رسول اللَّه: " تعبد اللَّه لا تشرك بِهِ شيئاً، وتقيم الصَّلاة، وتُؤتي الزكاةَ، وتصل الرحم" رواه البخاري ومسلم.

4- طاعة المرأة زوجها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها؛ دخلت جنة ربها ". رواه أحمد.

5- القيام بتربية وإعالة البنات والأخوات، فعن أَبي سعيد الخدرِي  أَن رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: " لا يكون لأَحدكم ثلاث بنات، أَو ثلاث أَخوات، فيحسن إليهن إلا دخل الجنة" 1.

6- المحافظة على السنن الراتبة مع الفرائض؛ فعن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان -رضي الله عنهما- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد مسلم يصلي لله -تعالى- في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة، –أو- إلا بُني له بيت في الجنة " رواه مسلم.

7- خوف الله ومراقبته، قال الله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}2. وقال: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} 3 .

8- قيام الليل، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام؛ فعن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:‏ ‏" ‏لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم‏؟‏ أفشوا السلام بينكم‏" رواه مسلم. وعن عبد الله بن سلام أن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: " أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

9-   المحافظة على أركان الإسلام، فقد جاء رجل إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال له: دلني على عملا أعمله يدنيني من الجنة ويباعدني من النار؟ فقال الرسول: " تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل ذا رحمك ". فلما أدبر الرجل، قال الرسول: " إن تمسك بما أمر دخل الجنة" رواه مسلم.

10- سلامة الصدر للمسلمين؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنا جلوساً عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة" فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده الشمال. فلما كان الغد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي -صلى الله عليه وسلم- تبعه عبد الله بن عمرو  – أي تبع ذلك الرجل-  فقال: إني لاحيت أبي، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي، فعلت، قال: نعم. قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً، غير أنه إذا تعار من الليل ذكر الله وكبر، حتى قام لصلاة الفجر. قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول: إلا خيراً، فلما مضت الثلاث الليالي، وكدت أن احتقر عمله، قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرات: " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة " فطلعت أنت الآن، فأردت أن آوي إليك فأنظر في عملك فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله؟ قال: ما هو إلا ما رأيت؟ فلما وليت دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا حسداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك. رواه أحمد بإسناد صحيح.

11- التقوى، قال -عز وجل-: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}4. وقال: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} 5. وقال: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} 6. وقال: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}7.

12- الوضوء والدعاء بعده، فعن عمر بن الخطاب  عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ -أو فيسبغ الوضوء- ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " رواه مسلم.

13- الإكثار من خصال الخير؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم اليوم صائماً؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن تبع منكم اليوم جنازة؟" قال أبو بكر: أنا. قال: "فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟" قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله: "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة". رواه مسلم

14- المشي إلى المساجد، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح" رواه البخاري ومسلم.

15- المحافظة على صلاتي الفجر والعصر؛ فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من صلى البردين دخل الجنة "رواه البخار ي ومسلم. . وعن أبي زهير عمارة بن رؤيبة قال: سمعت رسول الله يقول: " لن يلج النار أحد صلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ". يعني الفجر والعصر. رواه مسلم.

16- منيحة العنز؛ فعن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها، وتصديق موعدها إلا أدخله الله بها الجنة " رواه البخاري.

التمسك بالسنة، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" رواه البخاري.

17- الحج المبرور؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " رواه البخاري ومسلم.

18- الجهاد في سبيل الله؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه: "تضمن اللَّه لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلاَّ جهاد في سبيلي، وإيمان بي وتصديق برسلي فهو عليَّ ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى منزله الذي خرج مِنه بما نال من أجر، أو غنيمة، والَّذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل اللَّه إلا جاء يوم القيامة كهيئة يوم كلم، لونُهُ لون دم، وريحُهُ ريحُ مسك، والذي نفس محمد بيده لولا أنْ يشُقَّ على المسلمين ما قعدت خلاف سرِية تغزو في سبيل اللَّه أبداً، ولكن لا أجد سعة فأَحملهم ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عنِي، والذي نفس محمد بيده، لوددت أن أغزو في سبيل اللَّه، فأقتل، ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأقتل " رواه مسلم واللفظ له والبخاري. الكلم: الجرح.

