مبطلات الصلاة

مبطلات الصلاة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

 أما بعد:

فالصلاة لها أركان وشروط, ويجب أن تكون مستوفية لأركانها وشروطها؛ حتى تكون صحيحة، فإذا اشتملت على أمر مخالف للكيفية المشروعة، فسدت الصلاة أو بطلت، وقد عدد العلماء مبطلات الصلاة, فذكروا ما يلي:

1- الأكلُ والشُّربُ عَمْداً:

قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن من أكل أو شرب في صلاة الفرض عامداً أن عليه الإعادة1، وكذا في صلاة التطوع عند الجمهور؛ لأن ما أبطل الفرض يُبطل التطوع"2.

2- الكلام في غير مصلحة الصلاة:

فعن زيد بن أرقم, قال: كنا نتكلم في الصلاة, يكلم الرجلُ منا صاحبَهُ, وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة: 238] فأُمِرنا بالسُّكوتِ ونُهينا عن الكلامِ3.

وعن ابن مسعود, قال: كنا نُسلِّمُ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم, وهو في الصلاة فيرد علينا, فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله هل نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟ فقال: (إنَّ في الصَّلاةِ لشغلاً)4.

وعن مُعاوية بن الحَكَم السُّلميِّ, قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصمتونني، لكني سكت، فلمَّا صلَّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم, فبأبي هو وأمي ما رأيتُ مُعلِّماً قبله ولا بعده أحسنَ تعليماً منه، فوالله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: (إن هذه الصلاة لا يصلُحُ فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)5.

3- العَمَلُ الكثيرُ:

قال ابن عبد البر: "وأجمعوا أن العمل الكثير في الصلاة يفسدها"6.

وقال الإمامُ النَّوويُّ رحمه الله: "إنَّ الفعل الذي ليس من جنس الصلاة إن كان كثيراً أبطلها بلا خلاف، وإن كان قليلاً لم يُبطلها بلا خلافٍ، …."7.

4- ترك ركن, أو شرط عمداً وبدون عذر:

لما رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي لم يحسن صلاته: (ارجع فصل فإنك لم تُصَلِّ)8 قال ابن رشد: "واتفقوا على أنَّ مَن صلى بغير طهارة أنه يجب عليه الإعادة عمداً كان أو نسياناً، وكذلك من صلى لغير القبلة عمداً كان ذلك أو نسياناً، وبالجملة فكلُّ مَنْ أخلَّ بشرطٍ من شروط صحة الصلاة وجبت عليه الإعادة"9.

5- الضحك في الصلاة:

قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك يُفسد الصلاة10. وقال الإمام النووي: وهو محمول على من بان منه حرفان. وقال أكثر العلماء: لا بأس بالتبسم11.

6- تعمُّد زيادة ركن فعلي:

إذا تعمَّدَ المصلي زيادة ركن فعليٍّ في صلاته, فإنَّ صلاته باطلةٌ؛ لأنَّهُ أخلَّ بهيئتِها، فتبطل إجماعَ12.

7- كشفُ العَوْرةِ عَمْدَاً:

إذا كشف المصلى عن عورته عمداً فإن صلاته تبطل؛ لأن ستر العورة شرط في صحة الصلاة، لكن إن انكشفت بسبب ريح أو نحوه, فسترها في الحال فلا تبطل؛ لأنه يسير من الزمان أشبه اليسير من العورة13.

8- طروء الحدث الأصغر أو الأكبر:

من شروط صحة الصلاة الطهارة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)14، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)15، وعن عباد بن تميم عن عمِّهِ أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: (لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)16.

9- حُدُوثُ النَّجَاسَةِ التي لا يُعْفَى عنها في البَدَنِ أو الثَّوبِ أو المَكَانِ:

فمن تنجَّسَ جسدُهُ أو ثوبُهُ، أو سجد على شيء نجس بنجاسة لا يُعفى عنها، بطلت صلاته، ولا تبطل بالنجاسة التي يُعفَى عنها، ولا بما إذا وقع على ثوبه نجاسة يابسة فنفض ثوبه حالاً17.

10- الرِّدة:

إذا ارتدَّ المصلي أثناء صلاته, فإن صلاته تبطل، وتبطل جميع أعماله الصالحة، قال تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[المائدة: 5].

11- الجنون والإغماء:

إذا جُنَّ المصلي أو أُغميَ عليه، وهو في الصَّلاةِ، فتبطل صلاتُهُ18.

12- تغيير النية:

تبطل الصلاة بفسخ النية، أو التردد في الفسخ، أو نية الخروج من الصلاة، وتبطل بشكه هل نوى أم لا، قال في الكافي: "ومتى شكَّ المصلي في الصلاة، هل نوى أم لا، لزمه استئنافها؛ لأن الأصل عدمها، فإن ذكر أنه نوى قبل أن يحدث شيئاً من أفعال الصلاة أجزأه, وإن فعل شيئاً قبل ذكره بطلت صلاته؛ لأنه فعله شاكَّاً في صلاته19.

21- أن يسبق المقتدي إمامه عمداً بركن لم يشاركه فيه:

كأن يركع ويرفع قبل أن يركع الإمام، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، أما إن كان سهواً فرجع فتابع إمامه فلا تبطل صلاته.

22- أن يسلم عمداً قبل تمام الصلاة:

فالصلاة لا تكون صحيحة إلا إذا أديت على صفتها المشروعة، وبجميع أركانها، فإذا سلم من صلاته قبل أن يتمها فصلاته باطلة، أما إن سلم سهواً، لم تبطل إذا لم يعمل عملاً كثيراً20، بشرط أن يرجع ويتمها فإن لم يرجع بطلت.

23- استدبار القبلة:

استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة، فإذا استدبر القبلة بغير عذر بطلت صلاته، لأنه أخل بشرط من شروط صحة الصلاة21.

24- تعمد تقديم بعض الأركان على بعض:

كأن يقدم السجود قبل الركوع، أو الركوع قبل القراءة، أو غير ذلك؛ لأنَّ ترتيبَ الصَّلاةِ ركنٌ من أركانِها، فلا تصح إلا بالترتيب الوارد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم22.

نسأل الله أنْ يتقبَّلَ من صلاتِنا وجميع أعمالنا، وأن يجعلَها خالصةً له، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


1 – الإجماع (صـ 40).

2 – راجع: فقه السنة (1/255).

3 – رواه الجماعة.

4 – متفق عليه.

5 – رواه مسلم، وأحمد، والنسائي، وأبو داود.

6 – التمهيد (20/95).

7 – فقه السنة (1/256).

8 – متفق عليه.

9 – بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/130).

10 – الإجماع (صـ 40).

11 – راجع: المغني (1/394).

12 – راجع: منار السبيل (1/99).

13 – راجع: منار السليل (1/99)، والمغني (1/338).

14 – رواه مسلم وأصحاب السنن.

15 – متفق عليه.

16 – متفق عليه.

17 – راجع: منار السبيل (1/98)،والفقه الإسلامي (1/17-18).

18 – راجع:الفقه الإسلامي (1/19).

19 – منار السبيل (1/99).

20 – راجع الفقه الإسلامي (1/24).

21 – راجع منار السبيل (1/98)، والفقه الإسلامي (1/17).

22 – راجع منار السبيل (1/99).