مكروهات الصلاة

 

 

مكروهات الصلاة

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أفضل المرسلين, وعلى آله وصحبه والتابعين, وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أمَّا بعدُ:

الصلاة من أعظم العبادات التي يُتقرَّبُ بها إلى الله ​​​​​​​ ؛ ولذا يحرص المسلم على أن يؤديها كما شرعت، وكما أن عليه أن يأتي بجميع أركانها, وشروطها، وسننها، فكذلك عليه أن يتجنب ما يفسدها، أو ينقص من أجرها، وقد بين العلماء كل ذلك في كتبهم، وما على المسلم إلا أن يتعلم ذلك.

وقد ذكر العلماء أنه يُكره للمصلي أن يترك سنة من سنن الصلاة، وكذلك ذكروا جملة من الأشياء التي يُكره للمصلي فعلها في صلاته، فينبغي أن يحرصَ المصلِّي على اجتنابها، ولا يفعل شيئاً منها حتى تكون صلاته على الصفة المشروعة.

وهذه المكروهات كما بينها العلماء هي كما يلي:

1- الالتفات:

لحديث عائشة رضي الله عنها, قالت: سألت رسول الله   عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: ((هو اختلاس يختلسُهُ الشَّيطانُ من صَلَاةِ العبدِ)) رواه البُخاريُّ، إلا أن يكون ذلك لحاجة، فلا بأسَ به، كما في حالة الخوف.

أما إذا استدار المصلي بجملته, أو استدبر القبلة, فإن صلاته تبطل إلا لعذر؛ لأنه ترك الاستقبال1.

2- تغميضُ العينين:

الصَّحيحُ أنَّه مكروهٌ؛ لأنه يُشبه فِعْلَ المجوس عند عبادتهم النيران، حيث يُغمِضُون أعينَهم. وقيل: إنه -أيضاً- مِن فِعْلِ اليهودِ، والتشبُّه بغير المسلمين أقلُّ أحواله التحريم، كما قال شيخ الإِسلام، فيكون إغماضُ البَصَرِ في الصَّلاةِ مكروهاً على أقل تقدير، إلا إذا كان هناك سبب مثل أن يكون حولَه ما يشغلُه لو فَتَحَ عينيه، فحينئذٍ يُغمِضُ تحاشياً لهذه المفسدة2.

3- رفع البصر إلى السماء:

فعن أنس بن مالك, قال: قال النبي  : ((ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟!)), فاشتد قوله في ذلك حتى قال: ((لينتهُن عن ذلك أو لتُخطفن أبصارهم)) رواه البخاري.

4- التخصر في الصلاة:

التخصر أن يضع يده على خاصرته، وهذا الفعل نهى عنه النبي ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن النبي   نهي أن يصلي الرجل مختصراً)) متفق عليه.

5- الصَّلاةُ مع مُدافعةِ الأخبثينِ:

لحديث عائشة رضي الله عنها, قالت: سمعت رسول الله   يقول: ((لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان)) رواه مسلم.

6- تغطيةُ الفم والسَّدل:

فعن أبي هُريرة  : (أنَّ رسولَ اللهِ   نهى عن السَّدل3 في الصَّلاةِ, وأنْ يُغطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ) رواه أبو داود والترمذي، وحسَّنَهُ الألبانيُّ في “صحيح أبي داود”, رقم (597).

7- الإقعاء في الجلوس للتشهد:

وهو أن يضع إليته على الأرض، وينصب ركبتيه، فعن أبي هريرة  , قال: (نهاني خليلي  عن إقعاء كإقعاء الكلب)4 وفي حديث آخر: (كان ينهى عن عقبة الشيطان5)رواه مسلم.

8- الاستناد إلى جدار أو نحوه حال القيام:

الاستناد إلى جدار أو نحوه مكروه؛ لأنه يُزيل مشقة القيام، ويجوز للحاجة6.

9- افتراش الذراعين حال السجود:

أي مدهما على الأرض مع إلصاقهما بها؛ كما يفعل السبع، لحديث عائشة رضي الله عنها: (وكان ينهى عن عقبة7 الشيطان، وأن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع) رواه مسلم.

وعن أنس بن مالك  قال: قال رسول الله  : ((اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب)) متفق عليه.

10- العبث:

وهو اللعبُ وعملُ مَالَا فائدةَ فيهِ بيدٍ, أو رجلٍ، أو لحية, أو ثوب, أو غير ذلك،ومنه مسحُ الأرضِ من غيرِ حاجةٍ8، فعن معيقيب قال: ذكر للنبي   المسح في المسجد يعني الحصى قال: ((إن كنت لا بد فاعلاً فواحدة)) رواه مسلم.

11- النَّظَرُ إلى مَا يُلهي:

يُكره للمُصلِّي أنْ يصليَ وبين يديه ما يشغله ويلهيه؛ لأن ذلك يشغله عن إكمال صلاته، وينقص خشوعه في الصلاة، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى في خميصة لها أعلام، وقال: ((شغلتني أعلام هذه، فاذهبوا بها إلى أبي جهم, وائتوني بأنبجانيه9)متفق عليه.

12- الصلاة في مكان فيه تصاوير:

تكره الصلاة في مكان فيه تصاوير؛ لما فيه من التشبه بعبادة الأصنام، ويُكره أن يصل في الثياب التي عليها تصاوير الحيوان أو الإنسان؛ لقول أبي طلحة: سمعتُ رسولَ اللهِ  , يقول: ((لا تدخلُ الملائكةُ بيتاً فيهِ كلب ولا صورة))10، ولأنه يشبه حامل الصنم11، ولحديث أنس بن مالك   قال: كان قرام -ستر رقيق- لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال: لها النبي  : ((أميطي عنك قرامك، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي)) رواه البخاري.

13- الصلاة إلى النار:

ويُكره الصلاة إلى النار؛ لما فيها من التشبه بالمجوس عبدة النار12.

14- اشتمال الصماء:

وهو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانباً، ولا يبقي ما تخرج منه يده، وفسره الفقهاء بأن يلتحف بثوب واحد، ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه، فيضعه على منكبيه، فيبدو منه فرجه، فعلى هذا التفسير يكون النهي للتحريم، وتفسد الصلاة معه13.

لكن إذا لم تظهر العورة بأن اشتمل بالثوب بحيث لا يدع منفذاً يخرج منه يده، كان مكروهاً، لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي  : (أنه نهى عن لبستين: اشتمال الصماء، وأن يحتبي الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين السماء شيء).

15- الصلاة في حضرة الطعام:

يُكره دخول المصلي في الصلاة بعد حضور طعام يشتهيه؛ لقوله  : ((لاصلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان)) رواه مسلم، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي  , قال: ((إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء)) رواه مسلم، وعن نافع أن ابن عمر كان يُوضع له الطعام, وتُقام الصلاة, فلا يأتيها حتى يفرغ, وإنه ليسمع قراءة الإمام. رواه البخاري.

16- تشبيك الأصابع وفرقعتها:

لحديث علي   مرفوعاً: (لا تقعقع أصابعك، وأنت في الصلاة) رواه ابن ماجه14، وعن كعب بن عجرة أن رسول الله   رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاةففرج رسول الله   بين أصابعه) رواه الترمذي وابن ماجه15، وقال ابن عمر في الذي يصلي وهو مشبك: “تلك صلاة المغضوب عليهم”16 رواه أبو داود17.

17- مَسْحُ الجبهةِ والأنفِ مِمَّا علق بهما من أثرِ السُّجودِ :

يُكره في أثناء الصلاة مسح الجبهة والأنف مما علق بهما من أثر السجود، ولا بأس بمسح ذلك بعد الفراغ من الصلاة18.

18- القيام على رجل واحدة:

يكره القيام على رجل واحدة، أو رفع رجل عن الأرض ولاعتماد على الأخرى إلا لضرورة أو عذر، كوجع الأخرى فلا كراهة حينئذ، وذلك لأنه تكلف ينافي الخشوع19.

19- البصاق أو التنخم في غير المسجد أمامه، أو عن يمينه:

لحديث أنس بن مالك  , قال: قال رسول الله  : ((إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه، فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت قدمه)) متفق عليه، وفي رواية: ((إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه, فإنما يُناجي الله ما دام في مصلاه, ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكاً، وليبصق عن يساره, أو تحت قدمه، فيدفنها)) رواه البُخاريُّ.

فعلى المصلي أن يجتنب هذه الأفعال المكروهة، ويحرص على أن تكون صلاته خالية منها، ونسأل الله أن يوفقنا للخير، وأن ينفعنا بما علمنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


1 – راجع: الفقه الإسلامي (1/776).

2 – الشرح الممتع على زاد المستقنع (3/41).

3 – السدل: أن يلتحف بثوب ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك، النهاية (2/355).

4 – الطيالسي وأحمد وابن أبي شيبة، انظر التعليق (4/131)، والإقعاء هذا غير الإقعاء المشروع الذي بين السجدتين. انظر صفة صلاة النبي للعلامة الألباني ص (152، 157).

5 – فسره أبو عبيدة وغيره بالإقعاء المنهي عنه، وهو أن يلصق ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كما يفرش الكلب وغيره من السباع. صحيح مسلم (1/357).

6 – منار السبيل (1/97)، الملخص الفقهي (1/141).

7 – وهو الإقعاء.

8 – الملخص الفقهي (1/142).

9 – كساء له أنبجانيا قال ثعلب: هو كل ما كثف، قال غيره: هو كساء غليظ لا علم له، فإذا كان للكساء علم فهو خميصة، فإن لم يكن فهو انبجانية، وقال الداودي: هو كساء غليظ بين الكساء والعباءة. شرح النووي على صحيح مسلم (5/43).

10 – متفق عليه.

11 – راجع الفقه الإسلام (1/783).

12 – راجع الفقه الإسلامي (1/785).

13 – راجع المغني (1/584)، ونيل الأوطار (2/76) والفقه الإسلامي (1/785-786).

14 – ضعفه الألباني، انظر: إرواء الغليل رقم (378).

15 – ضعفه الألباني انظر ضعيف ابن ماجه رقم (202).

16 – صححه الألباني، انظر صحيح أبي داود رقم (876).

17 – راجع: منار السبيل (1/96).

18 – راجع: منار السبيل (1/97)، والملخص الفقهي (1/143).

19 – راجع: الفقه الإسلامي (1/777).