19- بر الوالدين، فعن أبي الدرداء أن رجلاً أتاه فقال: إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها؟ فقال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " الوالد وسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه " رواه الترمذي وقال حديث حسن.

20- طلب العلم الشرعي، فعن أبي هريرة أنَّ رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قالَ: " …. ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل اللَّه له به طريقاً إلى الجنة " رواه مسلم.

21- إزالة الأذى من طريق المسلمين؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين" رواه مسلم.  وفي رواية: "مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: "والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأُدخل الجنة".

22- الصبر والاحتساب على موت أحد الأصفياء أو الأبناء؛ فعن أَبي هريرة أَنَّ رسول اللَّه قَالَ: "يقول اللَّه -تعالى-: ما لِعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صفيَّه من أَهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة " رواه البخاري. وعن أَنس أَنَّ رسول اللَّه قال: " من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة". فقامت امرأَة فقالت: أَو اثنان؟. قال : " أَو اثنان.."رواه  البخاري والنسائي و ابن ماجه  أحمد.

23- كفالة اليتيم، فعن سهل -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: " أَنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " وأَشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئاً. رواه البخاري.

24- عيادة المريض، أو زيارة أخ في الله؛ فعن أَبي هريرة قال: قال رسول اللَّه: " من عاد مريضاً، نادى مناد من السماء: طبت وطاب ممشاك، وتبوّأت من الجنة منزلاً " رواه الترمذي وابن ماجه.

25- التسبيح والتحميد والتكبير دبر كل صلاة؛ فعن عبد اللَّه بن عمرو قال: قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: "خلَّتَان لا يُحصيهما رجلٌ مسلمٌ إِلا دخل الجنة، ألا وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل، يسبح اللَّه في دبر كل صلاة عشراً، ويحمده عشراً، ويكبره عشراً" قال: فأنا رأيت رسول اللَّه يعقدها بيده، قال: "فتلك خمسون ومائة باللسان8، وألف وخمس مائة في الميزان، وإذا أخذت مضجعك تسبحه، وتكبره، وتحمده مائة، فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمس مائة سيئة؟ قالوا: فكيف لا يحصيها؟ قال: يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا؛ حتى ينفتل، فلعله لا يفعل، ويأتيه وهو في مضجعه، فلا يزال ينوِّمه حتى ينام" رواه الترمذي و ابن ماجه وأحمد.

26- التجاوز عن المعسر؛ فعن حذيفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: " أن رجلاً مات فدخل الجنة، فقيل له: ما كنت تعمل؟. قال: فإما ذَكر، وإما ذُكر، فقال: إني كنت أبايع النَّاس، فكنت أنظرُ المعسرَ، وأتجوَّز في السِّكَّة، أو في النّقد، فغفر له "رواه  مسلم.

27-  الصبر على فقد نعمة البصر؛ فعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يقول اللَّه -عز وجل-: "من أذهبت حبيبتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثواباً دون الجنة" رواه الترمذي وأحمد.

28-  الإكثار من السجود لله؛ فعن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت مع رسول اللَّه فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: "سل" فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة؟ قال: "أو غير ذلك ؟". قلت: هو ذاك، قال : "فأعني على نفسك بكثرة السجود" رواه مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد.

29-  الصدق في الحديث، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وحفظ الفرج، وغض البصر، وكف اليد؛ فعن عبادة بن الصامت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة، اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدُّوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم" رواه  أحمد.

30-  المداومة على التطهر عند كل حدث، وصلاة ركعتين بعد الأذان؛ فعن أبي بريدة قال: أصبح رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- فدعا بلالاً، فقال: "يا بلال، بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك – أي صوت مشيك- أمامي "… فقال بلال: يا رسول اللَّه! ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها، ورأيت أن لِلَّه علي ركعتين، فقال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-:"بِهِمَا" رواه الترمذي أحمد.

 وأسباب دخول الجنة كثيرة جداً، ويجمعها أمر عظيم وكبير وهو: امتثال ما أمر به الله ورسوله، واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله، والله أعلم.


1 – رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وهو في السلسلة الصحيحة .

2 – الرحمن(46).

3 – النازعات(40-41) .

4 – الحجر (45) والذاريات (15).

5 مريم (63).

6 الشعراء (90)

7 ق (31).

8– خمسون ومائة: لأن ثلاثين في خمسة فروض يساوي مائة وخمسين. ثم تضرب في عشرة؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء.